النهار

الجامعة الاميركية تستضيف خبراء فصلوا مشروع موازنة 2024: عيوب جوهرية وغياب تام للموضوعية والمهنية
المصدر: "النهار"
الجامعة الاميركية تستضيف خبراء فصلوا مشروع موازنة 2024: عيوب جوهرية وغياب تام للموضوعية والمهنية
طاولة المناقشة.
A+   A-
حضر مشروع الموازنة العامة للعام 2024، ووضع المالية العامة في ظلّ الأزمة المتفاقمة في لبنان، على طاولة نقاش استضافتها كلية إدارة الأعمال (OSB) في الجامعة الأميركية في بيروت (AUB)، شارك فيها مجموعة من المتخصّصين في الإدارة والمال، بينهم المدير العام لوزارة الاقتصاد الدكتور محمد أبو حيدر، وممثل الهيئات الاقتصادية الدكتور نبيل فهد، ورئيس قسم الأبحاث الاقتصادية في اتحاد المصارف العربية الدكتور علي عودة، وكبير الاقتصاديين في مجموعة بنك بيبلوس الدكتور نسيب غبريل، وكلٌّ من حنين الفقيه وريتا الأشقر من مكتب صندوق النقد الدولي في لبنان، وممثلون عن المجتمع المدني وأساتذة من الجامعة الأميركية في بيروت.
أجمع الحاضرون على عدم اتخاذ الدولة أيّ خطوة إصلاحية أو تصحيحية لإنقاذ المواطن والوطن من آفة تدهور الوضع الاقتصادي وتداعياتها. وسجّلوا الملاحظات الآتية:
 
1- مشروع الموازنة العامة للعام 2024 يستوفي جزئياً شروط المهل الدستورية لجهة تاريخ تقديمها إلى الأمانة العامة لمجلس النواب لدراستها، ولكنه لا يشمل قطع حساب سنة 2023، ممّا يرفع علامات استفهام كثيرة على الأرقام التي اعتمدها مشروع الموازنة وبنى عليها لتحديد الإيرادات والنفقات لسنة 2024.
 
2- يفتقد المشروع إلى الرؤية الاقتصادية والتخطيط الاستراتيجي ويرتكز فقط على المصاريف التشغيلية وكيفية تمويلها. وهذا يعني بأن التركيز منصبّ على الخدمات الأساسية التي توفرها الدولة اليوم مع غياب تام للإنفاق الاستثماري في سنة 2024، بالرغم من تردّي وضع البنية التحتية في لبنان.
 
3- عدم اعتماد سعر صرف واحد منطقي، يعكس الواقع الاقتصادي اليوم، وفي السنة المقبلة، لاحتساب الإيرادات والنفقات، فيما لا يوجد أي مادة في مشروع الموازنة يُقترح فيها سعر صرف واحد و/أو الأسباب الموجبة لاختيار هذا السعر وغيره في بعض المواد؛ مع التشديد على ضرورة العودة إلى مصرف لبنان لتحديد سعر الصرف الذي يتوجب اعتماده في احتساب وتحصيل بعض الإيرادات.
 
4- الضرائب على أصحاب الدخل ستتسبّب بالمزيد من التهرب الضريبي، أو بهجرة الأدمغة، في الوقت الذي تتوافر المؤشرات على حصول المسألتين.
 
5- تفتقد الموازنة إلى الموضوعية، لأنها تعتمد على أرقام غير واقعية كنسبة النمو، والتضخم وحجم الاقتصاد. ولا يوجد قطع حساب لسنة 2023، أو أرقام أو مؤشرات تم تأكيدها والموافقة عليها من قبل ديوان المحاسبة ومجلس الوزراء.
 
6- من الواضح أن هذا الفائض من الضرائب جاء ردة فعل على قرار المجلس المركزي لمصرف لبنان بالتوقف عن تمويل الدولة؛ وهذا يعني بأنها ليست مبنية على رؤية اقتصادية تساعد في عودة الانتظام إلى التبادل في الأسواق؛ ولبنان بحاجة ماسّة إلى ذلك في ظل غياب الرقابة وتفشي اقتصاد الظل والإفراط في الاعتماد على الأوراق النقدية كوسيلة دفع وحيدة لجهة الحصول على الإيرادات وتسديد النفقات للأفراد والمؤسسات.
 
7- إهمال تام لمصادر الإيرادات البديلة عن الضرائب – أكبر مثال على ذلك هو كيفية السماح باستثمار الأملاك البحرية والكسارات - والاعفاءات والامتيازات الضريبية التي ولدت من رحم الزبائنية والفساد السياسي. وفي الوقت الذي تطلّ فيه علينا الحكومة بأنها بأمس الحاجة إلى الموارد والإيرادات، أبقت على أبواب الدوائر العقارية ومديرية تسجيل السيارات ودفاتر السوق مقفلة، وكان لذلك آثار سلبية كثيرة على إيرادات الدولة.
 
