النهار

مشروع تنظيم العملات المشفّرة... فيتو بايدن يُثبّت السلطة التنظيمية لهيئة الأوراق المالية والبورصات
المصدر: "النهار"
مشروع تنظيم العملات المشفّرة... فيتو بايدن يُثبّت السلطة التنظيمية لهيئة الأوراق المالية والبورصات
مشروع تنظيم العملات المشفرة في أميركا
A+   A-
باولا عطية
 
يشهد العالم تطوراً هائلاً في مجال العملات الرقمية، وتُعدّالولايات المتحدة الأميركية من أبرز الدول المهتمة بتنظيم هذه العملات وفهم تأثيرها على اقتصادها ومجتمعها. وفيما لا تزال الولايات المتحدة في طور تطوير إطارها التنظيمي للعملات المشفرة، ظهر في أوائل عام 2024، مشروع يهدف إلى إلغاءSAB 121، وأثار جدلاً واسعاً في مجال العملات المشفرة في الولايات المتحدة. فقد سعى هذا المشروع، الصادر عن موظفي هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية (SEC)، إلى إلغاء نشرة محاسبة موظفي هيئة الأوراق المالية والبورصات رقم 121.في أيّار (مايو) 2024 صوّت كل من مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين على إلغاء مشروع SAB 121، ليستخدم بعدها الرئيس الأميركي جو بايدن حق النقض (الفيتو)، في 31 أيّار(مايو)، لمنع إلغاء المشروع. فما هي نشرة محاسبة موظفي هيئة الأوراق المالية والبورصات رقم 121؟ ولماذا هدف SEC إلى إلغائها؟
 
ظهرت نشرة SAB 121 في عام 2019، وقدمت إرشادات حول كيفية قيام الشركات التي تحتفظ بالعملات المشفرة بتسجيل حيازتها في الميزانيات العمومية. ووفقاً للنشرة، كان يتعيّن على الشركات معاملة العملات المشفرة كـ"أصول غير مادية"وتسجيلها كـ"خصوم" في الميزانية العمومية.
 
ولمشروع SAB121 إيجابيات وسلبيات عديدة تنعكس على كلّ من المستثمرين والبنوك ومصدري العملات المشفّرة نعرضها عليكم في ما يأتي.
 
يرى المستثمرون، في SAB121 فرص لتعزيز الشفافية والإفصاح عن المخاطر، حيث يتطلب SAB 121 من الكيانات التي تحمي الأصول المشفرة تسجيلها كالتزامات في ميزانياتها العمومية، مما يوفر للمستثمرين رؤية أكبر للمخاطر. كما يوفّر المشروع حماية أكبر للمستهلكين والمستثمرين، حيث يهدف إلى حصول المؤسسات المالية على ضمانات مناسبة لأصول العملات المشفرة التي يحتفظون بها نيابة عن العملاء. في المقابل، يخفض المشروع فرص استثمار العملات المشفرة من خلال المؤسسات المالية التقليدية، حيث يجعلها أكثر كثافة في رأس المال وبالتالي أقل جدوى من الناحية الاقتصادية بالنسبة للبنوك، التي ستوجب عليها الاحتفاظ برأس مال ضخم مقابل الاحتفاظ بهذه الأصول.كما قد يخنق المشروع فرص الابتكار في مجال العملات المشفّرة، حيث إن متطلباته الصارمة قد تمنع المؤسسات المالية عن تطوير المنتجات والخدمات المتعلقة بالعملات المشفّرة.
 
على صعيد المصارف، يمنح المشروع، إرشادات تنظيمية أكثر وضوحاً بشأن المعالجة المحاسبية للأصول المشفرة المحميّة، مما يوفر نهجاً موحّداً تتبعه البنوك. كما يخفف المشروع بعض المخاطر المرتبطة بحفظ العملات المشفرة، حيث إن متطلبات الشفافية المعززة فيه قد تساعد البنوك على إدارة هذه المخاطر والكشف عنها بشكل أفضل. في المقابل، يضع المشروع قيوداً على البنوك الأميركية، تمنعها من المنافسة مع بنوك غير أميركية أو خاصّة لا تخضع لهذا القانون، ما يحدّ من قدرتها على المنافسة.
 
