حركة لافتة لمطاعم جديدة فتحت مؤخّراً، وأخرى تعتزم أن تفتح، على مستوى مناطق عديده في لبنان، من البترون إلى بيروت ومناطق أخرى، حتى في الجنوب حيث الحرب في المنطقة الحدودية، وفي ظلّ أزمة اقتصادية لم تنتهِ بعد. لا بل المفارقة أنّ الأزمة كلّما امتدّت، ازداد عدد المطاعم. نتحدث عن 30 مطعماً افتتحت في وسط بيروت فقط، في محيط منطقة ميناء الحصن والمرفأ والصيفي. وهناك مطاعم في المنطقة نفسها تتحضّر لأن تفتح تدريجياً، وهي الآن في مرحلة الورشة، لتكون جاهزة لموسم صيف 2024. وأيضاً، هناك مطاعم أخرى توسّع وجودها في السوق عبر زيادة فروعها. فهل السوق اللبنانية في حاجة فعلاً إلى هذا العدد الكبير من المطاعم؟ وما الذي يدفع المستثمر للاستثمار في ظروف غير مستقرّة؟
لبنان بلد سياحيّ ومعروف في قطاع المطاعم، والمستثمِر في لبنان يفكر دائماً باستثمار آمن، ودائماً يتّجه إلى الاستثمار في هذا القطاع لأنّه يعود عليه بالـ"كاش" اليوميّ، يشرح العضو والاستشاري في جمعية تراخيص الامتياز في لبنان، طوني نعمة، في حديثه لـ"النهار" أن "المطعم، بنظر الأشخاص الذين يحملون رأس مال ويريدون تشغيله، هو من المشاريع الأسهل، لكنّ الأمر ليس بهذه السهولة لاسيّما في سوق منافسة في قطاع المطاعم كالسوق اللبنانية. لذا، فمقابل الأعداد الكبيرة من المطاعم التي تفتح، هناك مطاعم تفتح وتقفل".
ويلفت نعمة أنّه، مؤخّراً، أي منذ حوالي سنة، تركّز توجّه المستثمرين بأعدادهم الكبيرة، إلى الشركات المطوِّرة للمطاعم، إمّا لفتح مطاعم جديدة أو لتوسيع فروع مطاعم ناجحة لتصديرها إلى الخارج، وبالتالي تمّ بيع العلامة التجارية لمطاعمهم في الخارج على شكل تراخيص امتياز. ونتحدّث هنا عن هدف أساسيّ يسعى إليه المستثمِر في قطاع المطاعم في لبنان: إطلاق نموذج لمطعمه في لبنان ومن ثمّ تصديره إلى الخارج. وبحسب نعمة، "دفعت الأزمة بشكل كبير ومركّز إلى تصدير المطاعم من لبنان إلى الخارج"، وساهمت هذه الحركة في دعم الاقتصاد المحلّيّ عبر إدخال الأموال الـ"فريش" إليه.
ويعيد نائب رئيس نقابة أصحاب المطاعم والباتيسري والمقاهي، خالد نزهة، في حديثه لـ"النهار"، عوامل الاستثمار في قطاع المطاعم إلى إيمان المستثمِر اللبناني ببلده بالدرجة الأولى رغم الأزمة الاقتصادية التي لم تنتهِ بعد.
كذلك، "اللبناني هو مَن يدعم اقتصاده حالياً بدليل الحركة الكبيرة في مواسم السياحة الصيفية وفي فترة الأعياد خلال الشتاء. فمنذ بداية الأزمة حتى اليوم، وبدعم من المغتربين، كانت مواسم السياحة "ولعانة"، لذلك إنّ قطاع المطاعم يشهد ازدهاراً رغم الأزمة"، يقول نزهة.
بالتالي، يأخذ المستثمر اللبناني هذا المؤشر الإيجابي في عين الاعتبار، مع ازدياد عدد المغتربين الذين وصلوا إلى حوالي 400 ألف في الدول العربية وحوالي 250 ألفاً في أفريقيا، عدا أصحاب الهجرة في أوروبا والدول البعيدة، فهم محرّكون أساسيون في القطاع المطعميّ، كونهم يأتون إلى لبنان باستمرار ويتحلّون بقدرة شرائية كبيرة.
