ليس جديدا القول إن قطاع الاتصالات في لبنان كان يعدّ أهم مورد لإيرادات الخزينة، وكان يلقّب "نفط لبنان"، عبر رفده الدولة بنحو 1.5 مليار دولار سنويا. ولكن في الاعوام الماضية وتحديدا منذ العام 2010، تغير المشهد ليصبح من القطاعات الفاشلة أسوة بقطاع الكهرباء. وجاء التقرير الاخير لديوان المحاسبة الذي عرض مكامن الهدر في القطاع، ليؤكد المؤكد بأنه يشكل أحد أبرز مكامن الهدر والفساد في لبنان، وإن كان فاوت بين مسؤوليات وزراء الاتصالات الذين تولوا المسؤولية منذ عام 2010 حتى اليوم لعدم مراعاتهم الأصول القانونية في الصرف وعدم احترام الموازنات، وتحديدا ما يتعلق بشركة MIC 2 . فالأخيرة أجرت صفقتين: الأولى تتعلق باستئجار مبنى في منطقة الشياح معروف بمبنى قصابيان، ودفع بدلات ايجار عن سنوات عدة من دون أن تقوم الشركة بالانتقال إليه وإشغاله. والثانية تتعلق باستئجار شركة MIC 2 البلوكين B وC في منطقة الباشورة، قبل أن تعمد الشركة المذكورة بعد أشهر من إشغال المأجور إلى فسخ عقد الإيجار الذي كان مقررا أن يكون لمدة 15 سنة، وإلى شراء المبنى من دون تملّكه. وقد سطرت الغرفة القضائية الناظرة في الملف برئاسة القاضي ناصر، سلسلة قرارات اتهامية موقتة، طاولت الوزراء الستة المعنيين بهذا الملف وهم: نقولا صحناوي، بطرس حرب، جمال الجراح، محمد شقير، طلال حواط وجوني قرم، وأمهلت الوزراء المعنيين 60 يوما للتقدم بدفوعهم قبل القرار النهائي الذي يرجح ان يصدر آخر تموز المقبل، وفق ما علمت "النهار".
وضمن مهلة الستين يوما، قدم الوزير السابق بطرس حرب لائحة تتضمن دفاعه عن المخالفات المنسوبة اليه في إطار قضية استئجار شركة "ميك 2" مبنى قصابيان ومبنى الباشورة، ووفق المعلومات فإنه لغاية اليوم لم يقدم دفاعه الى ديوان المحاسبة سوى الوزيرين جوني قرم وبطرس حرب. اما الوزير محمد شقير فطلب تصوير الملف والمستندات من الديوان، في حين انّ الوزراء الباقين لم يطلبوا ذلك. وعمم حرب نص المذكرة التي قدمها الى الديوان في القضية رقم الأساس: 15/2023 – مؤخرة – موظفين رقم القرار: 11/ رق/ غ2 موقت التي أشارت الى "عدم اتخاذ أي إجراء لاسترداد المال المهدور سواء من الإدارة السابقة في وزارة الإتصالات أو من الشركة المشغلة ومتابعة محاسبة الجهات والأشخاص أمام القضاء المختص، الذين تسببوا بهذا الهدر، وعدم اتخاذ أي إجراء بحق الشركة المشغّلة عن قيام رئيس مجلس إدارة شركة "ميك 2" المعيَّن منها بيتر كاليوبولوس بالرجوع عن قرار فسخ عقد الإيجار خلافا للتعليمات المعطاة له. كذلك عدم اتّخاذ أيّ تدبير تجاه الشركة المشغّلة على أساس عقد الإدارة الموقّع بين الدولة وبينها لإلزامها بتحمّل أيّ ضرر قد ينتج عن تصرّف ممثلها المذكور".