8- لا يوجد أي مادة في مشروع الموازنة تتوجه نحو تقييم الآثار السلبية للاعتماد على الأوراق النقدية في التبادل التجاري كأن هناك قراراً بعدم العودة إلى تفعيل العمل بوسائل الدفع المتاحة من خلال القطاع المصرفي وما يؤدي إليه ذلك من إيجابيات.
 
9- على الحكومة التوقف عن اعتبار الموازنة عملية حسابية محاسبية، والتلهي بإنتاج الأرقام، والتخفيف من أهمية مقاربة مشروع الموازنة العامة كخطة نهوض اقتصادي؛ وفي ظل الأزمة الاقتصادية والمالية التي يتخبط بها لبنان منذ أكثر من ثلاث سنوات، هناك ضرورة لإنتاج موازنة تهدف إلى إنقاذ لبنان من أزمته، وإنعاش اقتصاده، ثم مساعدته على التعافي. وعند النجاح في الوصول إلى مرحلة التعافي الاقتصادي فقط، يصبح باستطاعتنا الحديث عن النمو الاقتصادي والتخطيط له.
من دون أي محاولة لمعالجة الدين القائم حالياً، ومن دون الإشارة إلى التعثر غير المنظّم عند إعلان حكومة الدكتور حسان دياب التوقف التام (والمفاجئ) عن خدمة الدين العام، طلبت الحكومة من المُشَرِّع (المجلس النيابي) السّماح لها بإصدار سندات خزينة (أي الاستدانة)، واللجوء أيضاً إلى مصرف لبنان لدعم الفوائد على بعض القروض للقطاعات المنتجة، مع العلم أن المنطق الاقتصادي يستوجب أن تكون وزارة الاقتصاد هي الجهة الداعمة والمموّل الأساس لهذا الدعم عند توافر الموارد.
 
10- البرامج في الفصل الثاني من الموازنة بمعظمها تمّ إعادة إدراجها من سنوات مضت، ويعود بعضها إلى التسعينيات. وإن دلّ ذلك على أي شيء فإنه يدلّ على اهتمام مكوّنات الطبقة السياسية بالمصاريف التشغيلية، وهي الوجه الآخر للزبائنية السياسية؛ وأكبر دليل على ذلك سلسلة الرتب والرواتب التي أقرّت من دون تمويل، والتوظيف العشوائي والمفرط في القطاع العام. ويُعاد اليوم إنتاج نسخة جديدة عن سلسلة الرتب والرواتب من خلال إقرار تعديلات في رواتب وأجور موظفي القطاع العام، تصل في بعض شطورها إلى سبعة أضعاف وأكثر. من الطبيعي أن تلجأ الحكومة إلى تعديل الرواتب والأجور، ولكن يجب أن تواكب هذا التعديل إصلاحات ودراسة للتداعيات على الأسعار والضغوطات التضخمية التي قد يُنتجها هذا التعديل؛ وذلك حتى لا تعاد أخطاء سلسلة الرتب والرواتب السابقة.
 
11- عندما يكون مصدر العافية والنمو في الاقتصاد الاستهلاك، الذي جاء نتيجة لقدرة مكوّنات القطاع الخاص على الصمود والتأقلم مع المتغيرات الاقتصادية، فإن رفع الضرائب سيؤدي حتماً إلى المزيد من الانكماش الاقتصادي. فإذا كان الهدف من رفع الـضرائب تعزيز الإيرادات، فسوف تكون النتائج عكس ذلك.
 
12- تعاني حالياً الدولة والكيان اللبناني من ثلاثة عجوزات: عجز في ميزان المدفوعات، وعجز في الميزان التجاري، وعجز في الموازنة؛ وهذا يعني أن اللجوء إلى الضرائب التقليدية (على الرواتب والأجور، ...) سوف يكون له تداعيات سلبية كبيرة على الاقتصاد الوطني.
 
13- غياب المشاركة والتشارك في إعداد الموازنة من قبل مَن هم أكثر تضرّراً منها (المستثمرين والمجتمع المدني والمواطن صاحب الدخل المحدود، وغيرهم) ساهم بإنتاج أوراق مفرغة من مضمونها، لا مشروع موازنة يحاكي مكوّنات المجتمع اللبناني في سنوات الأزمة هذه.
 
14- غياب تام للموضوعية والمهنية في إعداد ومناقشة الموازنة، لأنها لا تعكس الواقع الاقتصادي في البلد، ويمكن توصيفها بأنها موازنة "ضرائبية" وتفتقد إلى الإنفاق الاستثماري.
 
