النهار

تداعيات كارثية وبلد منكوب… ماذا يعني دخول لبنان المُنهك اقتصادياً في الحرب؟
فرح نصور
المصدر: "النهار"
تداعيات كارثية وبلد منكوب… ماذا يعني دخول لبنان المُنهك اقتصادياً في الحرب؟
من أرشيف حرب تموز 2006.
A+   A-
يتخوّف اللبنانيون من امتداد شرارة الحرب في غزة إلى لبنان الذي يرزح تحت وطأة حرب عسكرية، في الوقت الذي يعاني فيه من أزمات متعددة منذ أربع سنوات.
وفيما لا يمكن الإجابة عن سؤال ما إذا كانت ستندلع الحرب فعلاً في لبنان أم لا، لا بدّ من طرح سؤال: ماذا ينتظر لبنان اقتصادياً في حال اندلعت هذه الحرب؟ لبنان الغارق في أزماته الاقتصادية والاجتماعية، والذي على وشك أن ينفذ احتياطيه لدى مصرف لبنان في الأشهر القليلة المقبلة، ولن يتمكّن من استيراد السلع الحيوية، إلى جانب العبء الذي يتحمّله من وجود أكثر من مليون ونصف مليون نازح سوري يحمّلون الدولة وحدها ما لا تستطيع تحمّله.
 
في هذا الإطار، تقول المتخصّصة في الاقتصاد النقدي الدكتورة ليال منصور في حديثها لـ"النهار" إنه رغم أنّنا لا نتمنى الحرب، إلّا أنّها في حال اندلعت، ولبنان لطالما قام على المساعدات، علينا أن نرى كيف سيتعامل الخارج مع لبنان، هل سيكون تعاملاً عقابياً معه، أم تعاطفاً إنسانياً؟ وفي حال شهدنا مساعدات دولية للبنان، سيعود إليه ازدهاره، كما حصل بعد حرب تموز 2006، وإن لم يحصل على المساعدات، فسيصبح بلداً منكوباً". 
 
على المستوى النقدي ستضطر الدولة إلى صرف أموال طائلة كمساعدات اجتماعية وتعويضات للمواطنين. لذلك سيكون هناك طبع لليرة بشكل هائل، في ظل عدم وجود احتياطي بالعملة الصعبة. وطبع الليرة هذا، سيرفع من سعر الدولار طبعاً، لكن لن يكون لهذه الخطوة تأثير كبير في ظل الدولرة التي تمتد إلى جميع القطاعات في لبنان، خلافاً لما حدث في العام 2006 عندما ضبط المصرف المركزي التحويلات بالدولار لفترة حوالي شهر، وكان لديه احتياطي حينها. لذلك، فإنّ ارتفاع سعر الدولار سيكون رقمياً فقط وليس له أي تأثيرات سلبية.
 
وممّا لا شك فيه أنّ انكماشاً سيحصل نتيجة تراجع الإنفاق من قبل المواطنين بسبب أوضاع الحرب، ويقتصر هذا الإنفاق حينها على المواد الغذائية والسلع الحيوية الأساسية فقط. لذلك، فإن تداعيات ارتفاع سعر الصرف لن تكون سلبية على الاقتصاد، بينما تداعيات تراجع إنفاق المواطنين هو ما سيؤثر سلباً على الحركة الاقتصادية.
 
وعادة في حال الأزمات، ينفق المصرف المركزي من احتياطيه بالدولار بدلاً من طبع الأموال، تقول منصور. وإذا ما أراد طبع الأموال، فيعتمد سياسة ما يُسمى التطهير التي تقوم على الآتي: يمكنه القيام بعملية معاكِسة من خلال احتياطيه بالدولار كي يضمن استقرار سعر الصرف. لكن الآن، وفي غياب الاحتياطات، لا يمكن للمركزي القيام بهذه السياسة، وسيضطر إلى طبع الليرة.
 
وإذا ما اشتدّت الحرب وخرج المرفأ عن الخدمة وأصبح لبنان في شبه حصار، فسيتأثّر الاستيراد والتصدير طبعاً، لكن كون لبنان يستورد أكثر ممّا يصدّر، قد يؤدي ذلك إلى نقص في المواد الغذائية في ظل غياب الاكتفاء الذاتي.
 
وفي ما يتعلق بالتحويلات الخارجية من المغتربين إلى ذويهم، برأي منصور، فالأمر يتعلق بالسماح لهذه التحويلات بالاستمرار، أي هل سيكون لبنان حينها منبوذاً أم لا؟
 
أمّا على مستوى النفط والغاز، فممّا لا شك فيه أنّ الخبراء الموكَلين بالكشف والتنقيب، فسيغادرون لبنان وستتوقّف هذه الأعمال. لكن الأهم من ذلك، بحسب منصور، أنّ ورقة النفط والغاز لن تكون ورقة قوة للتفاوض مع انتهاء الحرب، فلبنان غير قادر وحده على القيام بهذه الأعمال.
 
