النهار

متى تفتح السعودية أسواقها أمام الصادرات اللبنانية؟
فرح نصور
المصدر: "النهار"
متى تفتح السعودية أسواقها أمام الصادرات اللبنانية؟
أرشيفية.
A+   A-
منذ عامين حظرت المملكة العربية السعودية تصدير المنتجات اللبنانية إلى أراضيها، على خلفيّة تهريب الكبتاغون في حبوب الرمّان. حينها، نزل القرار كالصاعقة على القطاعات الإنتاجية في لبنان، المعتمدة تسويقياً على السوق السعودية، التي تستهلك كثيراً من الزراعة والصناعة اللبنانية دون أسواق الدول العربية الأخرى. وقد استدعت الأوضاع المستجدّة، والحلحلة الظاهرة أخيراً على هامش القمة العربية، التي عُقدت في جدة الأسبوع الماضي، فتح ملف عودة التبادل التجاري بين لبنان والمملكة في المدى القريب، وإن لم يُكلّل أيّ أمر بالحسم حتى السّاعة.

رئيس هيئة تنمية العلاقات الاقتصادية اللبنانية – السعودية، إيلي رزق، يؤكّد في حديثه لـ"النهار" أن "قرار إعادة تفعيل التبادل التجاري وفتح الأسواق السعودية أمام الصادرات اللبنانية هو حصراً بيد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان"، مؤكّداً أنّه حتى الساعة "ليس هناك أيّ قرار رسميّ في هذا الإطار".

وما يجري تداوله عن تبلّغ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، خلال القمة العربية في جدة، قرار الرياض إعادة فتح أسواقها أمام المنتجات اللبنانية، "لا يتعدّى المجاملات والكلام اللطيف الذي يتبادله المسؤولون في مناسبات كهذه، فيما القيادة في المملكة لا تتعامل بالمجاملات والود إنّما بالوقائع والأفعال"، وفق رزق. 
 
ورأى رزق أن البعض وجد في المناورة التي أجراها "حزب الله" في الجنوب "رسالة من الحزب مفادها أنّه موجود على الأرض بالرغم من جميع الاتفاقات والتسويات التي تجري في المنطقة، وأنّه لا يمكن تجاوزه"، مشيراً إلى أن "هذا النوع من الممارسات يؤخّر عودة العلاقات بين لبنان والسعودية إلى طبيعتها". 

لطالما أدّت الاستثمارات السعودية دوراً رئيسياً في اقتصاد لبنان، وشكّلت خلال العقدين الأخيرين، قبل الأزمة الأخيرة، ما يقارب الـ20 في المئة من إجمالي الاستثمارات الأجنبيّة. بذلك، كانت المملكة المُستثمر المباشر الأول في لبنان، والمودِع الأوّل والمستورِد الأكبر.
 
ويُعلّل رزق السياسة السعودية الحالية تجاه لبنان بـ"انتفاء الحاجة إلى لبنان بالنسبة إلى المملكة. فولي العهد الأمير محمد بن سلمان يتطلّع إلى تطوير السعودية وإنمائها وازدهارها وإلى إرساء علاقات اقتصادية تجارية مع جميع الدول، التي تشكّل قيمة مضافة إلى جهوده، والتي لا تستفيد على حسابه؛ فالسعودية ستصبح هي السياحة والاقتصاد، وستدخل في منافسة قوية لجذب الاستثمارات وجعل مناطقها سياحيّة، ولبنان أصبح خارج تلك المعادلة للأسف".

في السياق، التقى وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام، خلال زيارته المملكة العربية السعودية على رأس وفد لبنان المشارك في اجتماعات المجلس الاقتصادي والاجتماعي لمجلس جامعة الدول العربية، نظيره السعودي فيصل بن فاضل الإبراهيم، وجرى البحث في إعادة تفعيل العلاقات التجارية بين البلدين. وهو ما لا يستبشر به رزق، إذ يصف لقاء الوزير سلام بالوزير السعودي "باللقاءات الجانبيّة، لأن القرار في ملف الصادرات إلى السعودية ليس بيد أيّ وزير في السعودية، بالرغم من سعي الوزراء اللبنانيين إلى عقد لقاءات مع الوزراء السعوديين".
 
 
العودة المنتظَرة للقطاعات الإنتاجية
 
تأثّرت القطاعات الإنتاجية من صناعة وزراعة بشكل كبير بالحظر السعودي على الصادرات اللبنانية، بعد أن شكّل حجم التبادل التجاري بين المملكة ولبنان ما يفوق الـ800 مليون دولار في العقد الماضي.

