النهار

محاولات فاشلة في مشروع موازنة 2022 لإغراء المودعين: تصنيف ودائع اللبنانيين بين دولار ظريف ودولار سخيف
المصدر: "النهار"
محاولات فاشلة في مشروع موازنة 2022 لإغراء المودعين: تصنيف ودائع اللبنانيين بين دولار ظريف ودولار سخيف
محاولات فاشلة في مشروع موازنة 2022 لإغراء المودعين.
A+   A-
رغم الضرب بالمهل الدستورية عرض الحائط، استنفرت القوى السياسية لإعادة الحرارة إلى النقاش في مشروع الموازنة العامة لعام 2022 لإقراره كأحد الشروط المسبقة للاتفاق المبدئي بين الحكومة وصندوق النقد الدولي، الذي يشترط إقرار موازنة على أسس إصلاحية في مجلس النواب لمساعدة لبنان. وفيما لقي مشروع الموازنة الذي كانت أحالته الحكومة إلى لجنة المال والموازنة في مجلس النواب اعتراضات على عدد من بنوده، يتابع المعنيون مناقشة مواد مشروع الموازنة على طاولة الرخاء بين بعبدا ورياض الصلح في محاولة لتحقيق ما تيسّر من مكاسب سياسية.

يؤكد الخبير في المخاطر المصرفية والباحث الاقتصادي محمد فحيلي لـ"النهار" أن الشرط الأساسي في الموازنة هو التوازن بين الإيرادات والنفقات وخصوصاً في ظل الأزمة المالية الذي يعاني منها لبنان اليوم، ولكن هذا التوازن هو الغائب الأكبر. ويلقي الضوء على بعض مواد الموازنة التي تتعلق بالقطاع المصرفي خصوصاً، إذ يشير الى أنه في المادة 96 سقط سهواً عن من اقترح مضمون هذه المادة تعميم مصرف لبنان الأساسي 150 وما تبعه من تعديلات، فاقترح "إعفاء الفوائد الناتجة عن الودائع الجديدة بالعملات الأجنبية لدى المصارف (الناتجة عن الإيداع نقداً أو من خلال تحويل مصرفي من خارج لبنان) من الضريبة لمدة خمس سنوات من تاريخ نشر هذا القانون."

السلطة النقدية أنشأت الودائع الجديدة (fresh) في التاسع من نيسان 2020، وكانت أيضاً بنداً في مشروع الموازنة العامة لسنة 2021 (المادة 110)، وألزمت المصارف، بموجب أحكام التعميم الأساسي 150، على إدراجها تحت "باب محاسبة" جديد، وحرّرتها من كل القيود:

• لا تخضع الوديعة الجديدة لشرط التوظيفات الإلزامية (حالياً 14%).
• يجب على المصارف إيداع مؤونة تساوي 100% من حجم الوديعة الجديدة بالعملة الأجنبية لدى المصرف المراسل. وكأن الوديعة الجديدة بالعملة الأجنبية هي لدى المصرف المراسل وليست لدى المصرف التجاري العامل في لبنان.
• تمنع المصارف من احتساب الودائع الجديدة لصالحها كجزء من سيولتها. وهذا يعني باللغة المصرفية، يمنع على المصرف استعمالها و/أو توظيفها.
• تُصرف الوديعة الجديدة للمودع عند الطلب وبالشكل والطريقة اللذين يريدهما.
في المقابل لا يرى فحيلي جدوى من دفع فوائد على هذه الودائع الجديدة... و"لا يتوقع المودع ذلك"، مذكراً بأن المصارف توقفت عن دفع الفوائد كلياً من بداية الأزمة ولكنها، بمهنية وموضوعية، حافظت على تصنيف الودائع بين مجمّدة (لأجل)، وغب الطلب (ولا تُدفع عند الطلب!). باختصار، "الاقتراح في هذه المادة هو محاولة فاشلة لإغراء المودع (الناخب باللغة السياسية)، واقتراح لإعفائه ممّا هو ليس واجباً عليه، فيما يشجّع مشروع الموازنة اليوم على تصنيف ودائع اللبنانيين بين دولار ظريف (fresh) ودولار سخيف (Lollar)".

