النهار

استخدام الغرب أرباح أصول "المركزي الروسي" المجمّدة لتسليح أوكرانيا... تقويض الثقة بالأنظمة المالية
المصدر: "النهار"
استخدام الغرب أرباح أصول "المركزي الروسي" المجمّدة لتسليح أوكرانيا... تقويض الثقة بالأنظمة المالية
تعبيرية (تصميم ديما قصاص).
A+   A-
باولا عطية
 
في تحدٍّ واضح لروسيا، وافق الاتحاد الأوروبي رسمياً على استخدام أرباح أصول البنك المركزي الروسي المجمّدة لتسليح أوكرانيا، على الرغم من المعارضة السابقة لرئيسة البنك المركزي الأوروبي ورؤساء العديد من الحكومات الأوروبية لهذا الطرح، فيما تضغط الولايات المتحدة لخطة أكثر طموحاً، حيث كان مجلس النوّاب الأميركي قد أقرّ في شهر نيسان (أبريل) الماضي، مشروع قانون يتضمّن بنداً لمصادرة الأصول الروسية لصالح أوكرانيا.
 
وبموجب الخطة، تُوجَّه 90 في المئة من عوائد الأصول إلى صندوق يديره الاتحاد الأوروبي لتقديم المساعدة العسكرية لأوكرانيا في مواجهة روسيا، بينما تذهب العشرة في المئة الباقية لدعم كييف بطرق أخرى. ويتوقع الاتحاد الأوروبي أن تحقق الأصول أرباحاً تراوح بين 15 و20 مليار يورو بحلول 2027.
 
وفي هذا الإطار، لفت الخبير الاقتصادي، علي متولي، إلى أنّ "مفهوم الحصانة السيادية، هو مبدأ رئيسي وأساسي في القانون الدولي، ويحمي عموماً أصول الدولة من الاستيلاء عليها، من كيانات أجنبية (تفاهم بين الدول بأن لا تستولي دولة على ممتلكات دولة أخرى) ولكن هناك استثناءات لهذا المبدأ ولا سيما في الحالات التي تشارك فيها الدولة بأعمال غير قانونيّة، تنتهك من خلالها المعايير الدولية".
 
وفي 2022 جمّد الغرب أصولاً روسية تُقدّر بنحو 300 مليار دولار، 200 مليار منها في الاتحاد الأوروبي. وتعود ملكية هذه الأصول قانونياً الى الدولة الروسية لكنها الآن لا تستطيع التصرّف بها بسبب العقوبات. ومن ضمن هذه الأموال ملكيات فردية خاصة تعود لمواطنين روس بقيمة 30 مليار دولار. وغالباً ما تشمل أصول الاحتياطي الذهب النقدي، وحقوق السحب الخاصة والوضع الاحتياطي لدى صندوق النقد الدولي، وأصول العملات الأجنبية (المؤلفة من العملة والودائع والأوراق المالية) والاستحقاقات الأخرى.
 
واستخدام هذه الأصول ينطوي على مخاطر كبيرة، تؤجّج الصراع، بحسب متولي، "حيث قد تشجّع هذه الخطوة دولاً أخرى على استخدام الوسيلة عينها، في صراعاتها الاقتصادية والسياسية، وهو ما يؤدّي إلى انهيار الأعراف الدوليّة وتفاقم التوترات العالمية".
 
وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ تجميد الأصول خطوة قد تحتمل أن تكون قانونية، أمّا المصادرة فتحتاج إلى قوانين لحالات خاصة لا يمكن تعميمها. وعلى الرغم من أنّ قانون سلطة الطوارئ الاقتصادية الدولية الذي أقرّ في عام 1977 يمنح رئيس الدولة الأميركية سلطة تجميد أصول مملوكة لدول أجنبية، فإنّ التجميد لا يعني تغيير ملكية هذه الأصول أو التصرّف بها. لكن هناك استثناء يسمح للرئيس الأميركي بالتصرف بهذه الأصول في حال وقوع أعمال عدائية من قبل دولة أجنبية. أمّا الأصول الأجنبية الخاصة فلا يمكن مصادرتها، إلّا إذا ثبت أنها تُستخدم في أعمال إجرامية وإلّا تعتبر هذه الخطوة تعدّياً على حقوق الإنسان. وفي حال مصادرة الأصول التابعة للدولة، فقد تعرّض هذه الخطوة صاحبها لمحاكمات دولية ومطالبات قانونية.
 
