النهار

مجلس مدني من أجل الكهرباء... غيمة الفساد والسياسات الخاطئة تصنع الظلمة
مجلس مدني من أجل الكهرباء... غيمة الفساد والسياسات الخاطئة تصنع الظلمة
A+   A-

عقد فريق "ازدهار الحمرا" أوّل مجلس مدني في العالم العربي وذلك على مستوى منطقة "الحمرا". يتبع هذا الفريق لمركز "ريليف" الذي تأسس عام 2017 ويجمع عدداً من الأساتذة الرائدين من كلية لندن الجامعية ومؤسسات التعليم العالي اللبنانية، ومُوّل مشروع المجلس المدني من خلال منحتين من مجلس البحوث الاجتماعية والاقتصادية ومجلس البحوث في المملكة المتّحدة.
 
يهدف المجلس الى إشراك المواطنين في مناقشة القرارات التي تؤثّر على حياتهم اليومية، وهو بلورة لمفهوم "الدّيموقراطية التّشاركية" حيث لا يقتصر فيها دور المواطن على الاقتراع إنّما أيضًا يبدي رأيه في القرارات التي تؤثر على معيشته.
 
يقول كمال شهاب وهو أحد المشاركين في المؤتمر لـ "النّهار": "يعطي هذا النّوع من المؤتمرات للشّباب اللبناني صوتاً ومجالاً لإبداء الرأي في مواضيع لم يكن لرأينا بشأنها أي صدى"، وتعتبر ناريمان حمدان التي سكنت في الحمرا لأكثر من 50 سنة أنّ "مشكلة الكرباء في لبنان هي مشكلة سياسية، فالحلول كثيرة لكنّ الدّولة لا تريد أن تسمعنا أو أن تطبقها".
 
 
 
يبرم هذا المجلس اجتماعين عامين في أوتيل في منطقة الحمرا، الأوّل كان الجمعة 23 تشرين الأوّل الذي فيه عرض الخبراء دراساتهم التي سنتكلم عنها في سياق هذه المقالة، والثاني سيعقد يوم الجمعة المقبل الواقع في 30 تشرين الاول، والغاية منهما عرض واقع مشكلة الطاقة في لبنان وتاريخها، ومسألة العدالة في مجال الطّاقة، ومسائل أخرى مثل ترشيد استخدام الطّاقة و"مزيج الطّاقة".
 
يتألّف المجلس المدني من مواطنين ومواطنات يمثّلون كل فئات المجتمع بشكل متوازن، ومن لجنة منظمة نزيهة وغير منحازة، وبالطّبع من خبراء مختّصين بالموضوع المتداول، وأخيرًا من لجنة تسهيل الجلسة التي تتأكد من مشاركة الجميع.
ومن بين الخبراء المشاركين مارك أيوب، وهو باحث في مجال الطّاقة ومنسّق مشاريع في معهد عصام فارس للسياسات العامّة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركيّة في بيروت، الذي قال لـ "النّهار": "مداخلتي يوم الجمعة المقبل في 30 تشرين الأوّل ستتمحور حول المزيج الطّاقوي، والإضاءة على واقعه في لبنان الذي يعتمد في97% من إنتاجه للطاقة على مواد غالية وملوثة"، وأكّد أيوب أنّ "لبنان يجب أن يبني معامل ضخمة لإنتاج الطاقة الشمسية وأن لا يقتصر الأمر على سطوح الأبنية السكنية. إن إطلاق مناقصات لبناء معامل إنتاج قائمة على الطاقة البديلة من شأنه تخفيض العجز وكلفة الإنتاج من 16 و20 سنتاً أميركيّاً للكيلواط إلى أقل من 5 سنتات إذا اعتمدنا على الطاقة المتجدّدة".
بعدما عرّف فريق التنظيم المشاركين على أهداف هذا المجلس، تعرف المشاركون بعضهم على بعض، ومن ثم بدأ عرض الخبراء لدراساتهم المُعَدّة لهذا المجلس. وكان زياد أبو الرّيش أوّل من عرض دراسته، مؤرخ وباحث عن تاريخ لبنان، قدم دراسته تحت العنوان التالي:
 
تاريخ الكهرباء في لبنان – البنية الاستعمارية لكهرباء لبنان 
لفهم مشكلة الكهرباء في لبنان يقتضي الرجوع الى حقبة ما قبل الحرب الأهلية والى حقبة العشرينيات وما بعدها. بالعودة الى التاريخ أوّل مشروع لإنتاج الكهرباء على الأراضي اللبنانية كان سنة 1906، وذلك عندما تأسست الشركة العثمانية للترامواي والكهرباء في لبنان، أمّابالنسبة لإنارة مدينة بيروت كان يتوافر عن طريق الشركة العثمانية للغاز، اندمجت الشركتان في العام 1907. بعد الحرب العالمية الأولى ومع الانتداب الفرنسي للبنان انضمت الشّركتان إلى شركة جديدة مساهمة اسمها شركة الترامواي والإنارة في بيروت، التي تحولت في الثلاثينات الى شركة كهرباء بيروت وهي شركة خاصة صاحبة امتياز من الحكومة تنتج وتوزع الكهرباء لبيروت والقرى المجاورة لها. كَثُرَت خلال عهد الانتداب الفرنسي امتيازات لشركات خاصة متعددّة تنتج وتوزع الكهرباء حول الأراضي اللبنانية.
 
تأممت شركة كهرباء بيروت سنة 1954، وشركة كهرباء لبنان هي شركة تضم جميع الشركات الخاصة التي كانت تمتلك امتيازات وموزعة على الأراصي اللبنانية. من هنا أساس عدم وجود شبكة متوحّدة للطاقة. يعتبر البعض أن الحرب الأهلية هي من أدت إلى التقنين في توزيع الكهرباء، إلا أنه بالعودة الى صحف حقبة العشرينيات وصولاً الى السبعينيات نرى أنّ العديد من المشاكل التي نعانيها في قطاع الطاقة اليوم كان سكّان بيروت وسكّان المناطق الأخرى يشكون منها.
بعد أن قدّم أبو الريش دراسته، كان دور جيسيكا عبيد، وهي مهندسة كهرباء متخصصة بالسياسات العامة بقطاع الكهرباء.
 
 
حقائق مهمة حول الكهرباء – السياسات الحالية، الحلول المطروحة، والعجز المالي:
تشرح عبيد في دراستها أنّ الدين العام في قطاع الكهرباء تخطى الـ40 مليار دولار وذلك إبتداء من التسعينيات. يعود سبب هذا العجز استخدام الفيول الثقيل والديزل أويل. عندما نجمع الخسائر مع كلفة إنتاج الكهرباء، تصبح كلفة الإنتاج الإجمالية أكثر من 24 سنتاً لكل كيلواط/ساعة. لا يمكن تحميل كل هذه الكلفة للمواطن بوقت هي ناتجة من الخسائر الفنية وغير الفنية التي كان يجب تخفيضها سابقًا. يجب حوكمة قطاع الكهرباء، وهذه العملية تبدأ بوجود هيئة ناظمة للقطاع تعمل على تخفيف التأثير السياسي فيه.
 
ثم عرفت ميساء جلاد، منسقة الباحثين المحليين بفريق "إزدهار الحمرا"، بدراستها الكهرباء في الحمرا: أرقام وخرائط:
نزل فريق من الباحثين في فريق "إزدهار الحمرا" على الارض وقاموا باستبيانات وأبحاث في المنطقة. تبين لنا أن عدد سكان الحمرا هو حوالي 7000 نسمة ويوجد فيها 634 بناية، 10% من مباني الحمرا موصولة بالكهرباء بشكل غير صحيح، وهناك 4% من المباني في الحمرا موصولةبخطورة وتحتاج لتدخل سريع.
 
 
أثر توليد الكهرباء على الصحة وجودة الهواء والبيئة:
وانتهت مداخلات الخبراء مع نجاة صليبا، بروفيسورة كيمياء بالجامعة الأميركية وتعمل في مجال تلوث الهواء، وأرادت من خلال مشاركتها تسليط الضوء على تلوث الهواء الناتج من الطاقة.
أشارت صليبا إلى أن الغيمة السوداء التي نراها فوق بيروت هي عبارة عن جزيئيات نتنفسها وتدخل في جهازنا التنفسي وتشكل خطرًا على صحة الإنسان، وتدخل الجزيئيات الصغيرة الى الدم وتعرض صحة من يتنشقها لأمراض خطيرة أكثر. يحتوي معمل الزوق على أربع مولدات يعملون على ما يسمى "هفي فيول أويل" وهي مادة ملوثة جدًّا. يوجد في بيروت ما يقرب الـ8000 مولد تسبب بانتشار دخان لونه أسود يحتوي على العديد من المواد الكيميائية منها ما هو مسرطن. واعتبرت صليبا ان مولدات الكهرباء يجب ألا تكون بين المنازل، ويجب الضغط على السلطات المحلية لإيجاد حل مستدام للكهرباء وذلك لعدم تنشق مواد سرطانية.
في ظل الأزمات التي يعيشها لبنان، وكان آخرها عدم الاكتراث بالمطالب الشعبية بحكومة مستقلة ذات صلاحيات استثنائية، يأتي هذا النوع من المؤتمرات ليعزز الديموقراطية التشاركية، والعدد الكبير المشارك في هذا المجلس المدني هو دليل أنّ الشعب اللبناني لم يحبط وما زال يعنى بالشأن العام.
 
 
 
إعلان

اقرأ في النهار Premium