النهار

سيارات الصين الكهربائية تقود العالم نحو حرب تجارية جديدة
السيارات الصينية الكهربائية
A+   A-

 شهدت صناعة السيارات الكهربائية في السنوات الأخيرة طفرة كبيرة مع تزايد الوعي البيئي والتوجه نحو الطاقة النظيفة. كانت الصين ولا تزال لاعباً رئيسياً في هذه السوق بفضل دعم حكومي قوي واستثمارات ضخمة، في البحث والتطوير والتصنيع. إلا أن السيارة الكهربائية الصينية اصطدمت بعقوبات فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وأثارت المخاوف من اتساع رقعة الصراع الاقتصادي ليتحول إلى حرب تجارية واسعة النطاق.

 

أبلغت المفوضية الأوروبية شركات تصنيع السيارات الكهربائية في القارة العجوز بأنها ستطبق موقتاً رسوماً إضافية على واردات السيارات الكهربائية الصينية تتراوح بين 17 و38 في المئة، إلى جانب ضريبة 10 في المئة الحالية، وبأن حجم الرسوم الجديدة يختلف اعتماداً على مدى امتثال شركات السيارات للضوابط التي يسنّها الاتحاد الأوروبي للحد من الأفضلية التسويقية التي تتمتع بها الصناعات الصينية بفضل استفادتها من الدعم الحكومي في بلادها، "وهذا أحد الدوافع وراء فرض أوروبا عقوباتها على السيارات الكهربائية الصينية"، كما يقول أستاذ الاقتصاد السياسي الدكتور محمد موسى لـ"النهار"، مضيفاً أن الموقف الأميركي معروف في هذا الإطار، ولا يختلف أبداً عن الموقف الأوروبي.

 

وكانت الولايات المتحدة قد اتخذت تدابير مماثلة ضد بكين قبل أسابيع، إذ أعلنت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في أيار (مايو) الماضي زيادة التعرفات الجمركية على السيارات الكهربائية الصينية من 25 إلى 100 في المئة.

 

يضيف موسى: "تتمتع الصناعات الصينية بتنافسية عالية في الأسواق العالمية بفضل هذا الدعم الحكومي الذي تتحدث عنه الولايات المتحدة وأوروبا، وبفضل تكاليف الإنتاج المنخفضة أيضاً".

 

تداعيات العقوبات

إلى ذلك، تثير السيارات الكهربائية الصينية مخاوف تتعلق بالأمن القومي، خصوصاً مع التطور السريع في تقنية الذكاء الاصطناعي والاتصالات. فثمة قلق من أن تستخدم بكين البيانات التي تجمعها هذه السيارات لأغراض التجسس، خصوصاً أن الشركات الصينية اتهمت في الماضي بسرقة حقوق الملكية الفكرية من الشركات الغربية، وفرض العقوبات وسيلة من الوسائل المتبعة لحماية الابتكارات والتقنيات المتقدمة من القرصنة الصناعية.

 

يطمئن موسى إلى أنّ النمو في سوق السيارات الكهربائية الصينية لن يتباطأ، "بل على العكس، سيبقى النمو مرتفعاً مدعوماً بتنامي الطلب مواكبةً للتوجه العالمي نحو تبني تقنيات الطاقة الخضراء". ويتساءل نوسى: "هل ستوسّع الصين نحو أسواق جديدة، أو ستلجأ إلى عقد تسويات تجارية تخلق ديناميّة جديدة، فتعدّل الضرائب على أساسها؟"، خصوصاً أن مسألة العقوبات لن تدخل حيّز التطبيق قبل تشرين الأوّل (أكتوبر) المقبل، "وبالتالي ثمة متسع من وقت لتفاوض الصين أميركا وأوروبا وليصل الجميع إلى تسوية مرضية".

 

من جانب آخر، فرض العقوبات يؤثر كثيراً في الشركات الصينية المصنعة للسيارات الكهربائية مثل "بي واي دي" و"نيو". فربما تواجه هذه الشركات صعوبات في الوصول إلى الأسواق الغربية، ما يحد من نموها ويؤثر في أرباحها. إلى ذلك، ترفع العقوبات أسعار السيارات الكهربائية في الأسواق الأوروبية والأميركية بسبب الحد من العرض وزيادة تكاليف الإنتاج، خصوصاً أن العقوبات تستهدف في العادة مكونات أساسية في الصناعات الإلكترونية المتقدمة، فهذا هو ميدان التنافس الأول بين الصين وباقي الدول الصناعية. كذلك، يمكن العقوبات أن تؤدي إلى اضطراب سلاسل التوريد العالمية التي تؤدي فيها الصين دوراً مهماً، بوصفها مورداً رئيسياً للبطاريات وشبه الموصلات الكهربائية، وهذا يؤثر سلباً في الإنتاج العالمي.

 

انتقام صيني

فهل تقف الصين موقف المتفرّج؟ يجيب موسى: "كلا، فمتوقعٌ أن تتخذ إجراءات انتقامية، تشمل فرض قيود على الشركات الغربية العاملة في الصين أو زيادة الرسوم الجمركية على الواردات من الدول الغربية، إلى جانب تعزيز حضورها في أسواق أخرى مثل آسيا وأفريقيا وروسيا والدول العربية، لتعويض خسائرها في الأسواق الغربية، وربما تكون أسواق دول البريكس وجهة الصين الجديدة".

 

يضيف موسى: "هذا التوجه الجديد قد يفرض على الصين إجراء بعض التعديلات على سياراتها لتلائم حاجات هذه الدول، لكن الأجدى برأيي هو العودة إلى اتفاقيات التجارة الدولية وعدم تقويض هذه المنظومة، فذلك لن ينتج إلا المزيد من التعقيدات الاقتصادية والسياسية، علماً أن فكرة فرض العقوبات الاقتصادية تعتبر مخالفة أوروبية أميركية، إذ تخالف مبدأ توفير بيئة آمنة للاستثمار بين أميركا وأوروبا من جهة، والصين من جهة أخرى".

 

كذلك، قد تلجأ الشركات الصينية إلى توسيع إنتاجها في الأسواق المستهدفة لتجنب العقوبات، فإنشاء مصانع جديدة في أوروبا وأميركا استراتيجية فعالة للحفاظ على حصتها في السوق.

 

ويقول موسى لـ"النهار": "المستهلك في الدول الغربية هو المتضرر الأوّل من السياسات الحمائية ومن العقوبات الاقتصادية والإجراءات الانتقامية المقابلة، فهذه كلها ترفع أسعار السيارات الكهربائية، وهذا يمكن أن يبطئ الاستعاضة بالطاقة الخضراء عن الوقود الأحفوري، فيؤثر في الأهداف البيئية التي ترسمها الدول الأوروبية".

 

ولا ننسى أن العقوبات تحد من التنوع في الخيارات المتاحة للمستهلك في الأسواق الغربية، خصوصاً أن شركات كثيرة حول العالم تعتمد على المكونات الإلكترونية الصينية في تصنيع سياراتها الكهربائية.

اقرأ في النهار Premium