وخلص المجتمعون إلى عدد من التوصيات الآتية:
اعتماد سعر صرف واحد لاحتساب إيرادات ونفقات الدولة، على أن يعكس هذا السعر الواقع الاقتصادي في البلد، من دون أن يتسبّب بعودة الاضطرابات إلى السوق الموازية.
 
- تجميد العمل في جميع الامتيازات والإعفاءات الضريبية/ والرسوم، ومراجعتها بجدّية وموضوعية، لتقييم الجدوى الاقتصادي من وجودها. وهذا يشمل استثمار الأملاك العامة من أملاك بحرية وكسّارات وغيرها.
 
- خلق بيئة داعمة ومحفّزة للإنتاج والتجارة والاستهلاك ليكون ذلك داعماً للتعافي الاقتصادي. يجب أن يكون الهدف من مشروع الموازنة العامة اليوم إبقاء عجلة الاقتصاد في دوران مستمرّ، وتحفيز النشاط الاقتصادي، ولو بحدّه الأدنى، لتمكين المؤسسات والأفراد من الصمود.
 
- في حال تعذر ضبط الحدود والحدّ من التهريب، قد يكون هناك جدوى من إلغاء الرسوم الجمركية، ولو كان ذلك ظرفياً، في مقابل رفع الضريبة على القيمة المضافة (VAT).
 
- العمل بجدية للوصول إلى برنامج مع صندوق النقد الدولي. نجاح لبنان بالوصول إلى برنامج مع صندوق النقد، بغض النظر عن المبلغ (حجم المساعدة)، سوف يعزّز من مصداقية السياسة المالية، وسيعيد للقطاع المالي التصنيف الائتماني الجيّد الذي تحلّى به لسنوات عديدة، مع ما لذلك من تداعيات إيجابية كثيرة لجهة عمل القطاع المصرفي وعلاقته بالمصارف المراسلة. لا بديل عن الإصلاحات، وأهمّها ما أدرج بالاتفاق المبدئيّ مع الصندوق على صعيد الموظفيــــن (Staff Level Agreement)، ومجيء الموازنة متوازنة لجهة الإيرادات والنفقات في أولويتها.
 
- عودة الانتظام إلى العمل في مديريات الدولة التي تقدّم خدمات للمواطنين (الدوائر العقارية، إدارة الميكانيك والسير، وغيرهما).
 
- العمل على التخفيف من الاعتماد على الأوراق النقدية لتسديد فواتير الاستهلاك والمصاريف التشغيلية للمؤسسات، والعودة إلى الشمول المالي بعد سنوات من إقفال الحسابات المصرفية قسراً، والاستبعاد المالي الذي جعل من الصّعب جدّاً الاعتماد على وسائل الدفع المتاحة من خلال القطاع المصرفي في التداول والتبادل التجاري.
 
- يجب على كلّ مكونات الاقتصاد في إعداد مشروع الموازنة العامة وإصدارها على أنها مشروع إنقاذ أو إنعاش وتعافٍ ونموّ اقتصادي، لا إجراء "رفع عتب" وإبراء ذمة دستوريّ.
 
- إصلاح الشركات المملوكة للدولة في قلب حزمة الإصلاحات العاجلة التي نشرها صندوق النقد الدولي عقب مهمته في لبنان في آذار 2023. لقد تضمن هذا الإصلاح أولاً إجراء عمليات تدقيق ماليّ وجرد لهذه الشركات، كما أوصى (صندوق النّقد الدّولي) بهيكلة ملكيّة استراتيجية جديدة مقترنة بإصلاحات «مبادئ الرقابة والإدارة». يتوجّب على الحكومة أن تنشر وثيقة سياسة ملكية متاحة للمواطنين، تحدّدُ الأساس المنطقيّ وأولويات ملكيّة الدولة لكلّ شركة تابعةٍ لها. إنّ سياسة ملكيّة الدولة في لبنان في الوقت الحالي لا تزال ضمنيّة، ممّا يعني أن الوزارات التنفيذية تضع أهدافاً على أساس كلّ حالة على حدة، وتبقى هذه السياسة قاصرة عن تزويد الشركات المملوكة للدولة والسوق والجمهور التابع لها بفهمٍ واضحٍ للأهداف والأولويات العامّة للدولة كمالك.
 
- تمكين مكونات القطاع العام لتكون لاعباً أساسياً في الاقتصاد الوطني بعد الاستبعاد الاقتصادي لسنوات الأزمة، وبالتحديد من سنة 2022.
 
واتفق المشاركون على إبقاء اجتماعات فعاليات هذه الطاولة المستديرة مفتوحة لمتابعة مناقشة موادّ مشروع الموازنة العامة للعام 2024 في اللجان النيابية وما قد ينتج عن هذا النقاش من تعديلات.
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium