تروج فكرة الاستثمار بالحقائب على أنّها أذكى من الاستثمار بالذهب، بالتزامن مع تحليق أسعار الذهب عالمياً، المعدن الذي لطالما كان ملاذاً آمناً على مر العصور.
يُعدّ امتلاك إحدى حقائب "بيركين" من العلامة التجارية الشهيرة "هيرميس"، استثماراً أفضل من الذهب لكثيرين اليوم، إذ يمكن لهذه الحقائب أن تتضاعف قيمتها خلال 5 سنوات، وفق ما يشرح أحد خبراء العلامة. فمنذ لحظة مغادرتها متجر "هيرميس"، ترتفع قيمة الحقيبة ارتفاعاً كبيراً.
ويعود ذلك جزئياً إلى أنّه لا يمكن لأي شخص عادي شراء الحقيبة، إذ فقط العملاء الذين لديهم تاريخ شراء كبير لدى العلامة التجارية، تُتاح لهم فرصة شراء الـ"quota bags"، مثل طرازي "بيركين" أو "كيلي".
وضمن مجموعة عملاء العلامة، حتى المتسوّقون الأكثر ولاءً لها، لا يمكنهم اختيار طراز "بيركين" الذي يريدونه. إذ تسمح العلامة التجارية للمحالّ بشراء عدد محدود من حقائب "بيركين" لكل موسم، ونادراً ما يُعرف نمط الحقائب مسبقاً.
وولّدت "لعبة هيرميس" الغريبة في شراء الحقيبة هذه، المزيد من الرغبة لدى السيدات في اقتناء الحقيبة، حتى إنها أصبحت موضوع دعوى قضائية جماعية، إذ زعم اثنان من المدّعين في كاليفورنيا أنّ "هيرميس" تستخدم "ممارسات تجارية غير عادلة"، بما في ذلك مطالبة العملاء بشراء "منتجات إضافية" أخرى، مثل "الأحذية والأوشحة والأحزمة والمجوهرات والسلع المنزلية، قبل أن تتاح للزبون الفرصة لشراء حقيبة اليد المرغوبة وغير المتوفرة دائماً، وعندما تُعرض "بيركين" على "العملاء الذين يُعتبرون جديرين" في غرفة خاصة لا أمام العامة، بحسب الدعوى.
وكتب المحامون في ملفهم أنّ "الرغبة الفريدة والطلب المذهل والعرض المنخفض لحقائب يد "بيركين" تمنح المدعى عليهم قوة سوقية لا تصدَّق".
لماذا تحظى "بيركين" بهذا السعر الخيالي؟
سعياً إلى تجنّب "اللعبة" والحصول على الحقيبة التي ترغب فيها النساء، ينفق عشاق حقائب اليد عشرات الآلاف من الدولارات في سوق الحقائب المستعملة. فبفضل تفرّدها ومكانتها كقطعة استثمارية، فإنّ قيمة حقيبة "بيركين" هي أعلى بكثير من سعرها الملصق عليها والذي يبلغ نحو 12000 دولار.
يمكن تفسير العامل الأكثر أهمية في ارتفاع قيمتها، بمبدأ الندرة. فقد أدت اقتصاديات العرض والطلب إلى ارتفاع أسعار "بيركين" على مدار العشرين عاماً الماضية. في بعض الحالات، يمكن بيع "بيركين" بأضعاف سعر التجزئة الأصلي.
وقيمة حقيبة "هيرميس" يمكن أن تزيد بنسبة كبيرة بمرور الوقت، اعتماداً على لونها والخامة المصنوعة منها، وحالتها وحجمها وخامتها وحالتها، ويمكن أن تراوح تكلفتها لدى أحد متاجر "هيرميس" بين 9000 و30 ألف دولار.
الطلب على السلع المستعمَلة مرتفع للغاية، ويرجع ذلك إلى أنّ هذا السوق يقدّم للمتسوّقين خيارات أكثر من متجر "هيرميس" الذي يسمح للعملاء بحقيبة واحدة سنوياً، ونادراً ما يتمكنون من اختيار الطراز الذي يريدونه.
وفي السنوات القليلة الماضية، زاد الطلب على حقيبة "بيركين 25" الأصغر حجماً، لذا فإن هذا الحجم أغلى عموماً من "بيركين 30" أو "بيركين 35" أو "بيركين 40".
وبحسب موقع المزادات Sotheby’s، الحقائب التي لم تُحمل، دائماً ما يكون وجود صندوقها الأصلي والبلاستيك الموجود على الأكسسوارات، أغلى من الحقيبة نفسها التي حُملت. وحقيبة "بيركين" التي تظهر علامات تآكل واضحة مثل خدش الأجزاء المعدنية أو علامات على الزوايا، تكون عادةً أقل تكلفة بنسبة 30 في المئة من الحقيبة السليمة.
وتُعدّ الخامة أيضاً محركاً كبيراً في سعر حقيبة "بيركين". ففيما الجلود الحقيقية عموماً أرخص من جلد النعام أو السحلية أو التمساح، هناك استثناءات لهذه القاعدة. فيمكن أن يكون سعر طراز Birkin 40 أو Birkin 35 القديم الذي يزيد عمره عن 10 سنوات والذي يحمل علامات التآكل، أقل من سعر Birkin 25 جديد مصنوع من جلد توغو وبلون مطلوب.
ويُعدّ اللون عاملاً مهماً آخر في السعر، بحيث تكون الحقائب المرغوبة أكثر، هي الألوان المحايدة أو الفاتحة. وأسعار حقائب "بيركين" ذات الألوان الزاهية، هي أقل من الحقائب ذات الألوان المحايدة.
أمّا العامل الأقلّ أهمّية في السعر، فهو الأكسسوارات، نظراً لأنّها غالباً ما تكون تفضيلاً شخصياً للزبون مقابل محرّك القيمة.
وبحسب ما أخبر جيمس فايرستاين، مؤسِّس منصة OpenLuxury لمجلة Fortune ، "لقد تجاوزت قيمة إعادة البيع لحقائب "بيركين" و"كيلي" على وجه الخصوص، الذهب على مدى السنوات العشر الماضية". فقبل أن ينشئ شركته الخاصة في عام 2022، أمضى فايرستاين عقداً من الزمن كموثِّق لمنتجات العلامات التجارية الفاخرة. وعلى مدار حياته المهنية، شهد "عاصفة كاملة" من العوامل التي عزّزت رحلة "بيركين" الجامحة نحو الأعلى، ويؤكّد: "أعرف حالات عدة ضاعف فيها الناس أموالهم بناءً على شرائها قبل 10 سنوات، وإعادة بيعها اليوم وهي في حالة جيّدة".
وعلى ما يورد موقع Sotheby’s الشهير للمزادات، يعود سعر الحقيبة المرتفع في الغالب إلى مبدأ الندرة، إذ بيعت Himalaya Birkin 30 مرصعة بالألماس مقابل 450 ألف دولار، نفس الطراز بدون ألماس يُباع بسعر يتراوح بين 100 ألف إلى 250 ألف دولار.
وأنماط الحقائب الأكثر شيوعاً التي تكون في حالة جديدة، تراوح عموماً بين 25 ألف دولار و30 ألف دولار.
وهناك "بيركين 40" أو "بيركين 35" الجلدية القديمة في حالة ممتازة مع بعض علامات التآكل، تباع بمبلغ يراوح بين 10000 إلى 15000 دولار. وتراوح تكلفة "بيركين 25" الجلدية في حالتها الأصلية أو الجديدة من المتجر عموماً، من 25000 دولار إلى 35000 دولار. وتكلفة "بيركين 30" الجلدية في الحالة نفسها عموماً أقلّ قليلاً في حدود 20000 إلى 30000 دولار.
"مثل بيكاسو"
في عام 2020 وحده، وبينما توقف سوق السلع الفاخرة خلال أزمة كوفيد-19، شهدت حقائب "بيركين" عوائد مذهلة بنسبة 38 في المئة، وفقاً لتقرير صادر عن Credit Suisse وDeloitte، مقابل زيادة 25 في المئة للذهب.
بالنسبة إالى بعض المشترين، حقيبة "بيركين" ليست منتَجاً راقياً، بل هي استثمار مُستحَقّ. فمن بين مالكي "بيركين" الذين عمل معهم، يقدّر فايرستين أنّ 75 في المئة منهم يستخدمون الحقائب فعلياً، فيما الـ25 في المئة الباقون، يحتفظون بها في المخزن كاستثمارات. وشبّه الأمر بشراء لوحة بيكاسو والاحتفاظ بها في المنزل، والاستمتاع بها، وبيعها في غضون عامين.
وأكّد الخبير أنّ أكبر زيادة شهدها في أسعار حقائب "هيرميس" كانت Black Togo 30 Birkin التي تضاعفت قيمتها خلال خمس سنوات.
ومع ذلك، حذّر فايرستاين مالكي "بيركين" الطموحين، إذ إنّ زيادة أسعاد الحقيبة قد تعود أحياناً إلى "دورات الاتجاه وتغيّر الطلب، ويمكن أن يكون الأمر مقامرة".
كيف أصبحت حقيبة "بيركين" أسطورة؟
في عام 1984، كانت الممثلة الراحلة جين بيركين تجلس إلى جوار جان لويس دوماس، الرئيس التنفيذي لشركة هيرميس في ذلك الوقت، على متن رحلة جوية من باريس إلى لندن. وقالت له بيركين إنها لم تتمكن من العثور على حقيبة تناسب احتياجاتها كأم شابة، لذلك رسمت تصميم أحلامها على إحدى الحقائب، وفق شبكة CNN. وزوّد دوماس الحقيبة بعناصر الفروسية، ما منحها مظهر "هيرميس" المتميز.
ووصلت حقيبة "بيركين" ببطء إلى مكانتها بعدما حملتها شهيرات في التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وفي برنامج Sex and the City، حتى عام 2010، عندما وصل سوق المستعمَل عبر الإنترنت إلى الجماهير، وارتفعت بذلك أسهم الحقيبة.
وينسب فايرستاين الفضل في ذلك إلى التجارة الإلكترونية، في تمكين المتسوّقين من شراء حقيبة "هيرميس" مستعمَلة من أي مكان من العالم. وفي الوقت نفسه، سمحت المنتديات عبر الإنترنت للناس بمشاركة أسرار "لعبة هيرميس"، وأصبحت "بيركين" قطعة ثمينة لهواة الجمع مع مرور الوقت.
قد يرغب بعض الأشخاص في الحصول على حقائب بيركين لأن من الصعب جداً الحصول عليها، لكن المعجبين يحتفلون أيضاً بالتصنيع الحرفي للعلامة التجارية وإرثها الممتد على مدار 200 عام من الحرفية.
على عكس العلامات التجارية المملوكة لشركة LVMH وKering، والتي غالباً ما تتشارك في المصانع، تستخدم هيرميس مصانعها الخاصة فقط، كما يقول فايرستاين. وبالمقارنة مع هذه العلامات، فإنّ جودة "هيرميس" هي "من الدرجة الأولى".
ويجزم فايرستين بأنّ حقائب "هيرميس صُنعت لتدوم لأجيال. إنها مجرد أشياء فاخرة جميلة في نهاية المطاف، مثل المنحوتات تقريباً".