لم تترك الأزمة المالية والاقتصادية قطاعا إلا طرقت بابه، وكان باب نقابة المهندسين مشرّعا لدخولها، فأطاح تدهور قيمة العملة الوطنية رواتب المهندسين المتقاعدين الذين يناهز عددهم الـ 4 آلاف و200 مهندس مع عائلات المتوفين منهم، وتاليا تراجعت القيمة الشرائية لرواتبهم الى أقل من 15% من قيمتها الاساسية قبل الازمة.
ما يحزّ في نفوس المهندسين المتقاعدين أنهم على مدى 30 عاما كانوا يدفعون سنويا ما يتوجب عليهم من اشتراكات الانتساب، اشتراكات صندوق التقديمات الاجتماعية، اشتراكات صندوق التقاعد، فيما يقبض هؤلاء اليوم مبلغا شهريا قيمته 2.5 مليون ليرة، أما عائلات المتقاعدين المتوفين فيتقاضون 30% من قيمة هذا المبلغ، أي ما يعادل 800 ألف ليرة شهريا. هذا الواقع دفعهم الى التحرك مرارا ووصل الامر ببعضهم الى الاعتصام والاضراب عن الطعام، وهو ما قام بتنفيذه المهندس علي برو على مدى ايام.
يقول المتقاعدون إنهم رفعوا الصوت عاليا لكل من أدار الآذان الصمّاء "بعدما حاولنا مع القيّمين مرارا ليتفهموا وضعنا والتعاون لايجاد حلول، ولو جزئية، لأزمة المهندسين المتقاعدين. ولكن للأسف لم نجد الا الوعود كسباً للوقت، ولم نواجَه إلا بالمماطلة وعدم جدية التعاطي من قِبل لجنة صندوق التقاعد الذي ليس لنا اي مشاركة في ادارته"، علما ان واردات الصندوق تتكون من مدخرات متراكمة من كل المهندسين ومن ضمنهم المهندسون المتقاعدون والعاملون على مدى اكثر من 30 عاما بحسب الاصول في الفصل الاول لقانون صندوق التقاعد في المادة الرقم 3 التي تنص على أن يتغذى صندوق التقاعد من الموارد الآتية: 30% من الاموال الاحتياطية الموجودة في صندوق النقابة، 30% من رسوم القيد و20% من الاشتراكات السنوية التي تستوفى من المهندسين، رسم تقاعدي سنوي، فوائد وايرادات استثمار اموال الصندوق، 5% تضاف الى رسم الترخيص بالبناء تستوفيها النقابة لمصلحة صندوق التقاعد قبل اعطاء الترخيص من البلدية، 20% من ضريبة الدخل السنوية التي يدفعها المهندس المشترك في صندوق التقاعد، التبرعات (هبات او وصايا او اكتتابات) المقدمة للصندوق، مساهمة الحكومة السنوية للصندوق، 70% من رسم طابع اجيز لمجلس النقابة اصداره.
يعيب المهندسون القدامى على اللجان المتعاقبة على ادارة الصندوق سوء ادائها، فالمهندس الذي "ساهم بتطوير هذا الصندوق وتعزيزه على مدى اكثر من 30 عاما له الحق دون منّة من احد في الحصول على معاش تقاعدي يليق بحياة كريمة مع تأمين صحي مجاني عند بلوغه سن التقاعد". ويطالبون بحقوق "سُلبت منا" وأولها: "المعاش التقاعدي العادل واسترجاعه الى ما كان عليه قبل الازمة 900 دولار مع الحق باعطاء عائلة المتوفى الراتب نفسه، واعفاء المتقاعد من رسم التأمين، اصدار قرار من مجلس النقابة بانشاء رابطة المهندسين المتقاعدين لادارة شؤون المتقاعد ومشاكله ضمن قانون تأسيس الروابط بحيث يكون غير مخالف لنظام اذن مزاولة مهنة الهندسة الموحد لنقابتي طرابلس وبيروت اسوة برابطة المتقاعدين في نقابة طرابلس، وضع آلية سهلة خالية من المعوقات لانجاز طلبات التقاعد الجديدة واعتبار المعاش التقاعدي ساري المفعول من تاريخ تقديمه".
مصادر نقابة المهندسين أكدت ان الأوضاع آيلة حتما الى التفاقم. فقد علمت "النهار" أن موازنة صندوق التقاعد للعام المالي 2022-2023 لم يرصد فيها أكثر من 113 مليار ليرة في نيسان 2022 للرواتب التقاعدية، وأن هذا الاعتماد بالكاد يكفي لتغطية نفقات السنة المقررة، خصوصا بعدما أضيف إليها راتب شهر إضافي تم صرفه من صندوق التقاعد للمتقاعدين قبل الأعياد في كانون الأول الماضي. وتؤكد المصادر أن "صندوق التقاعد لا يستطيع تجاوز موازنته قبل انتهاء السنة المالية في نهاية شباط المقبل موعد العمل على إعداد موازنة السنة المقبلة تمهيدا لعرضها على هيئة المندوبين". أما اللجوء إلى الاحتياط الذي يشير إليه المتقاعدون بالحديث عما دفعوه من اشتراكات قبل تقاعدهم، فتشير المصادر إلى أن نقابة المهندسين قد أودعت الجزء السائل منه لدى المصارف في فترة النقباء السابقين، وأنه آل إلى المصير عينه الذي آلت إليه ودائع اللبنانيين كافة، مشددة على أن "الإرث الذي ورثه النقيب عارف ياسين يبدو ثقيلا وثقيلا جدا وهامش الحركة ماليا لديه ضيق للغاية".
ويؤكد بعض المتابعين لملف المتقاعدين أن تركيزهم على رواتبهم الحالية هو على أبواب تعديلها في الموازنة المقبلة، إنما يحجب عن أبصارهم تكافل المهندسين في تغطية نفقات استشفائهم حين يحتاجون للدخول الى المستشفيات خصوصا في ظل الظروف الراهنة وفي ظل صعوبة وكلفة اللجوء إلى شركات التأمين الخاصة.
توازياً، وعد نقيب المهندسين عارف ياسين بعقد جلسة مع اعضاء الصندوق التقاعدي، مؤكدا انه سيتم البحث في المطالب المطروحة، فيما لوّح المهندسون المتقاعدون بتصعيد تحركاتهم بشتى الوسائل في حال لم يأتِ الرد على مطالبهم الخميس المقبل.
المهندس المتقاعد مروان زهيري أوضح لـ"النهار" ان المفاوضات بدأت مع النقيب ياسين واعضاء لجنة الصندوق التقاعدي في شهر آب، ولكن حتى الآن لا حلول ولا نتائج. وبحسب زهيري، فإن النقيب واعضاء مجلس النقابة "تفهّموا مطالب المتقاعدين لكنهم بحاجة للرجوع الى الحسابات المالية والصندوق التقاعدي كي يدرسوا امكان هذه الزيادة". وكشف أنهم في اليوم عينه اجتمعوا مع النقيب واعضاء مجلس النقابة، وطرحوا من جديد مطالبهم الأساسية وهي التأكيد والإصرار على تأمين مساعدة شهرية حتى إقرار موازنة 2023، مؤكدا ان المهندس المتقاعد "لا يتحمل نتيجة انهيار الوضع الاقتصادي والمالي في البلد، خصوصا ان الوضع في لبنان متجه نحو المجهول، ولا نعلم اتجاه العملة اللبنانية في الأيام المقبلة".
نقيب المهندسين الذي دعا الى العمل من أجل متابعة التحرك على الأرض والضغط على المصرف المركزي والمصارف والجهات الرسمية لاستعادة الحقوق، لفت الى أن "مدخرات النقابة محتجزة لدى المصارف كما أموال المودعين، وأن أزمة صناديق النقابة خصوصا صندوق التقاعد سببها السياسات الاقتصادية والمالية. أما بالنسبة الى زيادة المعاش التقاعدي، فالموضوع سيكون ضمن الموازنة للسنة المقبلة، وبعد دراسة حجم الواردات والمصاريف والتوازن بينهما ستكون هناك زيادة على المعاش التقاعدي لتأمين الحد المقبول للعيش الكريم، وبسبب انهيار سعر العملة الوطنية، سيكون جزء من المعاش التقاعدي بالعملة الصعبة. وستتم دراسة وإعادة توزيع النسب بين الصناديق الثلاثة لمصلحة زيادة النسبة العائدة لصندوق التقاعد لزيادة وارداته".