لا تزال الدوائر العقارية في محافظة جبل لبنان تقفل أبوابها أمام المواطنين، منذ أوائل العام الحالي، بينما فتحت الدوائر في مختلف المحافظات الأخرى ليوم أو يومين في الأسبوع.
وحتى الآن، لم يبت المعنيون مسألة معاودة فتح هذه الدوائر في المحافظة، لكن لا شك في أنّ هذا الإقفال أثّر كثيراً على مصالح المواطنين وعلى القطاع العقاري وعلى الدولة معاً. هل من حلول قريبة؟
يتابع النائب رازي الحاج ملف إقفال الدوائر العقارية، ويؤكد لـ"النهار" أنّ "البحث جار في سبل وإجراءات سريعة ومؤقتة في الدائرة العقارية لمحافظة جبل لبنان لتسيير أمور المواطنين، وسنطرحها نهاية الأسبوع الجاري على وزير المال والمدير العام للمالية". وقد تكون هذه الحلول مثل تمديد العمل ببراءة الذمة المعطاة وبالإفادات العقارية الصادرة في وقت سابق.
لكن ألا يمكن فتح الدوائر العقارية ليوم واحد في الأسبوع لتسيير أمور المواطن؟ يجيب الحاج أنّ المشكلة تكمن في قلّة عديد الموظفين، والأمر بحاجة إلى تشكيلات لأنّ هناك مناطق يغيب عنها رئيس الدائرة العقارية الذي يوقّع على المعاملات. ووزارة المال غير قادرة على تكليف بديل من رئيس الدائرة الغائب بسبب النقص الحاد بالموظفين العقاريين.
وبالأرقام، هناك حوالي 40 ألف معاملة متوقفة ومقدَّمة من قبل الإقفال، وحوالي 35000 معاملة في صدد التقدّم، أي ما يعادل 75000 معاملة عقارية في محافظة جبل لبنان متوقفة، و"هذا رقم ضخم"، بنظر الحاج.
وبحسب النائب، "نبحث في الاستعانة بموظفين، لكن الأمر يتطلّب تدريبهم، وتطبيق هذا الحل ليس مسألة سهلة أمام آلاف المعاملات العقارية المتوقفة". ولا يمكن تكليف موظفين بالإنابة عن الموظفين الملاحقين لعدم معرفتهم بالعمل العقاري، ويحتاج تكليفهم إلى تبسيط الإجراءات، وهذا ما نعمل عليه عبر محاولة اختصار إجراءات المعاملة العقارية وتقليص مراحل إنجازها، كإجراء بديل وسريع. كما يُعمل على إعادة هيكلة هذه الدوائر العقارية لترشيق عدد موظفيها، وإلغاء عمل معقّبي المعاملات والسماسرة.
ويرى الحاج أنّ "هذا الملف من الملفات الصعبة، ومن غير المسموح أن يقفل أي مرفق عام والتخلّف عن القيام بواجباته تجاه المواطن، إذ تأثّر سلباً أكثر من 83 قطاعاً اقتصادياً متّصلاً بشكل مباشر أو غير مباشر بالتطوير العقاري".
والخطأ الأساسي، برأي الحاج، كان في عدم وجود مخطط واضح لدى وزارة المال لضمان استمرارية هذا المرفق بعد الملاحقات القضائية التي طالت بعض موظفي الدوائر العقارية، فيما يجب على القضاء أن يأخذ مجراه. ولدى فتح ملفات الفساد فيها، عُمّمت الملاحقات على جميع الموظفين فيها، ما أفقد هذه الدوائر كل كادرها البشري.
المدير العام للشؤون العقارية ومدير المالية العامة بالتكليف في وزارة المال، جورج معراوي، في حديثه لـ"النهار"، يؤكّد أنّه "لا يمكن معرفة إلى متى ستبقى الدوائر العقارية مقفلة في جبل لبنان لكن النقاشات جارية مع وزير المال لإعادة فتحها".
ويتحدّث معراوي عن تداعيات هذا الإقفال على مستويين: المواطن والدولة. فعلى المستوى الأول، توقّفت التسجيلات العقارية مثل رخص البناء والمعاملات العقارية بكافة أنواعها. أمّا على المستوى الثاني، فأثّر إقفال هذه الدوائر سلباً على خزينة الدولة. فبحسب تقديرات موازنة 2024، تُقدَّر إيرادات الدوائر العقارية بحوالي 30 ألف مليار ليرة. وحالياً، هناك حوالي 40 ألف معاملة عقارية متوقفة في دوائر جبل لبنان العقارية.
مصائب عقارية تنتظرنا...
رئيس نقابة الوسطاء والاستشاريين العقاريين في لبنان، وليد موسى يقول لـ"النهار" إنّ "إقفال الدوائر العقارية في محافظة جبل لبنان، يشلّ القطاع العقاري إذ توقّفت جميع معاملات المواطنين من انتقال ملكية وحصر إرث وتسجيل عقارات ورخص بناء في محافظة من أكثر المحافظات نشاطاً على المستوى العقاري بعد محافظة بيروت".
ويلفت موسى إلى أنّ هناك عقود بيع تجري لدى كتاب العدل، لكنّها قد تفتح الباب على مشاكل تزوير بسبب غياب التسجيل في الدائرة العقارية، ويمكن للشخص بيع عقاره عدة مرات لدى الكاتب العدل وبالتالي يقوم بعملية احتيال. والكاتب العدل يقوم بالمعاملة لكنّه غير موصول بالدوائر العقارية لمعرفة الوضع القانوني لأي عقار. والارتكاز حالياً على الإفادات العقارية أونلاين، إلّا أنّه لا يتم تحديثها. لذلك، "لدى انتظام العمل في الدوائر العقارية ومعاودة فتحها، سنرى المصائب"، يقول موسى.
وبرأي موسى، "بينما الدوائر في محافظة جبل لبنان مقفلة نهائياً، ولم يُعرف حتى الساعة السبب الأساسي خلف إقفالها ولا متى سيُعاد فتحها، الجواب الوحيد لدى سؤالنا عن عدم حضور الموظفين إليها هو أنّهم خائفون بسبب ضغوط سياسية".
وبحسب معلوماته، "يجب حل مشكلة إقفال محافظة جبل لبنان بين جميع الأفرقاء السياسيين لكي يُعاد فتح الدوائر العقارية في هذه المحافظة، وهناك قطبة مخفيّة مسيَّسة".