انتشرت في الآونة الأخيرة موجة معارضة على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب غلاء الأسعار بالسوبرماركات، بالرغم من قرار دولرة الأسعار الذي طُبّق في بداية شهر آذار. ومع سياسة "الدولرة" التي أعلنها وزير الاقتصاد أمين سلام بذريعة "حماية المستهلك من تقلب سعر الدولار"، ثمّة من تذمّر باعتبار هذه الخطوة "كذباً" و"غشاً إضافيّاً"، إذ نتج عن تبدّل الأسعار بالدولار بين يوم وآخر رفعها بطريقة مقنّعة، وذلك من خلال رفع "السينتات" على السّلعة.
وفي جولة أجرتها "النهار" على السوبرماركات، بدت آراء معظم المواطنين منتقدة بشدّة لتطبيق القرار، إذ اعتبروا أنّه "ضحك على الذقون"، وإنّ ارتفاع الأسعار لا يزال قائماً لكن هذه المرّة بالدولار، وبطريقة مقنّعة.
الصور بعدسة الزميل نبيل اسماعيل:
في هذا السياق، أكّدت السيدة وربّة المنزل سمر في حديثها لـ"النهار" أنّ السلع نفسها تختلف بين يوم وآخر، وتجد ذلك عندما تشتري منتجات لعائلتها المكوّنة من خمسة أفراد، وتقول: "كنت أتبضع بـهامش يصل إلى 10 دولارات في شهر شباط وصولاً إلى شهر آذار، حين وصل الدولار إلى 100 ألف ليرة. لكن المبلغ أضحى بمثابة سعر سلعة بعد "الدولرة"، وهذا الأمر يتفاقم يومياً حيث نتفاجأ كلّ أسبوع بغلاء الأسعار بالدولار، ناهيك باختلاف الأسعار بين مكان وآخر، فبتنا نمضي وقتنا نبحث عن المنتج الأرخص".
من جهة أخرى، تعتبر السيدة وداد أنّ الأسعار "تضاعفت" بعد التسعير بالدولار، لافتةً إلى أنّه "قبل القرار كنا نشتري جبنة الفيتا مثلاً، بـ170 ألف ليرة، حين بلغ الدولار الـ100 ألف ليرة. أمّا اليوم فقد أصبح سعرها دولارين. مثل آخر هو كيلو الجوز، اشتريته قبل تسعيرة الدولار بـ450 ألف ليرة (يوازي 5 دولارات ونصف) حين كان الدولار بـ80 ألفاً، فيما اليوم أصبح بـ8 دولارات مع سعر الـ97 ألف ليرة. ذلك يعني أنّ الأسعار ارتفعت بعد تسعيرة الدولار، مما حدّ من قدرة شرائنا، وهنا لا نتكلّم على الغلاء الأسبوعي للسلع".
يارا مواطنة تتبضع لعائلتها مرّة في الأسبوع، وتؤكد أنّ الأسعار غير ثابتة بتاتاً، وترتفع بطريقة مبطّنة، وتضيف: "علبة الزبدة الصغيرة قبل العيد أي من الأسبوع الفائت كانت تقريباً بدولارين وسنت، أمّا اليوم فسعرها 2.5"، مشيرةً إلى أنّه "قبل "الدولرة" كانت ميزانية الشهر تصل إلى 140 دولاراً كحدّ أقصى، واليوم تصل إلى 240 دولاراً أي بزيادة تصل إلى 100 دولار".
أرباح طائلة وجشع "عصابات الطوائف"
اعتبر رئيس جمعية حماية المستهلك الدكتور زهير برو في حديث لـ"النهار" أنّ قرار دولرة الأسعار من قبل وزير الاقتصاد لم يُبنَ على أيّ مخطط واضح، وليس لديه آفاق للخروج من الأزمة أو حتى لتنفيذ أيّ شرط إصلاحيّ طلبه صندوق النقد الدولي، تالياً فإنّ غياب الحلول يصبّ لمصلحة التجار الكبار فحسب، وهذا القرار هدفه تلبية الحاجات الجشعة للسياسيين.
ولفت برو إلى أنّ "كبار التجار ومستوردي السلع يحققون أرباحاً خيالية مع الدولرة، فهم يدفعون بالليرة البنانية ويبيعون بالدولار. من هنا، باتت وظيفة "الدولرة" تأمين مداخيل ثابتة لجيوبهم، عبر فرضهم الأسعار بذريعة أن المستهلك لديه حرية الشراء، لكنّه ليس لديه أيّ خيار غير شراء المستلزمات الأساسية"، مضيفاً: "تغيّرت قيمة الليرة وتدنّت بنسبة 97 في المئة، فحصّلوا أرباحاً طائلة، خاصةً أنّ الاسعار عادت إلى ما كانت عليه قبل الأزمة بل أكثر".
واعتبر برو أنّه إزاء هذا الواقع والأرباح التي تُحصّل لا يزال مجلس النواب يرفض أخذ أيّ إجراء أو تنازل لشروط صندوق النقد الدولي من شأنه أن يحسّن الوضع. ويلفت إلى أنّ شروط الصندوق لن تخدم بالضرورة جميع حقوق المستهلكين، لكن قد تخفف من كاهل الأزمة على اللبنانيين التي أنهكته "عصابات الطوائف".
وكانت إدارة الاحصاء المركزي قد أعلنت أن مؤشر أسعار الاستهلاك في لبنان لشهر آذار 2023 سجّل ارتفاعاً قدره 34 في المئة، وذكرت أن مؤشر أسعار الاستهلاك في لبنان لشهر آذار 2023 سجّل ارتفاعاً قدره 264 في المئة، لكن هل يشمل هذا الارتفاع أسعار السوبرماركات؟
"اقتصادنا حرّ ومفتوح للمنافسة"
يخالف المدير العام لوزارة الاقتصاد والتجارة محمد أبو حيدر مقولة إن "الأسعار بالدولار رفعت هامش الربح"، معتبراً أنه "ما زلنا في وزارة الاقتصاد، بالرغم من إضراب القطاع العام وعدد المراقبين الضئيل، ننفّذ جولات على السوبرماركات لحماية المستهلك وتفقد الأسعار، وحين نضبط أيّ ارتفاع بهامش يتخطى نسبة الربح وفقاً للقانون، تُؤخذ إجراءات قانونية في هذا الإطار، ويُحال المسؤول إلى القضاء".
وعن الارتفاع المبطّن للسلع، اعتبر أبو حيدر أنّه في حال كان ارتفاع السينتات ضمن هامش الربح فهو مسموح.
ولفت إلى أنّ تفاوت الأسعار بين مكان وآخر للسلعة نفسها أمر لا يمكن السيطرة عليه، خاصةً أنّ لبنان يتمتّع باقتصاد حرّ.
ونشرت وزارة الاقتصاد في 25 نيسان تقريراً يقارن أسعار سلّة السلع الغذائية بين 18 و25 نيسان، بالإضافة إلى مقارنة بأسعار السلّة عن نفس الفترة من عام 2022 لـ60 سلعة أساسيّة تّم جمع أسعارها من 53 نقطة بيع بالتجزئة من مختلف نقاط البيع في لبنان.
ومع العلم أن معدّل أسعار السلة الغذائية قد استقرّ خلال الفترة المذكورة (أي من 18-25 نيسان) انخفضت الأسعار بنسبة بلغت 0.3 في المئة بحسب التقرير، بعد أن بلغ سعر صرف الدولار 97000 ليرة لبنانية، كما بلغ التغيير السنويّ للأسعار مقارنة بالسنة الفائتة بلغ نسبة 308 في المئة.
أما بالنسبة إلى نقيب أصحاب السوبرماركت نبيل فهد، فقد اعتبر أنّ "الحديث عن ارتفاع الأسعار بعد الدولرة غير دقيق"، مضيفاً: "أجرينا دراسة أظهرت أنّ 20 سلعة أساسية انخفض سعرها بين كانون الثاني وآذار بنسبة 7.3 في المئة. وبحسب الدراسات التي أجرتها وزارة الاقتصاد أثبتت أن الأسعار انخفضت بنسبة تترواح بين 5 و10 في المئة، وتختلف حسب فئات السلع المختلفة، تالياً ارتفاع بعض السلع يكون نتيجة ارتفاعها من الخارج (في حال كانت سلعة مستوردة)".
ويؤكّد فهد صحّة ما ذُكر حول اختلاف الأسعار في مختلف الأماكن، معتبراً أنّ "الأمر طبيعي في سوق مفتوح، والسبب الرئيسي لاختلاف الأسعار هو تغيّر التكلفة، من تكلفة الإجارات، تكلفة مواقف السيارات، الخدمات، وصولاً إلى نقطة البيع، تُؤخذ جميع هذه الأمور بالاعتبار، فضلاً عن الأساليب التسوقية المختلفة، من ضمنها التخفيضات التسويقية".
قد تكون مقولة "كل واحد فاتح على حسابه" تصف الواقع كما هو، وبات من المعلوم أنّ "الدولرة" ليست أفضل وسيلة لتخفيف من التكاليف عن المواطنين أو لضبط الوضع المالي، إذ جُلّ ما يفعله المواطنون هو انتظار أسعار جديدة كلّ يوم، خاصةً في ظلّ غياب الثقة بمؤسسات الدولة، أو حتى في الجولات "الشكلية" التي تُنفذها وزارة الاقتصاد بين الحين وآخر.