وسط الغليان السياسي والتفلّت الأمني المتنقّل في المناطق حاصداً الضحايا، ثمة بارقة أمل تبدو مع اقتراب وصول منصّة الحفرTransOcean Barents الأميركية إلى لبنان في الـ15 من آب، أي خلال 48 ساعة، إذا لم يطرأ أيّ جديد يعرقل مسارها، بعدما تركت شواطئ مالطا، وبعد ما كان إبحارها في الـ15 من تموز من المياه النروجيّة.
مع وصولها إلى المياه الإقليمية اللبنانية، ستتوجه المنصّة فوراً إلى نقطة الحفر في البلوك الرقم 9، على أن يلتحق بها الفريق الذي سيعمل عليها، وهو بحدود 140 فنياً، سيتم نقلهم مباشرة من مطار "رفيق الحريري الدولي" بوساطة الطوافات إلى نقطة المنصّة.
بعد استكمال واستيراد كل المعدات اللازمة لتجهيز المنصّة انطلاقاً من القاعدة اللوجستية في مرفأ بيروت، حيث يتمّ تأمينها بوساطة الطوافات والبواخر، ومدّها بموادّ الاسمنت والـطين من قبرص، تباشر المنصّة عملية الحفر مع مطلع أيلول على أبعد تقدير. ومن المفترض أن تستغرق أعمال الحفر للوصول إلى البئر ما بين 60 و70 يوماً، وهي كافية للتأكّد من وجود الغاز.
سينقسم طاقم العمل الموجود على المنصة إلى فريقين، يتناوبان مداورة على مدار الـ24 ساعة في النهار لمدّة 15 يوماً، ثمّ يرتاحان بعدها 15 يوماً قبل أن يعودا إلى الحفر مجدّداً.
مدة أعمال الحفر وتكلفتها مرتبطة بنوعية الصخور والأرض في الرقعة علماً بأنها ستكون على عمق 4200 متر.
وفي معلومات خاصّة بـ"النهار" أنه يتم التحضير لاستقبال منصّة الحفر بحضور كل من وزيري الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال الدكتور وليد فياض ووزير الأشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الأعمال الدكتور علي حمية، إلى جانب ممثلين عن شركة «توتال إنرجيز» و«إيني الإيطالية » و«قطر للطاقة» وأعضاء هيئة إدارة قطاع البترول. ومن المرتقب حضور رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى جانب مهتمين.
استكمال إجراءات ما قبل الحفر
ووفق مصادر مطلعة، "إن استكمال التحضيرات لبدء عمل المنصّة ما زال بحاجة إلى توقيع وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال الدكتور ناصر ياسين وموافقته النهائية على تقرير تقييم الأثر البيئي العائد لمشروع استكشاف النفط والغاز في الرقعة ٩ (قانا ٣١-١) في المياه البحرية اللبنانية، بعدما أرسل ملاحظات اللجنة الفنية للأخذ بها إلى وزير الطاقة والمياه على أن يوّقع الأخير بدوره على رخصة الحفر.
تحضيرات منجزة
في هذه الأثناء، أتمّت شركة «توتال إنرجيز» تلزيم كل الخدمات والتجهيزات التي ستحتاجها، توازياً مع انطلاق أعمال الحفر، ومنها القاعدة اللوجستية، وتأمين المعدات والتجهيزات اللازمة، وتوكيل شركات مختصّة بنقل المعدّات من مرفأ بيروت إلى منصّة الحفر بوساطة بواخر، وتوريد الفيول إلى منصّة الحفر، وتأمين طوافات لنقل فريق العمل إلى منصّة الحفر، والأعمال الاسمنتية والطين وسائر المواد التي تُستعمل لتثبيت أعمال الحفر في البئر.
وإن كان لافتاً استعانة شركة «توتال إنرجيز» باستيراد بعض المواد من قبرص عبر مرفأ ليماسول، ومنها الإسمنت والطين، بينما تُصنّع عادة هذه الموادّ في القاعدة اللوجستية الخاضعة للبلد الذي تتمّ فيه أعمال الحفر، التزاماً بالمادة 19 من قانون البحار، برّرت الشركة خطوتها "بعدم توافر هذه الموادّ في المرحلة الراهنة في لبنان، خصوصاً أنّ انفجار 4 آب في مرفأ بيروت منع من تخزين هذه المواد في المرفأ؛ وبالتالي، فإن تكلفة تصنيعها في لبنان، التي تتعدّى الـ5 ملايين دولار خلال فترة قصيرة، أكبر من استيرادها من الخارج، وتحديداً من مرفأ قريب كليماسول. ولا علاقة لقانون البحار لا من قريب ولا من بعيد بهذا التدبير المستعمل لضيق الوقت وحصر التكلفة المترتبة على تأمين خدمات الحفر.
ويبدو واضحاً أن الشركة الفرنسية استعجلت تحركّها تحت ضغوط متنوّعة إقليمية وفرنسية نحو البلوك الرقم 9 إثر إبرام اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، بعد انكفائها عام 2020 عقب انتهائها من التنقيب في البلوك الرقم 4.
وزارتان تتقاسمان الأدوار في هذا الملف المهم والتاريخي للبنان؛ التنقيب والحفر من مسؤولية وزارة الطاقة والمياه، أما الأعمال اللوجستية المواكبة فهي من مسؤولية وزارة الأشغال والنقل. وإن كان لوزارة البيئة دور لا يقلّ أهمية في الملف البيئيّ، حيث إنه لأول مرة في لبنان منذ عام 1920 (إنشاء دولة لبنان الكبير) تُنجز دراسة تقييم للأثر البيئي مع إشراك البلديات والمجتمع المدني على مرحلتين في بيروت وصور.
وفي هذا السياق، سبق لوزير الأشغال والنقل أن أوضح بأن "الوزارة تعمل وفقًا لثلاثة محاور أساسيّة، أولها، تخصيص أرض في مرفأ بيروت لتكون قاعدة لوجستيّة لتخزين المستلزمات كافّة لعملية التنقيب، من معدّات وموادّ وآليات وأجهزة، ونقلها من البرّ إلى البحر ثمّ عبر البواخر. ثانياً: الموافقات المطلوبة لمنصّة الحفر، وثالثاً: تأمين الموافقات الكاملة لشركة «توتال إنرجيز» عبر وكيلها لتجهيز الطائرات المروحيّة لنقل الأشخاص من محطة التنقيب وإليها عبرمطار رفيق الحريري الدّولي في بيروت، لتكون العمليّة ميسّرة وديناميكيّة.
من المعلوم أنه بموجب الاتفاقية الموّقعة بين لبنان والكونسورتيوم «توتال إنرجيز» و«إيني الإيطالية » و«قطر للطاقة»، وتحديداً في ما يتعلق بالبلوك الرقم 9، تشكّل حصّة الحكومة اللبنانية نحو 63 في المئة، والكونسورتيوم نحو 37 في المئة، ويبدأ تقسيم الثروة وتوزيع الحصص بشكل كامل فور بدء الإنتاج. وتوزّع حصّة الـ37 في المئة، التي يُمكن أن تصل إلى 42 في المئة، في البلوك الرقم 9، وفق الآتي:
35 في المئة للمشغّل «توتال إنرجيز» الفرنسية.
35 في المئة للشركة غير المشغّلة «إيني الإيطالية».
30 في المئة للشركة غيرالمشغّلة «قطر للطاقة».
في الأسبوع المقبل، وإذا لم يطرأ أيّ جديد لم يكن في الحسبان، تستكمل كافة استعدادات التنقيب في البلوك الرقم 9 جنوباً، على أمل أن لا تطول مدّة انتظار النتائج المرجوّة التي تعلّق عليها بعض الآمال، علماً بأنها ليست الحل لبلد منهوب بكلّ ثرواته، كما "أن حصد ما سيعود به الغاز لن يكون قبل 10 سنوات لصالح الصندوق السيادي، كما يفيد أحد الخبراء في قطاع البترول لـ"النهار".