باولا عطية
قد لا نبالغ إذا وصفنا الغاز الطبيعي المُسال LNG بـ"وقود المستقبل"، لما له من أهمية اقتصادية، كمصدر للطاقة وصديق للبيئة، أًصبح يغذّي اليوم النمو الاقتصادي في أجزاء كثيرة من العالم. حيث دخل الغاز الطبيعي سوق الطاقة العالمي، من بابه العريض، لتأخذ صناعته في الازدياد، وهي بداية لربط الأسواق الإقليمية في آسيا وأوروبا وأميركا الشمالية من خلال خيارات عرض متعددة، نظراً لمرونته السوقية وقدرتها على تحسين أمن الإمدادات في جميع أنحاء العالم من جهة، ومن جهة أخرى يُعتبر الغاز الطبيعي أقلّ تلويثًا للبيئة، إذا ما قارنّاه مع مصادر الطاقة التقليدية، وهو ما يخدم الدول، في خطتها لمكافحة التغيير المناخي، وصولاً إلى صفر انبعاثات.
وإلى ذلك، تشير التوقّعات، إلى وصول الطلب على الغاز المُسال، إلى أكثر من الضعف، ليبلغ نحو 480 مليون طن سنويًا (MTA) على مدار العشرين سنة القادمة.
أميركا تتربّع على عرش قائمة أكبر الدول المصدّرة للغاز
وبحسب وحدة أبحاث منصة الطاقة المتخصصة، تربعت الولايات المتحدة على عرش قائمة أكبر الدول المصدرة للغاز المُسال في الربع الأول من العام 2024، بفضل الأداء الشهري القوي للصادرات الأميركية على مدار الأشهر الـ3 الأولى، محقّقة 22.6 مليون طنّ، مع تفوّق بفارق واضح على كلّ من أستراليا وقطر، اللتين حققتا على التوالي، 21.1 مليون طن، و20.8 مليون طن، صادرات في الربع الأول من 2024.
مميّزات الغاز الطبيعيّ المُسال
وفي حديثها لموقع "النهار العربيّ" تشرح، ديانا قيسي، عضو الهيئة الاستشارية للمبادرة اللبنانية للنفط والغاز LOGI، أن "الغاز الطبيعي المسال هو غاز طبيعي يتكوّن بأغلبيته من الميثان، مُسيّل بتقنيات معيّنة، لتسهيل نقله إلى أماكن لا يمكن أن تصل إليها خطوط الإمدادات، لتخزينه. وتكمن أهميته الاقتصادية بأنّه يساعد في تشغيل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم، كما تستخدمه الدول وعلى رأسها دول الاتحاد الأوروبي، في تنويع مصادر طاقتها".
وتكلفة الغاز الطبيعي أقلّ من تكلفة الكهرباء بما نسبته 68 في المئة، حيث يستخدم في العديد من الأمور المنزلية سواء أكان ذلك في مجال التدفئة أم في مجال الطهي، ويستخدم في مجال تبريد المنازل، ويدخل في الاستخدامات التجارية وهو لا يختلف كثيراً عن الاستخدامات السكنية، فكلاهما يُستخدم للطهي والتدفئة. ومع تقدم التكنولوجيا أصبح الغاز الطبيعي يُستخدم لزيادة جودة الطاقة في البيئات التجارية، وذلك لحاجتها الكبيرة إلى الكهرباء، حيث تُستخدم المحركات التردّدية التي تعمل بالتوربينات، والغاز الطبيعيّ، وخلايا الوقود وذلك لتوليد الطاقة، فالطاقة المنتجة تتميز بفعاليتها العالية.
وعلى الرغم من أنّ اقتصاد العالم لا يزال يعتمد في أغلبيّته على الوقود الأحفوري، من نفط وغاز، ولا مؤشرات تؤكّد إمكان تخلّي الاقتصاد العالمي بشكل مطلق عن الوقود الأحفوري، إلّا أننا اليوم في مرحلة انتقالية، تستوجب تعدّد مصادر الطاقة، للتمكّن من ضمان أمن طاقويّ، خصوصاً في الأزمات، حيث أنّ الاتحاد الأوروبي عانى من أزمة شحّ في الطاقة نتيجة آثار الحرب الروسية الأوكرانية، بعد أن كان يعتمد بنسبة 40 في المئة على مصادر الطاقة الروسية.