في سياق متصل، يسمح المشروع لمصدّري العملات المشفرة بالاستفادة بشكل غير مباشر من تدابير الشفافية وحماية المستهلك المعززة التي يتطلبها SAB 121، والتي قد تزيد الثقة العامة في سوق العملات المشفرة، فيما يتسبب بانخفاض السيولة وتدفقات رأس المال إلى مجال العملات المشفرة، حيث يجعل من الصعب على البنوك الأميركية تسهيل الاستثمار المؤسسي في أصول العملة المشفرة على نطاق واسع. كما قد يتسبب بالخسارة المحتملة لحصة السوق الأميركية لصالح المنافسين الخارجيين، حيث إن المتطلبات الصارمة لـSAB 121 قد تدفع الابتكار والاستثمار في مجال العملات المشفرة إلى الولايات القضائية ذات الأطر التنظيمية الأكثر ملاءمة.
 
ويُتوقع أن يؤدي إلغاء SAB 121 إلى 1) زيادة عدم اليقين وبالتالي تردد الشركات في الاستثمار في مجال العملات المشفرة بسبب عدم وضوح القواعد المحاسبية، بالإضافة إلى زيادة تقلبات أسعار العملات المشفرة. 2)مزيد من التدقيق، حيث قد تُكثف الجهات التنظيمية، مثل هيئة الأوراق المالية والبورصات،تدقيقها على الشركات التي تتعامل مع العملات المشفرة.
 
يذكر أنّه لا يوجد تشريع محدد في الولايات المتحدة يمنح صفة"القانوني" للعملات المشفرة عموماً. ومع ذلك، فقد اتخذت السلطات الأميركية خطوات لتنظيم استخدامها وتداولها. ففي عام 2014، أصدرت (SEC) بياناً أوضحت فيه أن بعض العملات المشفرة قد تُعتبر "أوراقاً مالية" وتخضع لقواعدها. وفي عام 2015، أصدرت شبكة مكافحة جرائم الإنترنت (FinCEN) إرشادات تحدد متطلبات الشركات التي تتعامل مع العملات المشفرة لمنع غسل الأموال وتمويل الإرهاب. عام 2020 أصدر محكمة العدل العليا حكماً يسمح للجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية برفض طلبات إنشاء صناديق تداول قابلة للتحويل (ETFs) للبيتكوين. ليوضح البنك المركزي الأميركي(FED) في 2021، أنّه لا يخطط لمنع استخدام العملات المشفرة،لكنّه سيركز على مخاطرها المحتملة على الاستقرار المالي. وبناءً على ذلك أصدر البيت الأبيض، في عام 2022، أول إطار عمل لتنظيم الأصول الرقمية في الولايات المتحدة، بما في ذلك العملات المشفرة، ألحقه بأمر تنفيذي في 2023، دعا عبره الوكالات الفيديرالية إلى فحص مخاطر وفوائد العملات المشفرة وإصدار تقارير رسمية عن نتائجها.
 
وتتوزع مسؤولية تنظيم العملات المشفرة في الولايات المتحدة على عدة جهات، حيث تراقب SEC تداول العملات المشفرة وتحدد ما إن كانت تُعتبر أوراقاً مالية. أمّا FinCEN فتضع قواعد لمنع غسل الأموال وتمويل الإرهاب من خلال العملات المشفرة. ويراقب الفيديرالي تأثير العملات المشفرة على الاستقرار المالي ويطوّرخططاً للتعامل مع مخاطرها. فيما تشارك وزارة الخزانة الأميركية في وضع سياسات تتعلق بالعملات المشفرة وتقدم المشورة للوكالات الأخرى. وقد تؤدي لجنة تداول السلع الآجلة(CFTC) ومكتب مراقبة العملات (OCC) دوراً في تنظيم بعض جوانب استخدام العملات المشفرة.
 
باختصار، فيما يهدف SAB 121 إلى تعزيز الشفافية وحماية المستهلك وإدارة المخاطر في مجال العملات المشفرة، فإنه يفرض أيضاً تكاليف وقيوداً كبيرة على البنوك الأميركية التي تتطلع إلى تقديم خدمات حفظ العملات المشفرة. وقد يكون لهذا عواقب غير مقصودة تتمثل في خنق الابتكار، وتقليل السيولة، ودفع نشاط العملات المشفرة إلى مناطق قضائية أقل تنظيماً. وبالتالي، لايزال تحقيق التوازن الصحيح بين حماية المستهلكين وتعزيز الابتكار المسؤول يمثل تحدياً رئيسياً لواضعي السياسات في مشهد العملات المشفرة المتطوّر.

اقرأ في النهار Premium