أنفقت الدولة جميع حقوق السحب الخاصة بها SDR تقريباً واحتياطيها لدى مصرف لبنان، ولم يبقّ سوى الاحتياطي الإلزامي الذي يرفض المركزي المسّ به، كما يرفض إقراض الحكومة بعد الآن. ومع توقّف القروض الأجنبية التي كانت تساعد لبنان، تؤكّد مصادر "النهار" أنّ "البنك الأوروبي للاستثمار والتمويل EBRD مستعدّ لإيداع أكثر من 800 دولار كقروض استثمارية في لبنان".
ومن المعروف أنّ مصارف استثمارية عديدة لديها محافظ مالية تضعها في الدول لتشغيلها على شكل قروض استثمارية. وتضيف المصادر أنّ هناك "صناديق استثمارية أخرى مستعدة لإقراض القطاع الخاص، لكن بمجرد أن يتفق لبنان مع صندوق النقد الدولي على القرض الذي تم التفاوض عليه، ستزيد أعداد المصارف الاستثمارية التي ستتقدم لتمويل الاستثمارات في لبنان".
وبحسب النائب رازي الحاج، في حديثه لـ"النهار"، "هذا النوع من القروض يواجه عقبة قانونية في لبنان، فقانون الموجبات والعقود يسمح للدائن باسترداد دينه على شكل شيك مصرفي، لذلك نعمل حالياً على اقتراح قانون لتشجيع الصناديق الاستثمارية، سواء كانت عربية أو دولية، لتموّل قروضاً مجدداً في لبنان، ونعمل على أن تكون هذه القروض منفصلة عن أموال المودعين الموجودة حالياً في المصارف سواء كانت فريش أو قديمة".
وتهدف المصارف الاستثمارية الأجنبية التي لها فروعها في لبنان كما في دول أخرى، إلى تشغيل أموالها، و"لبنان بأمس الحاجة إلى إمكانية إقراض القطاع الخاص مجدداً، وخصوصاً القروض الاستثمارية التي تأتي لتمويل القطاعات الإنتاجية كالشركات الناشئة والصناعة وغيرها"، بحسب الحاج.
مع غياب المساعدات والقروض الأجنبية، وامتناع مصرف لبنان عن إقراض الدولة لتسديد نفقاتها، يشرح عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا الدكتور بيار الخوري، في حديثه لـ"النهار" أنّ "هناك صراعاً كبيراً بين الحكومة ومصرف لبنان في ما يتعلق بنفقات الدولة، إذ هناك خيارات اقتصادية تتهرّب من تنفيذها الحكومة منذ أوائل الأزمة وهي الإصلاحات، فالدولة تملّصت من التزاماتها مع صندوق النقد عبر مدّ يدها إلى أموال المودعين على مدى أربع سنوات". لكن حاكم مصرف لبنان بالإنابة، الدكتور وسيم منصوري، أوقف جميع الممارسات السابقة التي كانت تمارسها الدولة مع مصرف لبنان، والدولة اليوم غير قادرة على الاقتراض من المركزي الذي يرفض الإقرار على موازنة تحمل عجزاً، وإقراض الدولة.
إذن، فيما الحكومة حالياً في وضع حرج ولا يمكنها أن تضغط عبر فرض ضرائب إضافية، أمامها الاحتمالات الآتية لتمويل نفقاتها ومن ضمنها استيراد القمح والمحروقات والدواء، بحسب الخوري. الاحتمال الأول، هو التوقف عن تسديد أجور القطاع العام والتذرّع بعدم قبول المركزي إقراض الحكومة لتسديدها.
والاحتمال الثاني، هو أن تشذّب الدولة موازنتها بحيث توازن بين إيراداتها المرتفعة ونفقاتها. أمّا الاحتمال الثالث، الذي يراه الخوري قريباً، فهو الاتفاق مع صندوق النقد الدولي والحصول على القرض المزعوم، ويؤكد "أنّنا ذاهبون إلى إصلاحات واسعة قد تكون لها آثار اجتماعية". والاحتمال الرابع الذي يستبعده الخوري، أن يكون استخراج الغاز هو المنقذ للحكومة.
من جانبه، يوضح النائب غسان حاصباني في حديثه لـ"النهار"، أنّ "لا سيناريوهات أو خطة واقعية وواضحة مطروحة لدى الدولة لتمويل استيراد القمح والدواء والمحروقات، مع نفاد جميع سبل التمويل، ونحن بانتظار موازنة 2024 لمعرفة ما إن كانت هناك رؤية للحل".
وبرأي حاصباني، "إذا ما تحمّلت الدولة مسؤولياتها كما يجب، تصبح قادرة على تمويل هذه السلع، والمسار السليم هو الجباية الصحيحة وإدارة المؤسسات العامة ذات الطابع التجاري كما يجب، كالاتصالات والكهرباء والمرافق والريجي، وغيرها". فجزء من غياب الإدارة السليمة مثلاً، غياب الجباية الكافية لدى كهرباء لبنان، فهي لا تغطي جميع المواطنين، إذ إنّ هناك مناطق في لبنان لا تصدر فيها فواتير كهرباء، لذلك يجب إصلاح قطاع الكهرباء.
وفيما يؤكّد حاصباني أنّ ما اعتادت عليه الحكومة في السنوات الثلاث الماضية والإنفاق من جيوب الناس، يشير إلى أنّ الدولة قادرة على تغطية نفقاتها بالليرة.
وتبقى نفقاتها بالدولار، التي تقتصر على استيراد السلع الحيوية واشتراكات لبنان في المؤسسات الدولية ونفقات سفاراته وقنصلياته في العالم. ويمكن للدولة، بحسب حاصباني، تأمينها بالدولار وتأمين فائض في إيراداتها بالعملة الصعبة، عبر مداخيل إضافية يمكن أن تحصل عليها الدولة بالدولار من مؤسساتها ذات الطابع التجاري، فهناك شركات مداخيلها ليست ضريبية بل تجارية يمكن أن تصدر فواتيرها بالدولار، ويمكن للدولة أن تجبيها للاستفادة منها لتمويل نفقاتها بالدولار. ويمكن للحكومة وإن كانت حكومة تصريف أعمال، إنجاز هذه الإجراءات الإدارية اليومية. لكنّها قد تضطرّ إلى إقفال القطاع العام إذا ما وصلت إلى مرحلة العجز التام، دون اتخاذ أي إجراء ممّا ذكرناه، وفق ما يقول حاصباني.