أُقرّت موازنة 2022 ومعها الدولار الجمركي الذي استغرق أشهراً ما بين أخذ وردّ حول أيّ سعر سيُعتمد، ليرسو أخيراً على سعر 15 ألف ليرة، وهي ضريبة أُقرّت لتمويل رواتب القطاع العام لزيادته 3 أضعاف، وفق خبراء اقتصاديين. فما أُضيف من جهة سيُنفق أضعافه من جهة أخرى. وفيما شرحت "النهار" في مقالات سابقة حجم الزيادة التي ستلحق بأسعار السلع وانعكاس هذا القانون على المواطن، نشرح في هذا المقال كيف ينعكس هذا القانون على التفلّت الإضافي في الأسعار وزيادة التهرّب الضريبي.
يختصر عضو لجنة الاقتصاد الوطني والتجارة والصناعة والتخطيط، النائب رازي الحاج، انعكاس الدولار الجمركي على المعيشة، بعبارة "العبرة بالتطبيق السليم لهذا القانون".
وفي حديثه لـ"النهار"، يوضح أنّ "أيّ تشريع لا يترافق مع مراقبة، قد لا يؤتي نتائجه المرجوّة ولا فعاليته". فالمراقبة في موضوع الدولار الجمركي تذهب باتجاهين: الأول، استيفاء الرسوم فيما نحن نشرّع بغياب إصلاحات، بينما الإصلاحات الحقيقية هي ضبط التهرّب الضريبي والتهريب، و"إجراء مشابه للدولار الجمركي دون رقابة، يشجّع على هذه السلوكيات المخالِفة".
أمّا الاتجاه الثاني الذي يتحدّث عنه الحاج، فهو إذا ما استطاعت الدولة استيفاء هذه الرسوم، فسيكون انعكاسها على السلع التي تخضع أساساً للجمرك، كما يجب التركيز على كيفية احتساب الأسعار النهائية في الأسواق، لأنّه لناحية الجمارك، تجّار كثيرون يدفعونها على سعر 1500 ليرة لكن يفوترونها على سعر الدولار. بالتالي، "رقابة وزارة الاقتصاد كانت صعبة، مع قلّة إمكانياتها لناحية عدد المراقبين وفعالية العمل الرقابي في ظل الإضرابات وصعوبة المعيشة"، وفق الحاج.
وهناك تخوّف أيضاً، في ظل انعدام الرقابة، من أن يتحجّج بعض التجار بالدولار الجمركي من دون سبب، بحسب الحاج، فيما غالبية المواد الغذائية لا تخضع للرسوم الجمركية. لذلك، لا يمكن تحديد انعكاس قانون الدولار الجمركي المباشر، لكن "قد يفتح الباب أمام الفوضى والتفلّت بالأسعار إن لم يقترن برقابة صارمة".
برأي الحاج، "الموازنة الارتجالية وغير التقنيّة تؤدّي حتماً إلى هذه الفوضى". لكن اقتصادياً، "البلد في وضع صعب والدولة بحاجة إلى إيرادات بالعملة الصعبة، فيما مصرف لبنان اليوم يستخدم أموال المودعين لتلبية حاجات الدولة". لذلك، برأيه الشخصي، "من المجدي أن يُفرَض استثنائياً الدولار الجمركي بالدولار، على غرار القوانين التي أُقرّت حول استيفاء رسوم المرفأ والمطار بالدولار"، فالمستورِد القادر على تسديد سعر بضاعته بالدولار، قادر على تسديد رسومها بالدولار أيضاً.
إذن، إذا طُبّق قانون الدولار الجمركي في إطار رقابة سليمة، فالمواطن، وفق الحاج، لن يتأثّر على مستوى السلع الاستهلاكية والغذائية والدوائية. فوزارة المالية أوردت في تقرير لها أنّ 90 في المئة من المواد الاستهلاكية لن يشملها هذا القانون.
الدولار الجمركي... قانون غير مكتمِل
إقرار الدولار الجمركي في ظل وجود عدة أسعار صرف، حيث الفارق شاسع في ما بينها، يدلّ على شبه غياب للدولار، خصوصاً أنّ الجزء الأكبر من إيرادات الدولة كانت تستوفيها من الجمارك، رغم حالات التهريب وضعف الرقابة، بحسب الخبير والباحث الاقتصادي، زياد ناصر الدين.
فالدولار الجمركي، بالنسبة إلى النظام الريعي المتَّبَع في لبنان، يعتمد على الضرائب. ورأس الحربة حالياً هو الدولار الجمركي، لأن لبنان بلد يعتمد على الاستيراد، إذ رغم الأزمة، ما زلنا بلداً استيرادياً غير منتِج، فقد استوردنا بحوالي 9 مليارات ونصف مليار دولار هذا العام، ومع نهايته، سيزيد هذا الرقم بالتأكيد.
وفيما يشهد لبنان هوّة، وعجزاً في الموازنة وواقعاً اجتماعياً صعباً، "النظر إلى الجمارك أمر جيّد نظرياً، لكن في التطبيق في لبنان نعاني من غياب الآلية في ضبط الأسعار، بالتالي سينعكس ذلك مباشرة ارتفاعاً بالأسعار، وقد بدأ منذ اليوم حوالي 30 في المئة".
لكن الدولار الجمركي لا يطال معظم المواد الغذائية والأدوية، إذن، "الأمن الغذائي الاجتماعي لن يكون في خطر مباشر"، بحسب ناصر الدين. لكنّه سيؤثر على الكماليات التي أصبحت من الضروريات في حياة اللبناني، من سيارات إلى إلكترونيات، إلى السلع المعمِّرة، إلى جميع المواد والأشياء المستورَدة الأخرى، باستثناء القمح والأدوية والمواد الغذائية. وبرأي ناصر الدين، "أيّ ارتفاع في أسعار هذه العناصر الثلاثة دون تدخّل الدولة، نكون قد سمحنا بالاحتكار".
وعن زيادة الفوضى في الأسواق وتفلّت الأسعار، يؤكّد ناصر الدين أنّ "إقرار قانون الدولار الجمركي كان يتطلّب الاستكمال بإجراءت مكمِّلة ترتبط بضريبة تصاعدية للحدّ من ارتفاع الأسعار، أو فرض ما يُسمّى الضريبة النهائية على الفاتورة لضبط الأسعار". بالتالي، اليوم، إن كانت الدولة مزوَّدة بـ100 ألف مراقب، فلن يتمكّنوا من ضبط التجّار، فالضبط لا يكون سوى بقوانين.
وفي ما يتعلّق بانعكاس الدولار الجمركي على طبع الليرة وارتفاع الطلب على الدولار، يفيد ناصر الدين أنّه إن ضُبط طبع الليرة، فإنّ سعر الدولار لن يرتفع. لكن واقعياً، لن يكون بإمكاننا ضبط طبع الليرة مع زيادة رواتب القطاع العام 3 أضعاف وإقرار المساعدات الاجتماعية له.