وفي الأعداد، يقول نزهة أنّ في الأشهر القليلة الماضية، تمّ افتتاح 30 مطعماً في وسط بيروت فقط، في محيط منطقة ميناء الحصن والمرفأ والصيفي. وهناك مطاعم في المنطقة نفسها تتحضّر لأن تفتح تدريجياً، وهي الآن في مرحلة الورشة، لتكون جاهزة لموسم صيف 2024. أيضاً، مطاعم أخرى توسّع وجودها في السوق عبر زيادة فروعها.
ويؤكّد نزهة أنّه من خلال هذه الحركة اللافتة والقوية، استطاع قطاع المطاعم إعادة حوالي 10 آلاف مِهنيّ وذي خبرة في القطاع كانوا قد هاجروا بسبب الأزمة، وعادوا الآن إلى العمل في لبنان في هذه المطاعم الجديدة.
واستعادت واجهة بيروت البحرية زخمها لناحية الملاهي الليلية الضخمة التي تعتزم أن تفتح من جديد هناك، إلى جانب المطاعم والملاهي الليلية التي فتحت منذ فترة.
التصدير أوّلاً وأخيراً
أمّا العامل الثالث الذي يوازي في أهميته اقتصادياً العوامل السابقة، فمعرفتنا أنّ "لبنان بلد مصدِّر للمطاعم بمختلف مطابخها وأنواعها، حتى المقاهي ومحلات الوجبات السريعة وقد غزت الأسواق العربية وحتى الغربية والأفريقية منها". فمطاعم عديدة تؤسَّس مؤخراً لتُصدَّر إلى الخارج. وعن كلفة هذه الاستثمارات، يؤكّد نزهة أنّ بعضاً منها ذو كلفة ضخمة تماشياً مع العلامة التجارية المنوي ترويجها لتصديرها.
كذلك، يلفت نزهة إلى أنّ الاستثمارات في الجنوب في قطاع المطاعم واعدة فور انتهاء الحرب.
في السياق نفسه، المستثمرون القدامى في هذا القطاع يستمرّون بالاستثمار فيه، رغم جميع الظروف. وهو أحد الأسباب الأساسية لاستمرار هذه الحركة.
صاحب مشاريع عديدة في قطاع المطاعم، دونالد بطل،يقول لـ"النهار"أن "السبب الآخر الذي يدفع بالاستثمار حالياً، هو الطلب الكبير على ارتياد المطاعم والمقاهي، فعدد الزبائن لا يكفيه عدد المطاعم الموجودة". لكن حالياً، ازداد عدد المطاعم في السوق اللبنانية في الأشهر الثلاثة الماضية، ما أدّى إلى توزّع الزوار على عدد أكبر من المطاعم، فكلّ مطعم منها لا يقلّ عدد الكراسي فيه عن المئة، وهنا تحتدم المنافسة.
لكن يلفت بطل إلى أنّ عدد الزبائن في المطاعم، في الأحوال العادية، لم يعد إلى سابق عهده، فمن المؤكّد أنّنا في أزمة، بدليل أنّه، بعيداً عن موسم الأعياد، تكون حركة الزبائن ضئيلة في منتصف الأسبوع.
واعتبر بطل أنّ "بعد الأزمة أقفل حوالي 50 في المئة من المطاعم في لبنان. وبعد حوالي سنتين، عادت المطاعم لتفتح بشكل تدريجي". وفي الستة أشهر الأخيرة، يجزم بطل أنّ عدد المطاعم ازداد كثيراً.
هل السوق اللبناني قادر على استقبال المزيد من الاستثمارات في المطاعم؟ يجيب بطل أنّ "الأمر يحتاج إلى زيارات مكثّفة ومتواصلة من المغتربين إلى لبنان من جهة، وإلى عودة انفتاح لبنان على دول الخارج، من جهة أخرى".