وهو ما أكّدته قيسي، مشيرة إلى أنّ "هناك تحديات عديدة تعيق عملية الإمدادات من إلى بلد معيّن، كالتحدّيات الجغرافية، والسياسية، والأمنية، كما أنّ خطوط الإمدادات قد تتعرّض لأعطال وأعمال تخريبية، بينما الغاز المُسال يمكن نقله، وشحنه، وتخزينه، بطرق عدّة، تسمح له بالتغلّب على معوّقات مصادر الطاقة التقليدية. بدليل، أنّ الاتحاد الأوروبي، قام بتوسيع مخازن الغاز المُسال، لضمان عدم الوقوع بأزمة شحّ طاقة في عامي 2022 و2023. كما استثمر الاتحاد الأوروبي بـ 285 مليار دولار، للبحث في تطوير وتخزين واستخدام الطاقات المتجددة، لضمان نموّ اقتصاديّ".
ويبقى الغاز المُسال، أقلّ تلوّثاً، من الوقود الأحفوري، بحسب قيسي، حيث أنّ "نسبة انبعاثاته عند الحرق، أقلّ بكثير من مصادر الطاقة التقليدية. ومع التزام عدد كبير من الدول، على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغيّر المناخي، سنشهد طلباً أكبر على الغاز الطبيعي المُسال، خصوصا أنّ الطاقة التي ينتجها توازي طاقة الوقود الأحفوري وغيره من مصادر الطاقة".
ففي عام 1992، ومن خلال "قمة الأرض"، أنتجت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ كخطوة أولى في التصدّي لمشكلة تغيّر المناخ. واليوم تتمتع هذه الاتفاقية بعضوية شبه عالمية، وصدّقت 197 دولة على الاتفاقية وهي طرفاً فيها.
الدول الأكثر تصديراً واستيراداً للغاز المُسال
ولكن هذا لا يعني أنّ الغاز الطبيعي سيستبدل مصادر الطاقة التقليدية بشكل كامل"، تضيف قيسي، "بسبب كميات الإنتاج المحدودة، حيث أن قطر والتي تعتبر من البلدان الأكبر المصدّرة للغاز المُسال، لا تستطيع سدّ حاجات جميع الأسواق من الغاز الطبيعي المُسال".
وتُعدّ قطر دولة رائدة في مجال إنتاج الغاز الطبيعي المُسال ولاعباً أساسياً في سوق الطاقة العالمية، حيث إنّها تملك أكبر طاقة إنتاجية في هذا المجال. وقد صدَّرت أكثر من 84 في المئة من إنتاجها من الغاز الطبيعيّ خلال عام 2013 على شكل غاز مُسال.
وتمتلك قطر ثالث أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي في العالم (حوالي 24.7 تريليون متر مكعب)، وهو ما يمثل نحو 13.3 في المئة من احتياطيات الغاز العالمية المؤكّدة في عام 2013.
ولفتت قيسي، إلى أنّ "أكبر مصدر للغاز الطبيعي المُسال في العالم، هي الولايات المتحدة الأميركية، التي صدّرت في حدود الـ12 مليار قدم مكعب، يومياً في العام 2023، وكانت أكبر مصدّر لأوروبا، وهنا يمكن استنتاج كيف استفادت أميركا من الصراع الروسي الأوكراني/الأوروبي".
أمّا أكبر بلد مستورد للغاز الطبيعي المُسال، تضيف قيسي، فهي الصين، (ثاني أكبر اقتصاد في العالم) "والتي رفعت نسبة استيرادها إلى الـ14 في المئة في العام 2023، بحدود الـ 12 مليار قدم مكعب في اليوم. وهو ما يفسّر سبب نموّ الاقتصاد الكبير في الصين".
وكانت قد حددت الصين هدفها لنمو اقتصادي بمستوى 5 في المئة للعام 2024، في رقم طموح أقرّ المسؤولون بأنّ تحقيقه "لن يكون سهلاً"، في ظلّ سيطرة أزمة التضخّم على العالم.
أهمّ صفقات الغاز الطبيعيّ المُسال في الربع الأوّل من العام 2024
وفي الإطار نفسه، شهد الربع الأوّل من العام 2024، صفقات ضخمة في مجال الغاز الطبيعي المُسال وجاء على رأسها توقيع قطر للطاقة عقدا لبناء 18 ناقلة غاز طبيعي مُسال متطورة من فئة "كيو سي-ماكس" مع مؤسسة الصين الحكومية لبناء السفن، في إضافة لبرنامجها لتوسيع أسطولها من ناقلات الغاز المُسال، و"ضمن مساعي الصين، لتوسيع حجم تجارة الغاز الطبيعيّ المُسال مع قطر"، بحسب ما صرّح به مدير إدارة الطاقة الوطنية الصينية، جانغ جيانهوا.
