جذب حديث الوزير السابق كميل أبو سليمان عن سندات "اليوروبوندز" الكثير من الاهتمام، على اعتبار أنه "مرجعية قانونية ورجل دولة بكل ما للكلمة من معنى، إضافة إلى انه يتحدث بلسان أحد مكونات السلطة السياسية المهمة". في حديثه الكثير من الإيجابيات، ولكن كان هناك بعض الثغرات لجهة توصيف أسباب الأزمة ومقاربة الحلول، برأي خبير المخاطر المصرفية والباحث في الإقتصاد محمد فحيلي.
لا يعتبر ابو سليمان أن "التعثر في دفع سندات اليوروبوندز ضرب صدقية لبنان لأنه لم يستطع منذ العام 2017 بيع أي سند يوروبوند، ما يعني ان صدقيته كانت مضروبة." وهنا يرى فحيلي أنه "قد يكون من الصحّ أن التعثر لا يضرب صدقية الدولة إذا تمت معالجته بمهنية ومسؤولية. وهذا يعني إبلاغ الدائنين بالتوقف عن خدمة الدين، والتفاوض معهم على إعادة هيكلة الدين وجدولته، إلّا ان ما أقدمت عليه الحكومة في آذار 2020 هو "التعثر غير المنظم" (Disorderly Default) وهو ما كان وراء ضرب صدقية مصارف لبنان في عالم المال. وعن قدرة الدولة على بيع سندات اليوروبوندز، أعلنت المصارف عدم رغبتها في الإكتتاب في هذه السندات على لسان الدكتور فرنسوا باسيل، الرئيس السابق لجمعية مصارف لبنان، سنة 2015 أو حتى قبل ذلك، بسبب تشريع الإستدانة المفرط مع التأكيد على محافظة المصارف على أفضل العلاقات مع المصارف المراسلة. لكن مصرف لبنان تابع بترغيب المصارف على التوظيف لديه وهو، بدوره، تابع بتمويل فساد السلطة السياسية وإهدارها".
برأي أبو سليمان أنه "كان على لبنان في العامين 2020 و2021 أن يدفع 8 مليارات دولار بين أصل وفوائد على اليوروبوندز، ولا معنى لدفع هذه الاستحقاقات طالما كنا سنصل حكماً الى تعثر حتمي وإعادة هيكلة." صحيح أنه كثر الحديث والتحذيرات عن عدم قدرة لبنان على الإستمرار بالإستدانة بهذا الشكل، ولا جدال في ذلك، وتاليا يرى فحيلي انه "إذا كان التعثر حتميا، كان من الواجب الأخلاقي اولا والمهني ثانيا أن يأتي هذا التعثر مع خطة واضحة تعكس قدرة الدولة على سداد إلتزاماتها لإعادة جدولة الدين العام وهيكلته. وهذا إنْ يؤكد على أي شيء فهو يؤكد على اللامسؤولية في تعاطي الطبقة السياسية بشؤون الوطن المهمة مادامت تحافظ على مكاسبها السياسية ولو كان ذلك على حساب الوطن والمواطن".
وفيما يبدو أبو سليمان متفائلا "بالخروج من الازمة إنْ أبرمنا الاتفاق مع صندوق النقد واتخذنا بعض التدابير الاخرى وأوقفنا "الدلع" السياسي عبر المناكفات"، يرى فحيلي أن "لا مهرب من الإصلاح سواء كان ذلك بطلب من صندوق النقد الدولي أو المواطن اللبناني أو المناقبية المهنية والمسؤولية الملقاة على عاتق رجال الدولة. الدلع السياسي يهدف فقط إلى محافظة مكونات السلطة السياسية على مكاسبها، ولا يهدف إلى تحقيق أي تغيير أو إصلاح له جدوى إقتصادية".
وفي تعليقه على مشروع قانون "الكابيتال كونترول"، دعا أبو سليمان الى "شطب بند الحماية من الدعاوى بشكل كامل". الكلام عن "الكابيتال كونترول" اليوم هو "لزوم ما لا يلزم"، وفق ما يقول فحيلي. "ما نحن بحاجة إليه اليوم هو تنظيم العلاقة بين المصارف وزبائنها، وتزداد أهمية هذا الأمر مع كل اعتداء على فروع المصارف. ونعم يجب رفع بند "الحماية من الدعاوى بشكل كامل" لأن لا شأن لها بتنظيم العلاقة بين المصارف والزبائن. هذا لا يعني أبدا شطب هذه المادة من التداول لأنه من المستحيل الشروع في إعادة هيكلة القطاع المصرفي وما تتطلبه هذه الخطوة من ضخ رأس مال جديد في المصارف القابلة للإستمرار في خدمة الإقتصاد من دون قانون واضح وصريح لجهة إبراء ذمة المصارف من الدعاوى القضائية العديدة والمتنوعة الجوانب".
الوزير السابق ابو سليمان اقترح "زيادة بند أساسي غير مذكور في نص المشروع المطروح وهو وضع ضوابط على إنفاق المصرف المركزي لما تبقّى من أموال المودعين". ولكن "إذا راجعنا التاريخ نجد أننا لسنا بحاجة الى قانون لوضع ضوابط على إنفاق مصرف لبنان لما تبقى من احتياط في حساب توظيفات المصارف الإلزامية. بإمكان المجلس المركزي لمصرف لبنان تحرير هذه التوظيفات نهائياً، بتخفيضها مما هي عليه اليوم 14% من رصيد الودائع بالعملة الأجنبية إلى 0%، وإعادتها إلى أصحابها، أي المصارف والمودعين"، وفق ما يقول فحيلي.
ويؤكد أبو سليمان أن "الهدف هو حماية ما تبقى من اموال المودعين في انتظار إعادة هيكلة المصارف التي تحتاج إلى أشهر أو تحديد المسؤوليات للازمة". ولكن برأي فحيلي أن "حماية اموال المودعين تكون باطمئنانهم الى أموالهم وتمكينهم من الوصول إلى ما هم بحاجة اليه من هذه الأموال. وصول المودعين إلى "بر الأمان" يكون بالإسراع في إطلاق عجلة ترميم الثقة بين المصرف والمودع وتحويل زيارة المودع إلى المصرف من مصدر همّ وقلق إلى مصدر اهتمام".