السيناريوات الاقتصادية 
 
من جانبه، يرى الأمين العام المساعد لاتحاد أسواق المال العربية الدكتور فادي قانصو في حديث إلى "النهار"، أنّ الحرب المندلعة في غزة لا شك وضعت المنطقة بأسرها في حالة ترقّب وتريّث، ومن الطبيعي أن تُدخل لبنان في حالة إرباك وحذر وتُعزّز المخاوف في الأسواق المحلية. 
 
لكن بما أنّ الحرب على غزة لم تتخطَّ بعد الأسبوع، فإنّ الاستقرار الاقتصادي والنقدي الهشّ الذي يشهده لبنان لا يزال صامداً حتى الساعة، وإن كانت تداعياتها قد تختلف على الواقع الاقتصادي تباعاً، بحسب درجة تطوّرها وبحسب مدتها الزمنية.
 
ويذكر قانصو أنّنا قد نكون أمام ثلاثة سيناريوات في المدى المنظور:
 
السيناريو الأول، هو أن تنتهي الحرب خلال أيام قليلة ويحصل وقف إطلاق النار كما كانت تجري العادة مع كل جولة من جولات الحروب السابقة. وهنا فإن التداعيات الاقتصادية على لبنان ستكون شبه منعدمة ولا تُذكر.
 
أمّا السيناريو الثاني، فهو أن تطول الحرب القائمة ولكن أن يبقى لبنان بمنأى عنها، أي أن تبقى الجبهة الجنوبية هادئة وخارج الصراع المحتدم. وهنا إذا ما طالت الحرب حتى شهر كانون الأول على سبيل المثال، أي موسم الأعياد، فإن التداعيات قد تطال بشكل أساسي قطاعات محدّدة لاسيما الخدمات والنقل والتي قد تتأثر بشكل مباشر بحركة الوافدين والسيّاح الذين قد يمتنعون عن المجيء إلى لبنان خوفاً من أن تتدحرج الأوضاع وتتطوّر أكثر في أية لحظة. ما يعني أننا قد نكون أمام خسائر مباشرة على صعيد الإيرادات السياحية المتوقَّعة بحدود ملياري دولار خلال موسم السياحة الشتوية المقبل.
 
والسيناريو الثالث، هو أن تتطوّر الأمور ويدخل لبنان في قلب الصراع الحاصل وتندلع بالتالي الحرب في البلاد. وهنا فإن التداعيات ستكون حُكماً قاسية، أكان على الواقع الماكرو اقتصادي من قطاعات إنتاجية وصناعية وزراعية وسياحية وبنى تحتية مروراً بكل مفاصل الدورة الاقتصادية، أو على صعيد الواقع النقدي والمعيشي والاجتماعي من شحّ في العملة الصعبة وتدهور في سعر الصرف وارتفاع في نسب التضخم وشحّ في السلع المستوردة مثل الطاقة والمحروقات والمواد الأولية والغذائية، لاسيما في ظلّ احتياطيات مصرف لبنان الضئيلة، خصوصاً إذا ما ترافق ذلك مع إغلاق المطار والمرفأ. 
 
ناهيك طبعاً عن كلفة النزوح وارتفاع نسب البطالة والهجرة الهيكلية وتفاقم العجوزات المالية للدولة اللبنانية التي تعاني أصلاً من ضعف في الجباية في اقتصاد يرزح أساساً تحت ضغوط جمّة. في هذا السياق، يجدر التذكير بأنّ الحكومة اللبنانية كانت قد قدّرت قيمة الخسائر الاقتصادية المباشرة الناجمة عن الدمار إبّان حرب تموز 2006 بنحو 2,8 ملياري دولار، منها 1,7 مليار ناتجة عن تدمير المباني السكنية، في حين أنّ القطاعين الآخرين اللذين سجلا أكبر الخسائر المباشرة هما الصناعة والتجارة، بالإضافة إلى الزراعة. بينما انكمش الناتج المحلي الإجمالي بحدود 6 في المئة. بالتالي، فإنّ الخسائر غير المباشرة وصلت إلى نحو 2 ملياري دولار، ما يعني أنّ كلفة حرب تموز المباشرة وغير المباشرة وصلت حينها إلى حدود 5 مليارات دولار. 
 
ويشير قانصو إلى أنّ المساعدات التي وصلت إلى لبنان في أعقاب حرب تموز قُدّرت بمليارات الدولارات، لاسيما على صعيد مشاريع إعادة إعمار الأبنية السكنية والبنى التحتية من طرقات وجسور، وهو ما يطرح علامات استفهام حول مدى استعداد الدول الداعمة لمدّ يد العون مجدّداً في ظلّ المناخ السياسي المحلي والإقليمي المتأزم حالياً. ما يعني باختصار أننا قد نكون أمام مشهد قاتم سيفاقم من حدّة الأزمة الاقتصادية التي باتت على شفير الانفجار.
 

اقرأ في النهار Premium