تمادت السلطة المالية، وفق ما يقول فحيلي، في إقحام نفسها في الشؤون المصرفية وألزمت المصارف في المادة 115 اعتماد التوطين من أجل دفع رواتب المستخدمين وسائر التعويضات والبدلات مهما كانت تسميتها في المؤسسات والشركات كافة. وكذلك التي تدفع للمديرين وأعضاء مجلس الإدارة. وجاء ذلك مقابل إغراء بإعفاء معاملات التوطين من رسم الطابع المالي ويحدّد البدل الأقصى الذي تستوفيه المصارف بـ5000 ليرة".

ولكن في المقابل يرى فحيلي أن السلطة السياسية هي من أصدر حكماً بالإعدام على المصارف والعمل المصرفي في لبنان من جراء إقدامها على التوقف عن خدمة الدين في آذار 2020 من دون التفاوض مع الدائنين أو حتى إبلاغهم (التعثر غير المنظم). ولا يخفى على أحد أن المصارف هي صاحبة المبادرة لجهة توطين الرواتب، ولم يكن من السهل إقناع القطاع العام في البداية، وكانت المصارف رائدة في تسهيل عمل "مكننة" تسديد الضرائب والرسوم لمصلحة وزارة المالية... "ما تريده المصارف منكم هو أن تلتزموا أنتم أولاً بواجباتكم تجاه الوطن والمواطن والمباشرة بجدية بالتفاوض مع الدائنين وإعادة جدولة الدين العام حتى تستطيع المصارف إعادة الودائع لأصحابها والعودة إلى الحياة الطبيعية التي سوف تكون صعبة ومستحيلة في ظل فقدان الثقة بينها وبين المودع التي سببها أرباب السياسة، وكانوا ايضاً وراء إقفال المصارف عدداً من فروعها، وانسحابها من بعض الأسواق، وتقليص خدماتها في العامين الأخيرين".

ويرى أن مشروع الموازنة كما ورد "هو اعتراف بفشل السلطة الحاكمة، فقد لحظت المادة 10 من مشروع الموازنة اعتمادات لدعم فوائد القروض الاستثمارية، تتعلق بالقروض المدعومة". ولكن فاقد الشيء لا يعطيه! وإذ لفت الى أنه في سنوات الرخاء كانوا ينفقون أموال المودعين هدراً، من دون حسيب ولا رقيب، واليوم، بعد الانتكاسة التي تسبّبوا بها لم يبقَ مال بأيدي الناس ولا في خزنات المصارف لينفقوها، وتالياً لم يعد باستطاعة المواطن الاستمرار، قال: "ها هم اليوم يعيدون أخطاء الماضي القريب بدعمهم ممّا لا يملكون، بعدما اتّبعوا سياسة دعم الاستيراد العشوائية لأكثر من سنة وهدرهم ما يقارب 7 مليارات دولار من أموال الناس لدعم ملوك الوكالات الحصرية والاحتكار في مقابل تجريد المواطن من كرامته وإجباره على الوقوف لساعات في طوابير الذلّ". وأضاف "اليوم استيقظوا لضرورة دعم الإنتاج الوطني، وهم الذين أبدعوا في الاستثمار بالفساد وبالهدر والزبائنية السياسية وتغييب الحوكمة عن إدارة البلاد".
واعتبر أن "مصرف لبنان صرف أمواله على فسادهم وفشلهم ولم يعد لديه، باعترافه، إلا البعض من توظيفات المصارف الإلزامية مقابل الودائع بالعملة الأجنبية، وهذه هي أموال المودعين ويجب عليهم أخلاقياً تحريرها لأصحابها. لستم قادرين ولا مقتدرين على الاستثمار من أجل مصلحة المواطن".

وبعيداً عن المواد التي تتعلق بالمصارف، يشير فحيلي الى ما اعتبرها الفضيحة الكبرى وتتعلق بالمادة 13 التي اقترحت بموجبها أن تُقدَّم، على طبق من الفضّة، لمؤسسة كهرباء لبنان، سلفة على الخزينة طويلة الأجل بحد أقصى 5250 مليار ليرة لبنانية لتسديد عجز شراء المحروقات وتسديد فوائد وأقساط القروض. ورأى أن "الكهرباء"، وهي الأكثر هدراً في المالية العامة، أعطيت سلفة من دون شروط أو ضوابط تعكس حجم وطبيعة الفساد أو الهدر في إدارة هذا المرفق العام. وسأل: "هل نسيتم أنكم تنفقون ممّا ليس لديكم، فيما لا نزال في انتظار الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء!".


الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium