لطالما تغنّى لبنان بقطاع تنظيم الأعراس، لا في لبنان فقط، بل في المنطقة عموماً. ورغم تأثّره في صلبه بسبب انتشار جائحة كورونا، استمر وصمد إلى أن جاء موسم الصيف الحالي بعد دولرة الأسعار. نتحدّث هنا عن موسم حافل بالأعراس، وحجوزات صالات "مفوّلة"، باستثناء شهر محرم الذي يصادف منتصف الشهر المقبل، الذي سيخفّف من وتيرة هذه الزحمة.
"وضع قطاع الأعراس هذا العام أفضل من أي سنة مضت وحتى قبل الأزمة، والحجوزات أكثر من ممتلئة وقد لا نعود إلى منازلنا بسبب ضغط العمل"، هذا ما تؤكّده نادين السعدي صاحبة وكالة And more events لتنظيم الأعراس في حديثها لـ"النهار".
والأمر يعود إلى تأقلم الناس تدريجاً مع الوضع الاقتصادي الراهن من جهة، وتأقلم وكالات تنظيم الأعراس مع الأزمة من جهة أخرى وتوفير إمكانية إقامة أعراس تتناسب مع ظروف العروسين تماشياً مع الوضع الراهن.
هنا، تتحدّث سعدي عن مستويين من الأعراس. أعراس من الفئة المتوسطة في فنادق جيدة. وأعراس من الفئة الميسورة والغنية التي لها امتداد مادّي من الخارج، وهي أعراس كبيرة شبيهة بأعراس ما قبل الأزمة. وغالبية الأعراس حالياً، وفق سعدي، تتّجه نحو الأعراس ذات الـ100 شخص حدّاً أقصى، وحوالي 25 في المئة من الأعراس هي الأعراس التي تبدأ من 200 أو 250 شخصاً وما فوق.
وفيما قطاع تنظيم الأعراس جزء من القطاع السياحي، تؤكّد سعدي أنّ الفنادق مليئة بالسياح والنزلاء، "لدرجة أنّنا نواجه صعوبة في إيجاد غرفة أو جناح لعروسين ليلة زفافهما في الفنادق".
كذلك، تستقطب الأعراس الناس من خارج لبنان، ولا سيما من المدعوّين إليها. ووفق سعدي، "حالياً المقيمون في لبنان أصبحوا قادرين على إقامة عرس متوسط أو متواضع بحجم حوالي 100 شخص".
و"ارتفعت أسعار الأعراس على الشخص عن الأعوام السابقة ارتفاعاً كبيراً"، تقول سعدي، فجميع المورِّدين والفنادق عادوا بأسعارهم إلى ما قبل الأزمة تقريباً، وحتى أحياناً أعلى ممّا قبلها.
وتؤثر عوامل كثيرة على سعر الحجز للشخص الواحد للزفاف، منها المورِّدون، وخيار الشخص في نوع العشاء وغيرها من التفاصيل الأخرى. لكن إذا أردنا البدء برقم تقريبي، تتحدّث سعدي عن حوالي 100 دولار للشخص الواحد، وهو سعر يشمل كلّ شيء من تنظيم الزفاف والعشاء والصالة، ويعود لأعراس الفئة المتوسطة، ويُعدّ تقريباً أرخص بقليل عن السابق.
وتستمر زحمة الأعراس حتى نهاية شهر آب حيث تصل إلى ذروتها، وتنخفض وتيرتها مع حلول شهر محرم في أواخر الشهر المقبل.
من جهتها، تفيد صاحبة وكالة Tie the knot لتنظيم المناسبات ليليان خوري، في حديثها لـ"النهار"، أنّ "قطاع تنظيم الأعراس هذا العام أفضل حالاً من العام الماضي، والناس باتوا يتقبّلون الأسعار بالدولار". فأسعار جميع السلع والخدمات ارتفعت، حتى على سعر الدولار، وهو أمر عالمي ليس فقط في لبنان، ومحلياً عادت الأسعار كما كانت قبل الأزمة بالدولار. كذلك، فإنّ رواتب الموظفين في الشركات والمؤسسات الخاصة تعدّلت.
وفيما حجوزات الأعراس بدأت منذ بداية العام، معظم زبائن الأعراس في وكالتها هم من الأشخاص الذين يعملون خارج لبنان، وجزء من زبائنها هم أشخاص مقيمون، لا يقيمون الأعراس فقط بل مناسبات أخرى أيضاً.
إلى ذلك، يفيد صاحب وكالة Narciss لتنظيم المناسبات، فايز العلي، في حديثه لـ"النهار" أنّ "الناس يودّون إقامة حفلات زفافهم وهناك إقبال كبير عليها لكن أوضاعهم المادية لا تسمح لهم". لذلك، الطبقات دون المتوسطة تلجأ إلى إقامة زفافها بأقل كلفة وتتّجه نحو المطاعم للتوفير بدلاً من الفنادق.
ويتحدّث العلي هنا عن شريحة توازي حوالي 60 إلى 70 في المئة من الناس، ونسبة 20 إلى 30 في المئة تقيم الأعراس المتوسطة، وتبقى الـ10 في المئة للأعراس الضخمة.
لكن يشير العلي إلى أنّه يمكن للشخص إقامة عرس صغير بحجم 100 شخص حدّاً أقصى. فالعلي وفّر باقات واتّفق مع صالات في فنادق في بيروت، وقدّم أسعاراً مدروسة جداً لهذه الأعراس لجذب الناس الذين يتّجهون إلى المطاعم.
قطاع تنظيم الأعراس مشغِّل السياحة
في حديثه لـ"النهار"، يرى الأمين العام لاتحاد النقابات السياحية جان بيروتي، أنّ "قطاع تنظيم الأعراس يزدهر كثيراً هذا العام بعد ركود طال منذ انتشار جائحة كورونا الذي دفع إلى تأجيل الكثير من الأعراس والمناسبات، ولا سيما القادمة من الخارج".
واستعاد سوق الأعراس، بحسب بيروتي، حوالي 80 في المئة ممّا كان يسجّله في عام 2018، إذ أن عدداً كبيراً من صالات الأعراس ذات الخمس نجوم، "مفوّلة" هذا الموسم وهي بطبيعة الحال لا تتأثر بالوضع الاقتصادي.
وهناك أعراس كثيرة أصحابها يعيشون خارج لبنان يأتون إليه لإقامتها، فهم يستغلّون الفرصة لعيش الأجواء الاحتفالية الجميلة المحيطة بالأعراس في لبنان، إضافة إلى السياحة فيه، إلى جانب كون الميزانيات لأعراسهم مقبولة بالنسبة إليهم. ويبقى السبب الأهمّ هو أنّ لبنان يمتاز بقطاع تنظيم أعراس ناجح جداً من جميع النواحي.
وبرأي بيروتي، "خسارة المواسم السابقة لن يعوّضها هذا الموسم فالأمر يحتاج إلى عدة سنوات قادمة. لكن هذا الموسم يؤكّد أنّ قطاع تنظيم الأعراس لا يزال موجوداً وناشطاً واستطاع الاستمرار رغم الأزمة، فهو قطاع مشغِّل للسياحة".
والمفارقة في الأعراس هذا العام، وفق بيروتي، أنّ الأعراس العام الماضي كانت بمعظمها أعراساً صغيرة بعدد أقصى حوالي 60 شخصاً. أمّا هذا العام، فتكثر الأعراس التي تبدأ من 200 شخص وما فوق.
وعن أسعار حجوزات الأعراس، يؤكد بيروتي أنّها لم تصل إلى 70 أو 80 في المئة عمّا كانت عليه قبل الأزمة. والأعراس التي كانت تشهد بذخاً فوق الطبيعة قبل الأزمة، باتت محدودة الآن ولم تعد تأخذ دورها في لبنان حالياً.
ويلفت بيروتي إلى أنّ منظّمي أعراس كثيرين مِمّن تركوا البلاد وتوجّهوا إلى الخارج في بداية الأزمة، يعودون حالياً إلى لبنان.