باولا عطية
مع موجة التحوّل نحو الاقتصاد الأخضر التي يقودها عدد من الدول المصدّقة على اتفاقية باريس لتغيّر المناخ، تكتسب السندات الخضراء زخماً قوياً في دول العالم عموماً والدول العربية خصوصاً. وبلغ مجموع الصكوك الخضراء التي أصدرت في عام 2023، 6.5 مليارات دولار أميركي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما يمثّل أكثر من نصف إجمالي الصكوك الخضراء التي صدرت على مستوى العالم.
وهذا الشكل الجديد والمبتكر من الاستثمارات، هو أداة مالية، تحقق عوائد جيدة، مصمّمة لدعم المشروعات الصديقة للبيئة. وتقدم هذه السندات حلولاً ومفاتيح مهمة لمعالجة القضايا البيئية المُلحّة وتحفيز مشروعات البنية التحتية والطاقة النظيفة، وسط تدافع المجتمع الدولي نحو تحقيق أجندات الاستدامة البيئية والتخفيف من آثار تغيّر المناخ، الناتجة بالدرجة الأولى عن الاستخدام المفرط للوقود الأحفوري ومصادر الطاقة التقليدية.
وبهدف تمويل مشاريع صديقة للبيئة، أصدرت دولة قطر مؤخراً سندات خضراء بقيمة إجمالية بلغت 2.5 مليار دولار، تتوزع على شريحتين الأولى بقيمة مليار دولار لأجل خمس سنوات بسعر هامش 30 نقطة أساس فوق سندات الخزانة الأميركية، والثانية بقيمة 1.5 مليار دولار لأجل 10 سنوات بسعر هامش 40 نقطة أساس فوق سندات الخزانة الأميركية.
وفي هذا الإطار، يقول الباحث الاقتصادي الدكتور بلال علامة إنّ "أدوات الدين الخضراء مشروطة باستثمارات خضراء، لمشاريع صديقة للبيئة، تراعي معايير التنمية المستدامة، والسلامة العامة، والبيئة... إلخ. وتتوافق مع مبدأ Go Green، الذي أطلقته الأمم المتحدة قبل 10 سنوات وتعهدت الدول بتبنّيه. وقطعت العديد من الدول الأجنبية والعربية التي تمتلك الإمكانيات المالية أشواطاً في هذا المجال".
تصدرت دولة الإمارات جداول السندات الإقليمية الخضراء بقيمة بلغت 10.7 مليارات دولار خلال عام 2023 بزيادة بلغت نسبتها 170 في المئة، لتمثّل حوالي 45 في المئة من إجمالي إصدارات السندات الإقليمية. كما شهد العام الماضي، الذي استضافت فيه الإمارات فعاليات مؤتمر الأطراف "COP28” عدداً كبيراً من الإصدارات المستدامة الأولى من نوعها من قبل الشركات والهيئات الحكومية في الدولة، بإجمالي بلغ 7.95 مليارات دولار.
ولهذه السندات أهمية اقتصادية ومصرفية كبيرة، فـ"هي وسيلة لجذب نسبة كبيرة من الاستثمارات المنخفضة المخاطر، التي تسهم في التنمية المستدامة. ويتفاوت حجم هذه السندات بين الدول العربية، حيث قطعت المملكة العربية السعودية منذ عامين شوطاً مهمّاً في هذا الإطار، بعد إعلانها عن المدن الخضراء، لتعزيز الحياة الحضرية والنمو الاقتصادي والتنمية المستدامة (وتتضمن هذه المدن على سبيل المثال وسائل نقل صديقة للبيئة). كما تعتمد الإمارات مبدأ المدن الذكيّة بالتدريج. وكذلك مصر في مشروع القاهرة الجديدة، خصوصاً في ظلّ مشكلة النيل، وسدّ النهضة مع إثيوبيا، حيث تدرك جيداً أهميّة المناخ وتأثيره على الاقتصاد المصري. أمّا قطر فتبدي ثقة بمفهوم الاستثمار الأخضر، لكونها مستقرّة، ودخل الفرد فيها عالٍ، كما أن تصنيفها الائتماني مرتفع جداً".
وأوضحت بيانات مؤسّسة بلومبرغ لأسواق رأس المال، أن سوق الإصدارات السنوية الخضراء والمستدامة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سجلت رقماً قياسياً جديداً في عام 2023 ليبلغ إجمالي قيمته 24 مليار دولار تقريباً. وجاءت هذه الزيادة التي بلغت نسبتها 155 في المئة بفضل النمو الذي شهدته هذه الفئة من الإصدارات في كل من دولة الإمارات والسعودية، اللتين شكلتا معاً نسبة 77 في المئة من إجمالي الإصدارات الإقليمية.
ويتأثر تصنيف السندات بالاستراتيجية المتبعة لاستعمال الأموال الناتجة عن الاستثمار في هذه السندات، بحسب علامة، "وهي ترتبط بمؤشر الائتمان والديون المسجلة على كلّ دولة، حيث تأتي كلّ من دولة الإمارات وقطر في رأس هرم هذه التصنيفات، بمؤشر ائتمان عند مستوى AA".
وشكلت السعودية 32 في المئة من إجمالي حجم الإصدارات الإقليمية، بزيادة 69 في المئة على أساس سنوي.
في المحصّلة، يمكن اعتبار الصناديق الخضراء، ثورة في مجال التمويل، وعلى الرغم من زيادة دول في العالم إنتاجها من النفط الخام، تلبية لارتفاع الطلب، فإنّ ارتفاع أسعار النفط لن يكون عائقاً أمام عملية انتقال الطاقة بل سيسرع منها لما سيحققه من عوائد يمكن توجيهها للمشاريع الخضراء.