النهار

إجراءات تخرج لبنان من اقتصاد "الكاش" وتسترد الثقة بمكانته العالمية
رولى راشد
المصدر: "النهار"
إجراءات تخرج لبنان من اقتصاد "الكاش" وتسترد الثقة بمكانته العالمية
الدولار.
A+   A-
رغم محاولات القطاع الخاص اللبناني للنهوض بالاقتصاد وضخّ الحياة في المرافق التجارية والسياحية وسط طبول الحرب الصاخبة والتهديدات غير المطمئنة، تعيش البلاد تحت ضغوطات دولية، مفهومها عزل لبنان عن النظام المالي العالمي، بفعل تزايد مخاطر الأنشطة غير المشروعة المنفذّة والآخذة بالإنفلاش السريع، وتركه يتخبّط مع مصيره المجهول، بعد رفده بالعدد الأكبر من النازحين السوريين في العالم وإرغامه على استيعابهم بشتى الظروف.
 
ولا يمكن في هذا السياق تجاهل التلويح المتصاعد الذي سمعته أكثر من جهة سياسية ونيابية، خصوصاً ما نُقل عن مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة الإرهاب والجرائم المالية جيسي بيكر حول ضرورة كبح "اقتصاد الكاش" تحت طائلة وضعه على اللائحة الرمادية.
 
كما تكثفّت التحذيرات من إهمال لبنان لتنفيذ المطلوب تفادياً من دخوله اللائحة بفعل إعتماده على اقتصاد يغرّد خارج رقابة وضوابط مصرف لبنان، والذي بات يمثّل اليوم 46% من الناتج المحلّي الإجمالي بحسب تقديرات البنك الدولي.
 
لاشكّ أن تكبير حجم الاقتصاد غير المنظّم، مرتبط بأزمة السيولة التي يمرّ بها القطاع المصرفي، والتي حرمته الثقة بنظامه.
 
وهنا، لابد من الإشارة إلى ما تم ربطه بين تأخّر إعادة هيكلة القطاع المصرفي وتوسّع اقتصاد النقد الورقي. والبعض ربط بين الإبقاء على مصارف "الزومبي" كما يحلو له تسميتها وعزلة لبنان المالية.
 
لبنان اليوم مجدداً تحت مجهر مجموعة العمل المالي (FATF)، وكلمتها التي ستغيّر المشهد الاقتصادي والمالي، فضلاً عن اهتزاز مكانة لبنان الدولية، بعد احتمال وضعه في خانة الدول المساعدة على تبييض الأموال.
 
هل صحيح أن الاعتماد على "الكاش" النقدي، وغياب الإصلاحات ومن بينها إعادة هيكلة المصارف، فيما يتم الإكتفاء بتغيير بعض المدراء في بعض المصارف هي العوامل المسؤولة عن تصنيف عزل البلاد؟
 
راشد
برأي رئيس الجمعية اللبنانية الاقتصادية الدكتور منير راشد "أن التصنيف الرمادي ليس بعيداً. وأحد الأسباب الرئيسية (وليس الوحيد) هو الاعتماد المكثّف على استعمال "الكاش" في معظم المعاملات الإقتصادية، حيث يقدّر إستخدام النقد بما يفوق الـ 70%، خصوصاً بعد الامتناع عن التعامل بشيكات اللولار. فالنقد المتداول بالعملات الأجنبية يوازي أكثر من 10 مليارات دولار مع الأخذ بالاعتبار سرعة التبادل بالنقد. وهذا يؤكد الارتفاع السريع لوتيرة اللجوء إلى المعاملات النقدية.
 
تعتبر السيولة والتداولات النقدية أحد أهم المؤشرات للمتاجرة بالسلع الممنوعة؛ ومنها الأسلحة والمخدرات، إلى جانب عمليات التهريب وتمويل الإرهاب وتبييض الأموال. وللأسف يدعم هذا الاعتقاد ضعف القضاء وعدم السيطرة على كل عمليات التهريب للسلع والبشر معاً.
فالانتقال إلى المرحلة الرمادية سيفضي إلى توقّف المعاملات المصرفية في الخارج مع المصارف المراسلة، ما سيؤدي الى ارتفاع تكلفتها فضلاً عن توّقف العديد منها حسب تصنيف مجموعة العمل المالي(FATF)".
 