على مستوى الصناعة، يلفت نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش، في حديثه لـ"النهار"، إلى الخسارة التي لحقت بالمؤسسات الصناعية بسبب حظر الصادرات اللبنانية إلى السعودية. فخلال العامين الماضيين، خرجت شركات لبنانية عديدة من الأسواق السعودية، ودخل مكانها في هذه الفترة المنتَج التركي الذي أصبح موجوداً بكميات كبيرة في الأسواق السعودية والخليج. ومن المعروف أنّ تركيا هي الصين في الشرق الاوسط من ناحية التصنيع والإنتاج. لذلك، عودة الصناعة اللبنانية إلى الأسواق السعودية، وإعادة تفعيل التعاون بين الزبائن لم يعد بالطريقة نفسها، وصار الزبائن أمام منتَج تركي جديد بنوعية جيدة وأسعار منخفضة بسبب الحوافز التي تمنحها تركيا على التصدير، وتصل إلى 10 في المئة، فضلاً عن كون العملة التركية تدنّت أكثر من العملة اللبنانية. وبالتالي، أصبحت أسعار منتجاتها أرخص من المنتجات اللبنانية.

لذلك، يفيد بكداش بأنّه "لدى تفعيل التبادل التجاري بين البلدين، علينا أن نستعيد حصّتنا من السوق السعودية. لكن هناك صعوبة كبيرة بأن تعود صادرات القطاع الصناعي اللبناني إلى المملكة إلى ما بين 250 إلى 300 مليون دولار"، وهو الحجم الذي كان سجّله القطاع في عامَي 2018 و2019، "فيما كان من المنتظَر أن نُسجّل 400 مليون دولار بعد أن انخفضت تكلفة التصنيع مع تدنّي قيمة العملة اللبنانية في عامَي 2020 و2021. لكن التصدير توقّف إلى السعودية".

وبحسب معلومات بكداش، "قرار حظر الصادرات اللبنانية إلى السعودية لا يتعلق بالسياسة، ولا بشخص رئيس الجمهورية الجديد إنّما حصراً سببه تهريب الكبتاغون إليها. لكننا جميعنا نعلم أنّ معظم مَن قام بهذا التهريب هو سوريا. وفي هذا الإطار هناك اتفاق جدّي بين السعودية وسوريا لوقف التهريب". وبحسب بكداش، فإنّ "التوجّه في فتح الأسواق السعودية أمام الصادرات اللبنانية سيجري في الأسابيع المقبلة بشرط تحقّق الجانب السعودي من مدى جديّة الجانب اللبنانيّ في منع تهريب هذه الممنوعات إلى دول الخليج، خصوصاً المملكة". 

كذلك، شكّلت إعادة التمثيل الدبلوماسي البحريني في لبنان مؤشراً إيجابياً في هذا الإطار، وفق بكداش، و"تدلّ على نية دول الخليج إعادة فتح أسواقها أمام المنتجات اللبنانية، لاسيما أنّ البحرين تسير بقرارات مجلس التعاون الخليجي". لذلك، وفي حال فتحت الأسواق، "يُصبح لزاماً على الدولة اللبنانية التحلّي بالمسؤولية والجدية والصرامة وصيانة أجهزة السكانر، وترتيب جميع الأمور التقنية لعدم تكرار عمليات تهريب الكبتاغون إلى السعودية".
 
خسارة تُعوَّض
 
أمّا على مستوى الزراعة، فيوضح رئيس جمعية المزارعين أنطوان حويك في حديثه لـ"النهار" بأنّ أزمة الصادرات متأتية في جزء منها من الحظر السعودي على منتجاتنا. لكن خسارتنا خلال العامين الماضيين لا تتعدّى الـ50 مليون دولار، فيما خسارتنا من الرسوم السورية والأردنية وصلت إلى 500 مليون دولار.

فمعبر "نصيب" أُقفل في عام 2015، ممّا أدّى إلى انخفاض صادرات لبنان من 550 ألف طن إلى 350 ألف طن سنوياً (نحو 32 في المئة). وفي عام 2018، فُتح المعبر مجدّداً، وكان من المفترض أن نعود إلى الـ550 ألف طن، لولا أن السلطات السورية والأردنية رفعت رسم عبور الشاحنات اللبنانية إلى 2800 دولار في سوريا، وإلى 900 دولار في الأردن، ممّا أدّى إلى عدم تخطّي الصادرات 350 ألف طن، وكسدت صادراتنا، وفق ما يشرح حويّك.
أمّا في ما يتعلّق بحظر الصادرات اللبنانية إلى السعودية، فلبنان يصدّر نحو 50 ألف طن سنوياً من المنتجات الزراعية إلى المملكة، وقد توقّف هذا التصدير منذ عامين، خسرنا خلالها 50 ألف طن من الصادرات أي ما يعادل نحو 16 في المئة. وخلال العامين، يكون مجموع الخسارة 100 ألف طن، أي ما يعادل 50 مليون دولار، و"إذا ما أُعيدت العلاقات التجارية مع السعودية، فسنستطيع استعادة ما خسرناه"، بحسب حويّك.

اقرأ في النهار Premium