الصين وقطر
وسيتمّ بناء السفن الجديدة، التي يبلغ حجم كلّ منها 271 ألف متر مكعب/ وتتميز بأحدث الابتكارات التكنولوجية والأداء البيئي، في حوض "هودونغ جونغوا" لبناء السفن في الصين، وهي شركة مملوكة بالكامل لمؤسسة الصين الحكومية لبناء السفن المحدود،. وفق بيان لشركة قطر للطاقة. فيما أوضح وزير الطاقة القطري، سعد الكعبي، أنّ "12 ناقلة غاز طبيعي مُسال من الحجم التقليدي هي حالياً قيد البناء في حوض "هودونغ- جونغوا"، وتوقّع أن يتمّ تسليم أولى هذه الناقلات في حلول الربع الثالث من العام الجاري".
تركيا وأميركا
كما، أطلقت تركيا، محادثاتها، مع شركة "إكسون موبيل" الأميركية للطاقة في شأن صفقة لشراء الغاز الطبيعي المُسال من الشركة تقدّر بمليارات الدولارات. وقال وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار، إنّ "أنقرة تسعى إلى بناء محفظة إمدادات جديدة تجعلها أقلّ اعتماداً على أيّ شريك منفرد. والصفقة قيد البحث مع إكسون وستؤمّن لتركيا الحصول على ما يصل إلى 2.5 مليون طنّ من الغاز الطبيعي المُسال سنوياً لفترة طويلة، حيث أنّ الاتفاق يمكن أن يستمرّ لعشرة أعوام، بحسب ما ذكرت صحفية "فاينانشال تايمز".
السعوديّة وسنغافورة
كما تتنافس شركتا "شل" و"أرامكو"، على شراء أصول شركة "بافيليون إنرجي" لتجارة الغاز الطبيعي المُسال المملوكة لشركة "تماسيك" في سنغافورة، للتركيز على الاستثمارات المرتبطة بالغاز الطبيعي المُسال، والتي قد تجلب أكثر من ملياري دولار.
وتعتقد "أرامكو" أنّ الصفقة ستجعلها لاعباًُ عالمياً في قطاع الغاز الطبيعي المُسال. فيما تسرع "أرامكو" عملياتها للتنقيب عن الغاز، وتستهدف زيادة الإنتاج بأكثر من 60 في المئة من مستويات 2021 في حلول عام 2030، وفق "رويترز".
وتتطلع أرامكو أيضاً للاستثمار في مشروعات الغاز الطبيعي المُسال في الخارج، بعد شرائها حصّة أقلية العام الماضي في شركة ميدأوشن إنرجي مقابل 500 مليون دولار.
توقّعات بارتفاع حجم الاستثمارات في قطاع الغاز الطبيعيّ المُسال
على مقلب آخر، ارتفع حجم الاستثمارات في قطاع الغاز الطبيعي المُسال، من الـ2019 إلى 2023، في حدود الـ236 مليار دولار، بمشاريع كاملة، وستضاف إلى هذه الاستثمارات 55 مليار دولار إضافية بين العامين 2024 و2025، وذلك بحسب تقرير أصدرته "بلومبرغ" وهو ما يؤكّد الجهود الدولية المكثفة في الانتقال الطاقويّ.
وفي سياق متّصل، تواصل كثير من دول العالم استيراد الغاز المُسال، لمواجهة أزمة الطاقة التي ضربت العالم على مدار العامين الماضيين، منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، لا سيّما مع دخول فصل الصيف، الذي من المتوقّع أن يشهد زيادة كبيرة في الأحمال. حيث صرّح، نائب الرئيس الأول للاستكشاف والإنتاج لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، في شركة "توتال إنرجيز"، توماس موريس، بأنّ الطلب العالمي على الغاز الطبيعي المُسال سينمو في عام 2024، مع عودة الصين (أكبر مشترٍ) إلى السوق، وارتفاع الاستهلاك في أوروبا.
في المحصّلة، وعلى الرغم من الزخم الكبير الذي يلقاه قطاع الغاز الطبيعي المُسال حول العالم، إلاّ أنّه من المبكر الحديث عن امكانية أن يستبدل الغاز الطبيعي المُسال، أو مصادر الطاقة الجديدة، الوقود الأحفوري ومصادر الطاقة التقليدية، قبل 50 عاماً على الأقلّ، وهو ما يؤكّده عدد من خبراء الطاقة ومنهم قبيسي.