إجراءات " المركزي" استباقية أم متأخرّة
ربما حاول مصرف لبنان استباق المخاطر بما أتيح له من صلاحيات عبر تعاميم دعا فيها المصارف والمؤسسات المالية إلى اعتماد كافة التسهيلات لتأمين خدمات الدفع الإلكتروني، ولا سيما تلك المتعلقة ببطاقات الدفع بأقل كلفة ممكنة، كما تم إطلاق نظام الدفع الحكومي، الذي يتيح للوزارات وفي مقدمتها وزارة المال والمؤسسات العامة، إجراء مدفوعاتها إلكترونياً عبر حساباتها في مصرف لبنان بشكل آمن وسريع وغيرها... ولكن هل هذا كاف؟ وهل يقوم "المركزي" بدوره الفعلي؟ وهل التعاميم الأخيرة التي أصدرها مفيدة؟
 
يقول راشد لـ"النهار" :"دور مصرف لبنان هام في العودة إلى الاقتصاد الرقمي من خلال المصارف، ومن خلال إعادة الثقة بهذا القطاع، وذلك عن طريق التحرير الكامل لسعر الصرف وإنهاء بدعة اللولار، وتوسيع استعمال بطاقات الإئتمان والشيكات وتوفير السيولة في المصارف من الاحتياطي الإلزامي.
إن كل من التعميمين 158 و166 لايدعمان الثقة، وإنما يساهمان في السيطرة على الودائع، ما يعني تشجيع استعمال "الكاش" النقدي".
ولكن أليس الاعتماد على هذا النوع من الاقتصاد هو النتيجة الحتمية لغياب الثقة الكاملة بالقطاع المصرفي؟
يؤكد هنا راشد "على نتيجة غياب الثقة وعدم تنفيذ الإصلاحات الصحيحة والمطلوبة، إذ إن كل الخطط المطروحة من قبل كل من صندوق النقد الدولي والحكومة ومعظم المصارف تهدف إلى شطب الودائع وتصبّ جميعها في خانة ضرب الثقة بالقطاع المصرفي.
فالحلول المطروحة تضرّ بالاقتصاد الشرعي وتحفّز على الاعتماد أكثر فأكثر على اقتصاد "الكاش"".
 
كيف يمكن الخروج من اقتصاد "الكاش "ورد الثقة إلى القطاع المصرفي وخدماته؟ وهل المصارف اللبنانية تقوم بأي إجراءات مساعدة على ذلك؟
 
مواكبة لتحريك ملفي مشروع قانون إعادة هيكلة المصارف وإعادة الانتظام المالي الذين ما زالا في أيدي السلطة التنفيذية، سلكت جمعية المصارف مسار المواجهة مع الدولة التي تتمسّك بشطب ديونها لدى مصرف لبنان والمصارف وتقدمت بمذكرة ربط نزاع لدى مجلس شورى الدولة.
وفي 13 شباط الفائت، أبطل مجلس شورى الدولة قرار مجلس الوزراء، الذي وافق على استراتيجية النهوض بالقطاع المالي، في شقها المتعلّق بإلغاء جزءٍ كبير من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف، وذلك بناء على المراجعة التي كانت تقدّمت بها جمعية المصارف.
خبير مالي يرى في خطوة المصارف "مسعى لتحميل الدولة المسؤولية الكاملة عن الودائع المصرفية وإلزامها، عن طريق أصولها، بتحمّل المسؤولية عن ردّ الودائع وتبرئة القطاع المصرفي من أية مسؤولية وأي مساءلة بطريقة تحول دون مطالبة المودع بأمواله. وبذلك تصبح الودائع على عاتق الدولة التي يترتّب عليها أن تعيد الأموال، مع تجاوز القانون الذي يؤمن قدسية الودائع ومسؤولية الدولة وإدارة اصولها لإعادة تسديد الودائع، وهنا لن تكون هناك أي حاجة لإعادة هيكلة المصارف".
 
أما راشد فيلفت إلى أنه "للخروج من الدائرة المقلقة من اقتصاد الكاش واستعادة الثقة المفقودة يجب:
- السير بسرعة في عملية التحرير الكامل لسعر الصرف وليس بتثبيته.
- العمل على حماية كل الودائع والإقلاع عن بثّ الطروحات التي تتبنى أن الحلّ يتمثّل بشطب الودائع .
- تحقيق توازن مالي حقيقي في المالية العامة وفائض أولي.
- تأمين السيولة للمصارف بإلغاء أو تخفيض قيمة الاحتياطي الإلزامي إلى ما لا يزيد عن 1-2%.
- إعادة جدولة جميع الودائع والديون المترتبّة على مصرف لبنان والدولة.
- إصلاح مؤسسات القطاع العام التي تكبّد الدولة الخسائر .
وفي ما يتعلق بالمصارف اللبنانية، للأسف فهي لم تقم بأي اجراءات لإصلاح الوضع، ولكنها ساهمت بالتعثّر، وخصوصاً عندما طبقّت عملية تسديد الديون على سعر 1500 ليرة لبنانية للدولار، فضلاً عن مخالفة قانون النقد والتسليف وبعدم احترام حقوق المودع".
باختصار، لايمكن إبعاد كل هذه المخاطر عن لبنان واستعادة الثقة المحلية والدولية بالقطاع المصرفي الذي شهد تحوّلات جذرية منذ العام 2019 دون معالجة الفجوة المالية بأسلوب سليم ومُحقّ وعادل.

اقرأ في النهار Premium