الأربعاء - 03 تموز 2024

إعلان

بخطط طموحة ومشروعات ضخمة.. السعودية بيتٌ أصيل للطاقة المتجددة

المصدر: النهار
باولا عطية
مشاريع الطاقة الشمسية في السعودية (الصورة بتقنية الذكاء الاصطناعي)
مشاريع الطاقة الشمسية في السعودية (الصورة بتقنية الذكاء الاصطناعي)
A+ A-
ضمن خططها للتحول نحو الطاقة المتجددة بتوليد 50 في المئة من الكهرباء من مصادر نظيفة بحلول عام 2030، تطمح السعوديّة إلى الريادة العالمية في مجال الطاقة المتجددة، معزّزة موقعها في عالم الطاقة النظيفة انطلاقاً من مشروعات منوطة بتنفيذها الشركة السعودية لشراء الطاقة لتوليد الكهرباء من الطاقة المتجددة.

يبلغ عدد مشروعات الطاقة المتجددة في أكبر بلد منتج للنفط في العالم 18 مشروعاً، ما زال بعضها قيد التنفيذ. وتأتي هذه المشروعات في المرحلة الرابعة من مشروعات "البرنامج الوطني للطاقة المتجددة" الذي تشرف عليه وزارة الطاقة السعودية، وستساهم في تعزيز الأمن الطاقوي السعودي بتنويع مصادر الطاقة، وفي الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، وخلق فرص العمل، وتحفيز النمو الاقتصادي في المملكة، وهذا ما فتح شهيّة الصين (أكبر دولة مصنّعة للألواح الشمسية وتسيطر على 75 في المئة من سوق الطاقة الشمسية العالمي) والولايات المتحدة الأميركية (أكبر اقتصاد في العالم) إلى توسيع استثماراتهما في قطاع الطاقة الشمسية بالسعودية.

البيت الأصيل
 
فما هي أبرز عوامل الجذب التي تتمتع بها السعودية؟ وكم يبلغ حجم الاستثمارات في مشروعات الطاقة الشمسية؟

يقول نايف الدندني، الخبير السعودي في استراتيجيات الطاقة والشأن النفطي العالمي، لـ"النهار العربي" إن المملكة تملك المصادر والموارد "التي تجعلها بيتاً أصيلاً للطاقات المتجددة، كما هو الحال في النفط والغاز، وللسعودية مواقع جغرافية فريدة في الحزام الشمسي الأعلى في العالم من حيث كفاءة إنتاج الطاقة الشمسية، كما الموقع الجغرافي الذي يجعل من طاقة الرياح مصدراً أقل تكلفة وأكثر إنتاجاً للكيلووات"، مضيفاً أن السعودية تستطيع إنتاج أنواع متعددة من الهيدروجين، تحديداً الهيدروجين الأخضر النظيف الذي يُستخلص من طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

ويتطرق الدندني إلى التعاون الأميركي - السعودي في مجالات الطاقة، فيقول إن دولةً مثل السعودية، تملك هذه الموارد المتنوعة والمصادر الثرية، وتتمتع بالريادة في مجال الطاقة، "لا يمكنها أن تتبنى خططاً خجولة ومتأخرة عن نظيراتها في العالم، أو أن تتجاهل فرصاً لا تتيح لها تصدّر المشهد العالمي في مجال النفط فحسب، إنما في مجالات الطاقة كلها التي تعدّ عصب الاقتصاد وقلبه النابض، لتكون السعودية بذلك نضبه ودفأه ومصدر حرارته".

مشعّة شمسياً
 
من هذا المنطلق، يرى أن الاتفاق النووي السعودي - الأميركي الوشيك، ضمن منظومة الاتفاقيات الاستراتيجية التي يجري العمل عليها اليوم وتقترب من صيغها النهائية، "حدثٌ مهم ومؤثر ، ليس في المنطقة وحدها، بل في العالم كله". وبحسبه، يأتي التعاون النووي السعودي - الأميركي متزامناً مع منافسة صينية وأخرى أوروبية تسعى لمثل هذا التعاون، كي يكون رافداً لتعزيز علاقاتها مع المملكة، وجسراً مهماً وقوياً لعقد شراكات استراتيجية، تمنح الدول الموقعة عليها مع السعودية زخماً في مجالات متعددة.

لا يمكن البحث أصلاً في هذه الشراكات لو لم تتمتع السعودية بمستويات عالية من الإشعاع الشمسي. تقول جيسيكا عبيد، الشريك المؤسس لشركة New Energy Consult، لـ "النهار العربي"، إن مستويات الإشعاع العالمي في السعودية تتجاوز 2,200 كيلووات في الساعة في المتر المربع سنوياً، "وهذا يفتح أبواب المملكة واسعةً على استثمارات كثيرة في العديد من تقنيات الطاقة الشمسية، بما فيها الطاقة الشمسية الكهروضوئية (PV)، والطاقة الشمسية المركزة (CSP)".

وتستفيض عبيد في الشرح قائلةً إن النوع السائد من نموذج الطاقة المتجددة، المنتشر في الخليج، هو نموذج المزارع الضخمة (mega projects)، "وهذه مشروعات كبيرة تستفيد من وفورات حجم الإشعاع الشمسي والدعم الحكومي للتمويل والتنمية". في الولايات المتحدة الأميركية، على سبيل المثال، يصنّف كلّ مشروع طاقة يولّد أكثر من 5 ميغاوات بأنه "مزرعة طاقة"، فيما تمتد مزارع الطاقة في السعودية على مساحات شاسعة، ويفوق إنتاجها 1000 ميغاوات، وصولاً إلى 2000 ميغاوات، "وهذه مزارع لا نرى مثيلاً لها إلا في الصين، بينما لا يتجاوز المعدّل العالمي عتبة 300 ميغاوات في الحدّ الأقصى، والفضل في ذلك عائد إلى الربط القوي الموجود بين دول الخليج"، كما تقول عبيد.

شراكات عام - خاص
 
استثمرت دول الخليج في مشروعات كبيرة للطاقة المتجددة، إقليمياً ودولياً، كجزء من استراتيجيات التنويع الطاقوي. وسُجّلت ثلاثة أنواع من نماذج الاستثمار في الطاقة المتجددة: عمليات دمج واستحواذ، وتدفق استثماري أجنبي، واستثمارات في الأسهم. وترى صناديق الثروة السيادية في الخليج أن تطوير مشروعات الطاقة المتجددة يوفر فرصاً استثمارية مربحة، مع تدفقات نقدية طويلة الأجل تتوافق مع توقعات العائد على المدى الطويل.

وتتخذ مشروعات الطاقة المتجددة في السعودية شكل شراكات بين القطاعين العام والخاص (PPP)، حيث تكون الجهة العامة، أي الحكومة، مقرضاً مشاركاً أو مزوداً للأسهم، ما يجعل المشروع قائماً بتمويل مشترك. في هذا الإطار، تقول عبيد إن السعودية دعمت شركة الطاقة المتجددة العملاقة "أكوا باور" (مطور ومالك ومشغل طاقة ومقدم خدمة تحلية المياه)، "حيث يمتلك صندوق الاستثمارات العامة السعودي 50 في المئة من الشركة التي تتمتع بحصة سوقية مشهودة في مجال الطاقة المتجددة، إقليمياً ودولياً، بعدما أنشأت محفظة للطاقة المتجددة في أكثر من 12 دولة، بإجمالي قدرة مركبة تتجاوز 3.2 غيغاوات، وبقيمة تزيد على 10.45 مليارات دولار أميركي".

تمتلك شركة "أكوا باور" الحصة الإقليمية الأكبر من محطات الطاقة المتجددة في الخليج، بقدرة إجمالية تبلغ 3.95 غيغاوات. وفي آذار (مارس) 2022، منحتها وزارة الطاقة السعودية مشروعين بقدرة 1 غيغاوات، وبقيمة إجمالية تبلغ 666 مليون دولار، يُبنيان في منطقتي الرس وسعد السعوديتين. إضافة إلى ذلك، تخطط "أكوا باور" حالياً لمشروعين لإنتاج الطاقة الشمسية الكهروضوئية بقدرة 2.3 غيغاوات في الشعيبة ورابغ، وذلك في إطار الجولة الثانية من مشروعات صندوق الاستثمارات العامة للطاقة المتجددة.

أسعار تنافسية
 
إلى ذلك، توفّر السعودية طاقة شمسيّة بأسعار تنافسيّة جداً، ما عزز الرغبة في تطوير مشروعات الطاقة المتجددة، ووعد بتوفير الطاقة الكهربائية بسعر زهيد، "لا يتخطى السنت الواحد للكيلووات في الساعة"، بحسب عبيد، التي تُضيف: "هذه الأسعار المنخفضة القياسية هي نتاج مجموعة من العوامل، بينها توافر الأسهم، والقدرة على الاقتراض، وانخفاض تكاليف خدمة الديون، والفترات الطويلة التي تسمح بها اتفاقية شراء الطاقة، والجدارة الائتمانية للطرف المقابل من القطاع الخاص، وانخفاض تكاليف الأراضي، وانخفاض الإنفاق الضريبي".

تجد الإشارة إلى أن السعودية من الدول التي تتمتع بأرصدة مالية مستقرة. وهذا الاستقرار يسمح لها بالاستفادة من إصدارات الديون الخارجية. تاريخياً، ساهمت المخاطر السياسية المحدودة والظروف الاقتصادية الكلية المواتية في منطقة الخليج، بما في ذلك ربط العملات الخليجية بالدولار الأميركي، في تعزيز قدرات هذه الدول على الاقتراض، على مستويات مختلفة.

إلى ذلك، يُعد توافر الأراضي الشاسعة والرخيصة الثمن في المملكة ركيزة أساس لتطوير مشروعات الطاقة المتجددة، بكلفة إنتاج منخفضة، خلافاً لما هو قائم الولايات المتحدة والدول الأوروبية.

في المحصّلة، ساهمت المقوّمات كلها التي ذكرناها في تعزيز مكانة السعودية على خريطة الطاقة المتجددة العالمية. فهل تتمكّن المملكة من تحقيق هدفها وإنتاج 9.5 غيغاوات من الطاقة المتجددة بحلول عام 2023، وتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060؟
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم