من أبرز المواضيع المعيشية والاجتماعية التي ينتظرها المواطنون بعد إقرار الموازنة الجديدة، يتصدّر موضوع الإيجارات المشهد، إذ يبقى من الملفات الأساسية المتنازع عليها بين المالكين والمستأجرين في الإيجارات القديمة بما يخصّ الصندوق/الحساب، وفي الإيجارات الجديدة بما يخصّ موضوع سعر صرف الدولار في العقود المبرمة بالدولار.
الموازنات السابقة كانت قد رصدت 220 مليار ليرة لحساب دعم المستأجرين الذي ينص عليه قانون الإيجارات. أما موازنة 2022 فلحظت دعم الصندوق بمبلغ 50 مليار ليرة بعدما تمّ تصفير المبالغ السابقة، وتبقى هناك ثغرة عالقة في هذا الصدد هي القرارات التي يجب أن تصدر عن اللجان القضائيّة الأربع والعشرين، والتي يتقاضى بموجبها المؤجر عن المستأجر المستفيد من الحساب بدلات الإيجار في السنوات الممتدة من عام 2014 ولغاية عام 2026، باعتبار ان القانون هو برنامج يبدأ في فترة معينة هي عام 2014 وينتهي للفئة غير المستفيدة من الحساب في نهاية عام 2023 وتُضاف ثلاث سنوات للمستفيدين من الحساب. عام 2019 صدرت المراسيم التطبيقية المتعلقة بإنشاء اللجان القضائية والحساب، كما صدرت قرارات وزراء العدل المتعاقبين بتعيين مساعدين قضائيين للجان. والمرسوم الأخير صدر عن وزير العدل الحالي هنري خوري باستبدال قضاة آخرين في اللجان القضائية بعد اعتذار بعض القضاة عن هذه المهمّة وبلوغ آخرين سنّ التقاعد. ولكن حتى الآن لم تصدر هذه القرارات وثمة دعاوى لا تزال معلّقة من دون معرفة الأسباب الحقيقية وراء تمنّع القضاء عن إصدار هذه القرارات. وكانت صدرت توجيهات أيضًا من رئاسة الجمهورية والأمانة العامة لمجلس الوزراء إلى مجلس القضاء الأعلى بوجوب تفعيل عمل اللجان من دون أن تلقى هذه التوجيهات أي تجاوب من قِبل القضاة منذ عام 2019. وهذه المسألة تؤجّج الصراع المستفحل بين المالكين والمستأجرين، بانتظار مناقشة اقتراح قانون لتحرير الإيجارات غير السكنية والذي سلك طريقه إلى الهيئة العامة لمجلس النواب. أما بالنسبة إلى سعر صرف الدولار في الإيجارات، فبعض الأحكام التي تصدر تنصّ على استخدام سعر منصّة "صيرفة" في عقود الإيجارات بين المالكين والمستأجرين، وهو السعر المعتمد حاليًا إلى حين استقرار سعر صرف الدولار في السوق الموازية، والمتفلّـت من أي ضوابط. مع العلم أنّه لا يوجد قانون ينظّم هذه المسألة بين المالكين والمستأجرين، سوى الأحكام القضائية التي تصدر عن قضاة الإيجارات وغرف الاستئناف وتعتمد سعر "صيرفة" في تقدير بدلات الإيجار بين الطرفين.
يعتبر القاضي المنفرد المدني في المتن الناظر في الدعاوى العقارية ودعاوى الإيجارات علاء بشير، انّ رصد مبلغ لدعم صندوق المساعدات الخاص بالمستأجرين القدامى (بالنسبة الى الابنية السكنية) يبقى من دون جدوى ما لم يتم تفعيل اللجان ذات الطابع القضائي المنصوص عليها في المادّة 7 من قانون الإيجارات الجديد رقم 2 تاريخ 28/02/ 2017، إذ إنّه يعود حصراً للجان المذكورة البت بمسألة مدى استفادة هذا المستأجر أو ذاك من تقديمات الصندوق، وكذلك تحديد قيمة بدل المثل تمهيداً لبيان قيمة الزيادات التي سيدفعها الصندوق للمالك عن المستأجر نتيجة اتّباع الآلية المنصوص عليها في المادّة 18، ذلك أنّ عدم تفعيل هذه اللجان لمباشرة البتّ بطلبات الإستفادة من التقديمات، من شأنه أن يجعل من رصد أي مبلغ بلا فائدة تُذكر، مع التأكيد أنّ ما يتقاضاه المستأجر المستفيد من الصندوق هو ليس أصل بدلات الإيجار أو ما يُعرف بالبدلات الأساسية، بل فقط الزيادات المترتبة عليها نتيجة تحديد بدل المثل، وذلك عن السنوات الممتدة من العام 2014 ولغاية العام 2026 على اعتبار أنّ العقود ممدّدة حكماً لمدّة 12 سنة للمستفيدين من تقديمات الصندوق بصراحة المادة 15 من القانون الجديد المذكور أعلاه. أمّا لجهة عدد السنوات التمديدية ومنطلق سريانها، فقد نصّت المادّة 15 من قانون الإيجارات الصادر بتاريخ 09/05/2014 على انّه "تُمدّد لغاية تسع سنوات من تاريخ نفاذ هذا القانون عقود إيجار الأماكن السكنية على أن يدفع ..."، في حين أنّ المادّة عينها من قانون الإيجارات رقم 2 تاريخ 28/02/2017 تنص على أنّه "تُمدّد لغاية تسع سنوات، والمستفيدين من تقديمات الصندوق لغاية 12 سنة، من تاريخ صدور هذا القانون، عقود إيجار الأماكن السكنية"... وعليهِ، يتّضح من نص المادّتين أن كلّاً منهما حدّدت تاريخ بدء السنوات التمديدية من تاريخ نفاذ القانون، إلّا أنّه خلافاً للمادّة الأولى التي نصّت على أنّ عدد السنوات هو تسع في مطلق الأحوال، ميّزت المادّة الثانية بين المستأجر المستفيد من تقديمات الصندوق والمستأجر غير المستفيد منها، بحيثُ يكون عدد السنوات 12 بالنسبة للأوّل، و9 سنوات بالنسبة للثاني. وعليهِ، طُرحت إشكالية معرفة أي من القانونين واجب إعتماده لبدء احتساب السنوات التمديدية، وخصوصا تلك المتعلّقة بغير المستفيدين من تقديمات الصندوق طالما أنّها تسع سنوات في القانونين، وماذا بالنسبة للسنوات الإثنتي عشرة الخاصة بالمستأجرين المستفيدين من تقديمات الصندوق، هل تبدأ من تاريخ صدور قانون الإيجارات رقم 02/2017 طالما أنّه هو فقط التي نصّ عليها، أم أنّه يمكن بدء احتسابها بمفعول رجعي من تاريخ القانون الصادر في 09/05/2010. وقد كانت هذه الإشكالية محط اختلاف في الفقه والإجتهاد :
رأي أوّل يعتبر أنّ السنوات التمديدية التسع تبدأ من تاريخ نفاذ القانون الصادر بتاريخ 09/05/2014 أي من تاريخ 28/12/2014 معلّلاً ذلك بأنّ القانون الصادر في 2017 لم يتناول هذه المسألة بالتعديل، وإنّ القول بخلاف ذلك من شأنه أن يزيد عدد السنوات التمديدية عن التسع ويجعلها تُقارب الإثنتِي عشرة سنة، الأمر الّذي يناقض ما قصده المشرّع. أما بالنسبة للسنوات الإثنتي عشرة الخاصّة بالمستأجرين المستفيدين من تقديمات الصندوق، فهذا الأمر يتعلّق بنص جديد يجب تطبيقه لجهة عدد السنوات، وبالنسبة لمنطلق سريانها فإنّها تبدأ أيضاً من تاريخ نفاذ القانون الصادر بتاريخ 09/05/2014 طالما أن قانون الإيجارت الصادر في العام 2017 قد عدّل فقط الأحكام المخالفة من دون أي أمرٍ آخر، وهنا عدد السنوات فقط وليس منطلق سريانها. ورأي ثانٍ يرى أنّ السنوات التمديدية تبدأ من تاريخ نفاذ القانون الرقم 2/2017 سواء أكان بالنسبة للسنوات التمديدية التسع أم بالنسبة للسنوات التمديدية الإثنتَي عشرة، معلّلاً ذلك بانتفاء أي مفعول رجعي للقانون المذكور، فضلاً عن استحداثه وضعاً قانونياً جديداً لم يكن موجوداً في ظل القانون الصادر بتاريخ 09/05/2014 هو ما يتعلّق بالمستأجرين المستفيدين من تقديمات الصندوق. ويعتبر بشير أنّه بمجرّد إعتبار قانون الإيجارات الصادر بتاريخ 09/05/2014 قانوناً مستقلاً قائماً بحد ذاته، تُطبّق أحكامه على الدعاوى المُقامة ما بين 29/12/2014 و28/02/2017 ويجعل من غير المنطقي القول ببدء السنوات التمديدية منذ تاريخ نفاذ القانون الصادر في العام 2017، فهذان أمران لا يستقيمان معاً. لذلك يرى أن الرأي الأوّل هو الأكثر صواباً، فضلاً عن أنّه، وخلافاً لما يؤخذ عليه، لا يُعطي أي مفعول رجعي للقانون المذكور، لأنّ تحديد تاريخ بدء السنوات التمديدية منذ نفاذ القانون الصادر في 2014 هو تطبيق للقانون المذكور، أمّا تحديد عدد هذه السنوات فهو تطبيقٌ للقانون الصادر في 2017 والّذي عدّل عدد هذه السنوات فقط من دون منطلق سريانها، وأصبح بالتالي هو الواجب التطبيق لهذه الجهة. بمعني أنّه طالما أنّ التعديل قد طاولَ عدد السنوات فقط وليس منطلق سريانها، فلا يكون هناك بالتالي أي تطبيق للقانون المذكور بمفعول رجعي. ومهما يكن من أمر، فإنّه يبقى من الأفضل حصول تدخل تشريعي يضع حدّاً لهذا التضارب في الآراء، فقهياً واجتهادياً، بحيث يُحدِّد التاريخ الّذي تبدأ منه السنوات التمديدية بشكل جازم، وإلّا يُحدِّد تاريخاً تتحرّر فيه عقود إيجار الأماكن السكنية من التمديد الحكمي بصرف النظر عن تاريخ بدء احتساب السنوات التمديدية. أما بالنسبة إلى سعر صرف الدولار في الإيجارات الجديدة التي تستند إلى مبدأ حرية التعاقد، والتي تُحدَّد فيها عملة دفع البدلات بالدولار حصراً، فهناك العديد من الأحكام التي تصدر معتبرةً أن سعر منصّة "صيرفة" هو السعر الواجب اعتماده حاليًا إلى حين استقرار سعر صرف الدولار في السوق، كونه الأقرب إلى القيمة الفعلية للدولار، وذلك في ظل غياب قانون ينظّم هذه المسألة بين المالكين والمستأجرين. إلا أن هناك احكاما أخرى تأخذ في الاعتبار في تحديد سعر صرف الدولار في الإيجارات المذكورة، طبيعة الإيجار ما اذا كان سكنيا ام تجاريا، وكذلك تاريخ بدء العلاقة التأجيرية ما اذا كان سابقاً أم لاحقاً للأزمة الاقتصادية الحادّة التي عصفت بالبلاد وأدت الى انهيار قيمة العملة الوطنية، وذلك بهدف الوقوف على النيات الحقيقية للأفرقاء وما اتجهت اليه عند تحديد البدل، وتأمين مبدأ حسن النية والإنصاف والعدل في تنفيذ العقود.