إنها ظاهرة حديثة في لبنان، تتوسّع في ظل ارتفاع تكلفة المحروقات على عدد كبير من المواطنين. والتوجه اليوم يتعاظم نحو اقتناء سيارة كهربائية توفّر على الجيب وتحافظ على البيئة. وفي إطار تحوّل لبنان نحو الطاقة المتجدّدة، بدأت السيارات الكهربائية تدخل إليه منذ العام 2018، ثم ازداد حضورها أخيراً مع التوجّه العالمي لتصنيع هذه السيارات.
وكما في كل القطاعات، يغيب التنظيم عن قطاع السيارات الكهربائية، ليُشكّل فقدانه قلقاً على البيئة والسلامة، في حين يتنبّه أصحاب الشركات المعنية بالطاقة المتجددة لأهميّة هذه السيارات.
لكن التحوّل إلى هذه السيارات يبدو كبيراً لدى الطبقات المقتدرة كما هي الحال مع الطاقة الشمسية التي حلّت مشكلة الطاقة، وهي حتى الآن لا تزال باهظة الثمن لكونها تكنولوجيا جديدة.
تبيّن أرقام جمعية مستوردي السيارات في لبنان أنّه تم تسجيل 6563 سيارة عامة في العام 2022، منها 11 في المئة من السيارات الكهربائية. وحتى شهر أيار من هذا العام، زادت هذه النسبة لتمثّل نحو 15 في المئة من سوق السيارات الجديدة في لبنان. لكن النسبة الكبيرة من السيارات الكهربائية في لبنان تختص بالسيارات الـhybrid والـplug-in hybrid. وحالياً، لدى معظم صالات وكالات السيارات في لبنان سيارات كهربائية.
وما تحتاجه السيارات الكهربائية اليوم بشكل حثيث هو الشواحن. في هذا الإطار، صاحب شركة "منالكو" للطاقة المتجدّدة، مارون شرباتي، يؤكّد في حديثه لـ"النهار" أنّ هناك أنواعاً مختلفة من الشواحن، منها للأماكن العامة، ومنها للاستعمال الشخصي، ويمكن اعتمادها في المنزل. تعمل هذه الشواحن إمّا على الطاقة الشمسية، وإمّا على المولدات الكهربائية، "وهناك طلب جيد لاعتماد هذه الشواحن في المنازل".
أمّا عن انتشارها في المناطق اللبنانية، فالتركيز يجري في بيروت وكسروان، لكنّها أيضاً موجودة على جميع الأراضي اللبنانية تقريباً، ولا يشكل هذا الموضوع عائقاً.
حتى الآن، هناك نحو خمس شركات لتوزيع هذه الشواحن في لبنان، بحسب شرباتي. ويعتمد شحن السيارات الكهربائية على بطارية السيارة وعلى الشاحن بحدّ ذاته، فإذا كانت السيارة ذات محرّك صغير، فستحتاج إلى وقت أطول لشحنها.
يقوم مبدأ شحن السيارة على الكيلووات/ الساعة، وفق نظام البطاقات مسبقة الدفع أو الاشتراك. وفيما السيارات الكهربائية اقتصادية أكثر من السيارات الأخرى، إلّا أنّ الفارق لا يزال غير كبير لأنّ سعر الكيلووات مرتفع في لبنان.
من جانبه، يبذل مسؤول المبيعات في شركة "فرج الله" للطاقة المتجددة، جاد رزق الله، جهده للترويج لشواحن السيارات الكهربائية. ويوضح في حديث لـ"النهار" أنها تنتشر في الجامعات والمستشفيات والسوبر ماركات والمدارس.
وعن مدى التوفير باستخدام هذا النوع من السيارات، يشرح رزق الله بأنّها توفّر إلى درجة أنّه أحياناً يمكن شحنها من دون أي مقابل، خصوصاً إذا كان الشحن في المنزل، أو في المؤسسات الضخمة، حيث يمكن للموظفين شحن سياراتهم مجاناً مع وجود فائض كهرباء متواصل في المؤسسة.
لكن رزق الله يلفت إلى وجوب أن تكون أنظمة الشحن موحَّدة، موضحاً بأن "غياب هذا الأمر يشكّل تحدياً كبيراً لأصحاب هذه السيارات؛ فالأنظمة الموجودة في لبنان تناسب السيارات الكهربائية الأوروبية، بينما هناك نسبة كبيرة من السيارات الكهربائية الصينية التي تدخل إلى لبنان لا تجد شواحن لها". لذلك، على سائق السيارة أن يعرف مسبقاً نظام شحنها والبحث عن محطة شحن تُناسبه.
وتبلغ تكلفة الشحن للكيلووات/الساعة 60 سنتاً ليلاً، إذا كان مصدر الطاقة كهرباء لبنان أو من مولد كهرباء أو من طاقة مخزَّنة من الشمس، وهي تكلفة مرتفعة. وفي النهار، يبلغ الكيلووات 40 سنتاً. لكن يجب أن يبلغ ما يقرب من ربع سنت، أسوة بسعر كهرباء الدولة.
