النهار

مدوّنو الطعام... ظواهر السوشيل ميديا أحبطت المعايير
فرح نصور
المصدر: النهار
مدوّنو الطعام... ظواهر السوشيل ميديا أحبطت المعايير
أرشيفية.
A+   A-
في الوضع الطبيعي، يجب أن يكون مدوّنو الطعام عامة، خبراء في عالم المطاعم والطعام. لكن في لبنان وغيره من الدول، وبفعل ظواهر السوشيل ميديا، وجد كثيرون في تذوّق الطعام سبيلاً لمدخولٍ سهل، مطلقين على أنفسهم لقب "مدوني طعام".
وهم يحظون بوجبة مجانية أو بمقابل مالي، اعتماداً على أسلوب خاص بالتسويق، يعتمده كلّ منهم. ولطالما وقع الناس في فخ رأيهم الإيجابي دائماً بما يتذوّقون.
 
وفيما لا يندرجون ضمن أي قطاع أو مهنة أو مجال يعترف بخبرتهم، يتوه متصفِّح منصات التواصل بين مَن هو أهل بهذا اللقب ومن هو دخيل عليه.  لكن السؤال الأساسي هنا: كيف أثّر مدوّنو الطعام على قطاع المطاعم؟
 
مواقف كثيرة نسمعها عن خيبة شعر بها الزبائن بعد ارتيادهم مطعماً ما، بناءً على فيديو شاهدوه لأحد مدوّني الطعام وهو يسوّق له، إذ باتت هذه الطرق "صنارة" تصطاد الزبون.
بعد مشاهدته أحد مدوّني الطعام الشهيرين وهو يتلذّذ بسندويش شاورما على الفحم في سناك فتح حديثاً، ذهب ربيع وصديقه إلى هذا المكان ليعيش التجربة نفسها، لكنّه عاش الخيبة. "فما شاهدته بالفيديو لا يشبه ما كان في السناك أبداً"، ويضيف ربيع أنّ "ما كان بي إلّا أن غادرت المكان، فقليلاً ما نجد مدوِّن طعام يعطي رأياً سلبياً فطبق ما، وفي هذه الحال، من المؤكد أنه ليس إعلاناً مدفوعاً".
 
 
يرى رئيس مجلس إدارة شركة IFC الاستشارية في قطاع المطاعم طوني نعمة إنّ "مدوّن الطعام هو ظاهرة بدأ تأثيرها يتقلّص"، لكنّه يؤكّد أنّها أفادت المطاعم التي لا تحظى بصورة أو برواج لعلامتها التجارية، وباتت تحظى بشهرة بمساعدة المدوّنين، على عكس المطاعم الشهيرة التي لا تحتاج إلى مدوِّن طعام للتسويق لطعامها. 
 
ويقول نعمة أن "خطورة الأمر تكمن في عدم قدرة الناس على تمييز المدوِّن الخبير من الدخيل، وبينما كانت مسؤولية تسويق الطعام والمطاعم سابقاً على المعلِن، أصبحت الآن على المتصفِّح. فهناك مدوّنون يعتمدون على الكاريزما التي يتحلّون بها ويقدّمون مراجعات مغلوطة حول الطعام. وبات السيّئ والجيّد من هؤلاء الأشخاص، يُقاسون بعدد المتابعين. لذا، دخل بعض المطاعم في هذه الـ"ترند"، لكن مطاعم أخرى بقيت بعيدة عنها خوفاً من أن تشوّه صورتها".
 
وكما في حال أي منتَج، يعتبر نعمة أنّ لكلّ مؤسسة مطعمية مستوى وصورة، يختار على أساسهما الوجه الإعلاني الذي يرتقي بهما. وهناك مطاعم أخطأت وشوّهت صورتها عبر لجوئها إلى بعض المدوّنين غير الملائمين مع مبادئها.
 
 
وفي عالم الطعام، الأساس هو جودته وطعمه اللذيذ وخدمة الزبائن وسلامة الغذاء. وإذا ما قام مدوّن ما بالتسويق لمطعم ما تنقصه هذه المعايير، فسيجذب الزبون لمرة، لكن هذا الأخير لن يعاود الكرة. والمطاعم التي تلجأ إلى مدوّني الطعام للتسويق لها، ليست مطاعم فاخرة أو تحظى باسم عريق. 
 
وبرأيه، "95 في المئة من مدوّني الطعام مأجورون".
 
شهادات من مدوّني طعام
 
مروان حبيب، مدوّن طعام بعمر الخمسين، صاحب مطعم وذو خلفية مطعمية ولا سيما بعمله في الفنادق وفي سلامة الغذاء.
 
بدأ حبيب بالتدوين منذ حوالي 10 سنوات، وكان يكتب مراجعته حول الطعام "بمطوّلات" على تطبيق "زوماتو" الشهير بحسب ما يصف في حديث لـ"النهار". حظي حبيب بثقة الناس، للشفافية التي يظهرها في كتاباته عن كل جانب من جوانب الطعام الذي يختبره.
 
ويروي حبيب أنّه بدأ "كعمل متقَن وكان عدد المدوّنين آنذاك محدوداً وكنّا نجول في المطاعم لكي نغوص أكثر في القطاع دون طلب أي مقابل مالي لكن الأمور في لبنان تصبح تجارية".
 
ولا شك في أنّ "سوق المطاعم استفاد من مدوّني الطعام الذين أوصلوها إلى زبائن وسلّط الضوء عليها، وإن كان إعلاناً مدفوعاً لأنّ التسويق عبرهم أقل كلفة من وسائل الإعلام التقليدية وسريع الوصول والانتشار، ويوفر للمتصفِّح تجربة حية تشعره بواقعية ما يرى"، بحسب حبيب. وبعد الفيديوهات التي نصوّرها، تلقّى أصداءً جيدة من أصحاب المطاعم ومراجعات حول ازدياد عدد الزبائن لديهم. 
 
 
لكن في المقابل، أثّر تدوين الطعام سلباً على قطاع المطاعم بسبب مدوّني طعام مزيّفين يختبرون الطعام ويصوّرون حتى دون إعطاء رأيهم فيه، ومنهم يستخدمون الطعام ليكسبوا شهرة، وهناك أشخاص يسوّقون للمطعم عبر المقاطع المضحكة لجذب المتابعين إليهم هم لا إلى المطعم. وأحياناً يشترون المتابعين، وبذلك يغشّون الناس والمطعم ويفقدون ثقة الناس بالمدوّن الجيّد. 
 
وتنقسم المطاعم إلى فئات، أولاها أصحاب تراخيص الامتياز التي تعرف كيف تسوّق لنفسها. ومطاعم غير معروفة لكنّها استثمرت كما يجب في عملها، وهي أكثر المطاعم التي استفادت من مدوّني الطعام، وكذلك المطاعم الشعبية التي أسهم المدوّن بإيصالها إلى زبائن يصعب الوصول إليهم.
 
ويرى حبيب أن "المطعم الذي لا يتناسب مع المعايير المطلوبة لا يجب أن ينشر له أي فيديز". ولدى دخوله مطعماً ما، يتفقّد أقسامه، وإن كان ملائماً بنسبة 80 في المئة على الأقلّ، ينتقل إلى التصوير.
 
حبيب الذي يحظى بحوالي 116 ألف متابع على إنستغرام، يطلب حبيب مقابل مراجعته من أصحاب المطاعم تراخيص الامتياز مثلاً، ويدعم المطاعم التي تستأهل الدعم في المراجعة الأولى، لكن المراجعات التالية تكون مدفوعة.
 
عن سعر خدماته، يورد حبيب أنّ الأمر يختلف بحسب المطعم وحجمه ولائحة الطعام ومعدل فاتورته والمطبخ الذي يقدّمه، لكن يتراوح السعر بين 150 إلى 400 دولار لتصوير مراجعة بخاصية الريل على إنستغرام مع الستوريز، ويُنشر الفيديو أيضاً على تيك توك.
 
وعن أسعار هذه الخدمات في "سوق البلوغرز" يقول حبيب إنّ "هذه الأسعار تُضرب بأربعة لدى البعض ويصل أحياناً سعر الريل الواحد إلى 5000 دولار". 
 
 
أمّا دعاء طبّوش، فقادها حبّها للطعام لأن تصبح مدوِّنة طعام تحظى بحوالي 148 ألف متابع على إنستغرام. تروي لـ"النهار" أنّها في عام 2018، أطلقت مجموعة على فايسبوك لتتشارك ومحبّي الطعام التجارب في المطاعم التي يرتادونها.
 
أصبحت هذه المجموعة أشبه بدليل صغير لعناوين المطاعم. من هنا، "بدأت المطاعم تتواصل معي لكوني مؤسِّسة المجموعة لأقوم بإعلانات لها، وحينها لم أكن أعلم بمجال التدوين أبداً ولم يكن هدفي أساساً أن أكون مدوّنة طعام". 
 
على مدى سنة، راكمت طبوش عدداً كبيراً من المتابعين على صفحتها على إنستغرام، وكانت تتذوّق الطعام للمطاعم دون أي مقابل.
 
وترى طبوش أنّ "تعاون المطعم مع مدوِّن الطعام صار أمراً أساسياً لأنّه يوفّر عليه تكلفة الإعلانات الضخمة، ومهما كان سعر المدوّن مرتفعاً، فسيكون الأوفر مقارنة بالوسائل الإعلانية التقليدية".
 
وتتقاضى طبوش مقابل الفيديو ما بين 100 إلى 900 دولار بناءً على نوع المطعم الذي تسوّق له.
 
 
 

اقرأ في النهار Premium