لطالما انتظر محبّو التسوّق يوم أو أسبوع الـ“Black Friday”، وبعضهم أجّل شراء احتياجاته إلى حين قدوم المناسبة التقليدية. منذ بداية الشهر، بدأ الترويج لهذا اليوم رغم الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تضرب لبنان منذ أواخر عام 2019. هو الـ“Black Friday” الثالث منذ الأزمة، إلا أن الحركة العامة توحي بتعطّش المتسوّقين للاستفادة من هذا اليوم.
بدأ هذا التقليد منذ عام 1952 في الولايات المتحدة الأميركية، حيث يقام مباشرةً بعد يوم عيد الشكر. يستفيد العملاء خلال "الجمعة السوداء" من نسبة مرتفعة من الحسومات سواء في المتاجر أو عبر مواقع التسوّق الإلكترونية، إذ يتم شراء معظم هدايا أعياد الميلاد ورأس السنة في ذلك اليوم للاستفادة من تلك التخفيضات، ويزدحم الناس أمام المحال في كل سنة.
الصور بعدسة الزميلين حسام شبارو وحسن عسل:
"منذ كورونا والحجر الصحي اعتدتُ التسوّق الإلكتروني، ولا أزال اعتمد عليه في شراء كل حاجاتي بما فيها الثياب"، تقول ساندرا (23 سنة) وهي موظفة في إحدى شركات التأمين في جبل لبنان. تنتظر ساندرا الـ“Black Friday” منذ بداية الشهر لشراء الثياب الشتوية وبعض الأجهزة الالكترونية الضرورية للمنزل كالتلفاز. "رغم محدودية المداخيل، يمثّل هذا اليوم فرصة للتوفير على أنفسنا، وإن كانت محدودة. فلا يمكننا العيش من دون شراء الحاجات الأساسية مهما ارتفع سعر صرف الدولار".
تواصلنا مع أحد مسؤولي مؤسسة “HiCart” للتسوّق الإلكتروني، التي اعتمد عليها وعلى مثيلاتها اللبنانيون منذ كورونا. أكدت المؤسسة على الحركة الكبيرة في “Black Friday” هذا العام، خصوصاً أنه يتزامن مع بطولة كأس العالم. "الطلب كبير على التلفزيونات مثلاً ومكبرات الصوت نظراً للعروض المشجعة التي نقدّمها".
من جهتها، تتفاءل محلّات "Moustache" للألبسة، التي وصلت الخصومات فيها بين 20 و25 في المئة، بالحركة التي يشهدها السوق مع اقتراب الأعياد. إذ يلحظ توافد عدد ملحوظ من السيّاح إلى المتجر ويسّجل اليوم حركة لافتة خصوصاً من الفئات الشابّة.
وأعرب عضو مجلس إدارة جمعيّة الصناعيّين بول أبي نصر عن استيائه من سوء أداء بعض البلديّات بتصريف المياه نتيجة الأمطار، إذ تشهد بعض الطرقات زحمة، وهو ما يحد من فاعليّة الـ"Black Friday" اليوم. ويؤكد أبي نصر أنّ "التخفيضات حقيقيّة في المتاجر، وباتت المحال التي تخالف ما تعرضه من تخفيضات، تلقى ردود فعل معاكسة من الزبائن".
هناك فكرة اقتصادية عميقة خلف الـBlack Friday. ولهذا اليوم أهمية خاصة في الولايات المتحدة الأميركية، بصفتها دولة صناعية، إذ يقول الخبير الاقتصادي بيار الخوري إنه في هذا اليوم تُعرض البضاعة التي لا يمكن أن تبقى للموسم المقبل، وفي الوقت نفسه تستقبل مستويات استهلاك لم تكن تستقبلها هذه المحال التجارية، ف في "الجمعة السوداء" يستقبل من لم يكن باستطاعتهم شراء هذه البضائع، وهذا صالح خاصةً لـBrand Names التي تشتريها فئات معينة من الناس نسبةً لمدخولهم".
هذا النوع من التصفية “Clearance” يصل في بعض المحال في الولايات المتحدة إلى 99% في "الجمعة السوداء". في لبنان، لا يتقارب المبدأ مع ذلك المعتمد في الولايات المتحدة، فهو غير منتج للبضاعة ومعظمها مستورد، "التصفية بنسبة كبيرة في لبنان مستحيلة إلا على منتجات وطنية تدخل فيها قيمة مضافة أجنبية بالتصنيع أو بالتعليب، اذ لا توجد هنا قيمة مضافة محلية"، يضيف الخوري.
يستفيد اللبنانيون من الفكرة الثقافية لهذا اليوم أو الأسبوع، فنجد بضاعة قليلة معروضة تحت مسمّى Up to 70%، أمّا معظمها فتكون بـ20 في المئة، ومن ثم 30 فـ40% وهكذا. وهنا يعلّق الخوري أن البائع يعتمد على مبدأ أنّه "إذا طرح الحسم ببعضه يكون قد وصل الإجمالي إلى ما بين 22 و25 في المئة".
يعتبر الخوري أنه في حال ملاحظة نسبة خصم كبيرة (90 في المئة مثلاً)، تكون البضاعة إمّا "مزوّرة" أو "فيها مشكلة". المنافس الأساسي اليوم للمحال التجارية التقليدية، هو منصّات "الأونلاين" العالمية. أمّا المنصات المحلية فهي تعتمد على جلب البضاعة، ويربح فيها الوكيل لتباع في ما بعد.
"لو كان هناك بريد في لبنان، لتغيّر هيكل التجارة في البلد كلّه لأنه يتم الانفتاح نحو الأسواق العالمية من دون الحاجة الى وسيط"، يقول الخوري. هذه الفكرة في لبنان دعائية، تندرج تحت "التحفيز النفسي".
وعن كون الـBlack Friday متنفّساً للمحالّ التجارية اللبنانية، يرى الخوري أنّ المعارض مثلاً تحتاج إلى الكثير من الكهرباء لتحقيق استقطاب قوي. هذا إلى جانب رواتب الموظفين، والتأمينات، والإيجارات. تأتي فترة "الجمعة السوداء" لترفع نسبة الأرباح مثلها مثل أي عيد. وهذا يعني كأنّه زاد مناسبة إضافية في لبنان، لكن هناك ضعف اقتصادي كبير يحول دون الرّبح الحقيقي، أي إنّه لا يؤمّن معدّل البيع المستهلك.
يبلغ حجم اقتصاد البيع في لبنان 20 ملياراً، بينما بنية الاستثمار تستوعب 60 ملياراً، "يوجد تهريب في لبنان، وهذا ما يأكل من حصّة الوكلاء، خصوصاً مع غياب الرقابة"، يضيف الخوري. كل هذه العوامل تضرب أكثر مراكز البيع الأساسية.
يتابع اللبنانيون هذا اليوم قبل الانتقال لموسم الأعياد مع بداية الشهر المقبل بالتزامن مع سعر صرف دولار يلامس الـ40 ألف ليرة. من المؤكّد أن معظم هؤلاء باتوا يعتمدون على التخفيضات، بما فيها الـBlack Friday لشراء الاحتياجات الاساسية، أما الكماليات فقد أصبحت من ذكريات الماضي بالنسبة لهم. المؤسسات تنتظر الأعياد والمناسبات لتعويض الخسائر التي أثقلتها وباتت تهدّد استمراريتها.