هل يتحوّل لبنان إلى السيارات الكهربائية؟
عضو نقابة مستوردي المحروقات، مارون شماس، يؤكّد في حديثه لـ"النهار" أنّ "الأمر يحتاج وقتاً لكي تحلّ السيارات الكهربائية مكان السيارات العاملة على البنزين، فعددها اليوم في لبنان لا يزال خجولاً".
وبدأت شركة محروقات "ميدكو"، التي يرأسها شماس، باعتماد محطات لشحن السيارات الكهربائية منذ عام 2018، بالنظر إلى مستقبل استخدام هذه السيارات. ويضيف شماس أنّ "جغرافية لبنان تختلف عن الجغرافية في كثير من الدول الأخرى، بسبب صغر حجمه الذي يقلّل من المسافات، بالتالي يقلّل من الحاجة إلى التوفير الكبير في المحروقات، لكن لا يزال هناك طلب على السيارات الكهربائية".
لكن أصحاب هذه السيارات يواجهون تحدي الكهرباء، ممّا يدفع هذه المحطات إلى تركيب مولدات كهربائية لشحن السيارات الكهربائية. ومع اختلاف أنظمة شحن السيارات الآتية من أوروبا عن الآتية من الصين، واختلاف طريقة ونظام شحنها، يؤكّد شماس أنّهم يحاولون تلبية جميع أنواع أنظمة السيارات الكهربائية لتتمكّن من الشحن. لكن أنواعًا من السيارات تبقى غير ملائمة لنظام الشحن السريع. بالتالي، يُعمل على تأمين محطات لشحن السيارات الكهربائية تدريجياً على جميع الأراضي اللبنانية من الآن وحتى آخر العام الحالي.
فوضى وغياب تنظيم للسيارات الكهربائية
أعفت موازنة العام 2022 السيارات الكهربائية من الجمرك، بينما فرضت ضريبة 6 في المئة على السيارات الكهربائية العاملة بنظام hybrid، فيما تُعتبر أسعار السيارات الكهربائية عامة أغلى من السيارة العاملة على البنزين، والسيارة الـhybrid تفوق الجميع سعراً.
وما يجري، الآن، ولكَون لبنان هو البلد الوحيد في المنطقة الذي يسمح بدخول السيارات الكهربائية المستعملة، تدخل هذه السيارات إلى لبنان، وتدخل معها سيارات كهربائية جديدة من غير طريق الوكلاء، ممّا يرتّب تبعات على السلامة والبيئة يجهلها كثيرون من زبائنها.
فالمصنِّع يفرض على الوكيل شروطاً ليورِّد له السيارات الكهربائية، وهي أن يخصّص في كاراجاته مكاناً خاصاً للتصليح والصيانة، وأن يتزوّد بالعدة والألبسة الخاصة، وأن يخضع وفريقه التقني لتدريبات خاصة، إذ تحتاج السيارة إلى صيانة دورية؛ عندها، يُصدّر الوكيل كفالة للبطارية، ويتكفّل بمتابعة وتحديث نظام التشغيل الخاص بها software، مما يُعطي ضمانة مدّة حياة البطارية.
هذه الخصوصية كلّها لكون السيارة الكهربائية تعمل على بطارية الليثيوم، وأحياناً تُتلف ولا يمكن إيجاد الجديد منها في السوق، إنّما حصراً لدى الوكيل. فلكلّ علامة تجارية عدة طرز من السيارات، ولكلّ طراز بطارية تختلف عن الأخرى. وإذا ما اشتعلت هذه البطارية، فلا يمكن إطفاءها بالمياه، وإلّا انفجرت. لذلك، خضع فوج الإطفاء والصليب الأحمر لتدريبات خاصة في هذا الإطار.
كذلك تفرض الشركات المصنِّعة على الوكلاء شروطاً فنيّة وصحيّة وبيئيّة للتعامل مع البطاريات، لأنها تسبّب تلوّثاً بيئياً كبيراً. فصلاحيتها لثماني سنوات، ولا يمكن رميها بعد هذه المدة بشكل عشوائي إنّما تجب إعادة تصديرها إلى المصنِّع في حاويات خاصّة. وبعد هذه المدة، يجب تغيير جميع البطاريات.
وفي ما يتعلّق بجانب السلامة، لا يمكن شبك السيارات الكهربائية للشحن في المنزل إلّا بمواصفات فنية معينة وإلّا احترقت البطارية أو تأذت تمديدات الكهرباء في المنزل.
تبدأ أسعار السيارات الكهربائية من 20000 لتتجاوز الـ25000 دولار وما فوق، ونتحدّث هنا عن السيارات الصغيرة.