حرب الذي دعم دفاعه عن نفسه بالمستندات، أكد أنه تسلّم وزارة الاتصالات و"كان بإمكاني متابعة تنفيذ العقد، والتغاضي عن الشبهة التي تحوم حوله، وتفادي الضجة التي أثارها قرار فسخي له، إلاّ أنّني مارست واجبي، كوزير حارس لحقوق الدولة والخزينة، وفسخت العقد لاشتباهي بشروطه وظروفه وموضوعه، ولوقف صفقة مشبوهة أدّت إلى هدر المال العام، وستؤدّي إلى استمرار هذا الهدر. وبدلاً من أن يُسجّل لي هذا الموقف، أجد نفسي على مقعد المتّهمين بالإخلال بواجباتي الوظيفيّة، وهو ما لا أقبل به أو أسكت عليه لعدم صحّته وقانونيته، وأنتظر من هيئتكم الكريمة تصحيح هذا الخطأ".
واعرب عن أسفه وألمه الى "حد المرارة، أن يرد إسمي في لائحة الوزراء الذين تحوم حولهم شبهات، لاسيما أنني أتعاطى الشأن العام منذ أكثر من 40 سنة". بيد أنه سجل إيجابية تتعلق بإخراج إسمه من لائحة من تسبّبوا بهدر المال العام في القرار "وذلك بتأكيد أنّني، بفسخ عقد الإيجار، وضعت حداً للهدر الحاصل نتيجة صفقة مبنى قصابيان".
وإذ لفت في المذكرة الى أنه عند توليه وزارة الاتّصالات في شباط 2014، "تبيّن لي أنّ وراء عمليّة إستئجار المبنى دوافع وأهدافا تتناقض ومصلحة الدولة، وتتسبّب بهدر المال العام، فقرّرت ممارسة حق الوزارة في فسخ العقد في نهاية السنة الثالثة لاقتناعي بأنّ استئجار المبنى خطأ فادح، وأنّ الانتقال إليه وهو بناء قديم العهد، سيكلّف الخزينة أموالاً طائلة، وأنّه غير صالح للإستعمال للغاية التي تمّ استئجاره من أجلها، وأنّه لم يعد بالضرورة الملحّة بعد استئجار شركة "ميك 2" ( شركة زين) لطابقين في مركز بيروت الرقمي" B.D.D "، لافتا الى أنه طلب إلى فريق العمل الذي يعاونه "متابعة التحقيق في الأمر لتحديد هويّة المسؤولين عن هذا الهدر، إلاّ أنّ فريق العمل لم يتمكّن من كشف الملابسات بالنظر لعدم تمتّعه بصلاحيات استجواب المشتبه بهم، ولاسيّما غير الموظّفين أي الوزير صحناوي ومعاونيه الذين تركوا الوزارة معه، ما دفعني للجوء إلى القضاء المختصّ (النيابة العامّة الماليّة) لإجراء التحقيق الكامل والوافي للتوصّل إلى معرفة ما إذا كان قد حصل هدر للمال العامّ، وتحديد الشخص أو الجهّة التي أقدمت أو اشتركت أو تدخلت في هذا الهدر واستفادت منه. إلاّ أنّ النائب العام المالي المفترض فيه تولّي مهام الملاحقة في جرائم إختلاس الأموال العموميّة (المادة 18)، أصدر بتاريخ 30/12/2015 قراراً بحفظ الأوراق، من دون أن يبلّغنا إيّاه أو بمضمون التحقيقات التي يفترض أن يكون قد قام بها. وتبيّن لي لاحقاً، وبعد تركي وزارة الإتّصالات، أنّ حضرته قرّر دعوة الوزير السابق نقولا صحناوي للإستماع إلى إفادته بتاريخ 26/10/2015، بحسب ما ورد في المحضر التأسيسي للتحقيق، وأنّه، لسبب بقي مجهولا، صرف النظر عن الاستماع إليه، واكتفى بالاستماع شكليّاً إلى إفادة صاحب المبنى وإلى إفادة شربل قرداحي، أحد موقّعي عقد الإيجار في 29/12/2015، وقرّر حفظ الأوراق".
وطرح حرب تساؤلات وشكوكا عدة "حول سلوكيّة النائب العام المالي، الذي قرّر بصورة مستغربة كلّياً، حفظ الأوراق من دون التحقيق فيها، ولأسباب لا تمتّ بعلاقة إلى خطورة الجرم المطلوب التحقيق في حصوله".