وقد تعود هذه الخطوة بالمخاطر على أوروبا وأميركا، ويرى متولي أنّها "ستؤدّي إلى تقويض الثقة بالأنظمة المالية والعملات الغربية، ما سيساهم في زيادة التقلّبات وعدم اليقين في الأسواق العالمية، وبالتالي زعزعة الثقة بالاستثمارات في الأسواق الأوروبية والأميركية. بالإضافة إلى تسريع الجهود التي تبذلها الدول الأخرى لتقليل اعتمادها على اليورو والدولار، مثال محاولة مجموعة بريكس خلق عملة موحدة، والتبادل التجاري بالعملات المحلية".
 
على مقلب آخر، بلغت الاستثمارات المباشرة للاتحاد الأوروبي ودول مجموعة السبع وأستراليا وسويسرا في الاقتصاد الروسي 288 مليار دولار حتى نهاية عام 2022. وتتوزع على الشكل الآتي: الولايات المتحدة: 9.6 مليارات دولار، اليابان 4.6 مليارات دولار، كندا 2.9 مليار دولار، دول الاتحاد الأوروبي: 223.3 مليار دولار، قبرص: 98.3 مليار دولار مملوكة رسمياً لقبرص، و50.1 لهولندا و17.3 لألمانيا.
 
وفرنسا هي من بين أكبر 5 مستثمرين أوروبيين في الاقتصاد الروسي بأصول واستثمارات تبلغ قيمتها 16.6 مليار دولار وتأتي بعدها إيطاليا بما قيمته 12.9 مليار دولار. أمّا بريطانيا، فتستثمر 18.9 مليار دولار حتى نهاية عام 2021.
 
ومن هنا يمكن استنتاج حجم الضرر الذي قد تتسبب به روسيا، إذا قررت الردّ بالمثل على كلّ من أميركا وأوروبا، وتجميد الأصول الغربية لديها، خصوصاً أن الدول الأوروبيّة تعاني من وضع اقتصادي صعب يهدّدها بالتفكك بحسب ما صرّح به ماكرون.
 
والردّ الروسي سيكون سريعاً وقوياً، وفق اعتقاد متولي، "حيث يمكن أن تستولي على أصول وشركات غربية، واستهداف كيانات خاصة وحكومية، فضلاً عن التصعيد العسكري، والهجمات السيبرانية، وفرض عقوبات اقتصادية، ما سيرفع من توتر العلاقات الديبلوماسية بين روسيا ودول الغرب وسيجعل الحلّ الديبلوماسي أًصعب".
 
وكان بوتين قد وقع مرسوماً يقضي بوضع الأصول الأجنبية تحت تصرّف وإدارة الدولة الروسية المؤقتة إذا تمت مصادرة الأصول الروسية في الخارج.
 
واعتبرت الخارجية الروسية أنّ "الاتحاد الأوروبي يسير نحو تدمير ذاته، واتخذ عمداً خطوة غير مسبوقة، وهي سرقة الأصول السيادية لدولة أجنبية. وهو مثال واضح على حقيقة "القيم الأوروبية" و"النظام القائم على القواعد" التي يفرضها الغربيون"، مؤكدة أنّ "هناك شيئاً واحداً فقط يمكن التنبؤ به عاجلاً أو آجلاً، سيُضطر أعضاء الاتحاد الأوروبي إلى إعادة ما سُرق إلى بلادنا".

اقرأ في النهار Premium