أحدثت جائحة كورونا، منذ عام 2019، تحوّلاً كبيراً في أسلوب العمل، ليظهر نظام جديد يُعرف بالعمل الهجين جامعاً بين العمل المكتبي والعمل عن بُعد. أصبح هذا الأسلوب شائعاً في الشركات والأفراد على حد سواء. فبعد فكّ الجائحة، عادت الحياة إلى طبيعتها، إلا نظام العمل في الشركات، فما عاد إلى ما كان عليه قبل الجائحة، إذ يرغب نحو 70 في المئة من الموظفين في استمرار خيارات العمل المرن أو الهجين، بحسب دراسة أعدّتها شركة "مايكروسوفت".
خيار معتمد
هذا الخيار موجود اليوم، ومعتمد في عدد كبير من الشركات حول العالم، "حتى إنه يتميز من العمل المكتبي بإنتاجية أعلى، وهذا ظاهر في العديد من الدراسات التي أجريت في هذا المجال"، كما يقول رياض بارودي، المسؤول في قسم الموارد البشرية في "شركة ومصانع حديد الكويت"، لـ"النهار"، راداً ذلك إلى مرونة في العمل تسمح للموظفين بتحديد أفضل الأوقات لأداء مهامهم. ويذكّر بأن قلة التنقل وحسن الموازنة بين الحياة المهنية والحياة الشخصية "يسهمان في زيادة التركيز والإبداع".
وهذا ما تؤكده دراسات حديثة أجرتها جامعة "ستانفورد" الأميركية، إذ تبيّن أن العمل الهجين "يمكن أن يرفع الإنتاجية بنسبة 13 في المئة"، فيما تقول دراسة أخرى أجرتها شركة "غارتنر" إن 82 في المئة من الشركات التي تبنّت العمل الهجين "لاحظت تحسناً في رضى الموظفين وتفاعلهم". كذلك، وجدت دراسة أجرتها شركة "ماكينزي" أن العمل الهجين يعزّز الابتكار، إذ أفاد 67 في المئة من المديرين التنفيذيين بأن موظفيهم كانوا أكثر قدرة على الابتكار حين كانوا يعملون بنظام العمل الهجين.
لكن، كيف تقيس هذه الشركات إنتاجية الموظفين؟ بحسب بارودي، تستطيع إدارة الموارد البشرية في كل شركة استخدام مؤشرات عدة لقياس الإنتاجية في النظامين، "مثل معدلات إنجاز المهمات، وتحقيق الأهداف المرسومة لكل موظف بحسب درجته، ومعدل حضور الاجتماعات، ومستويات الرضى الوظيفي من خلال استبيانات دورية".
مفيد نفسياً واقتصادياً
العمل الهجين مفيدٌ للصحّة النفسية، بإجماع بحوث ودراسات عدة. فقد وجدت دراسة أجرتها "جمعية علم النفس الأميركية" أن الموظفين الذين يعملون من المنزل يشعرون بإجهاد أقل بنسبة 25 في المئة مقارنة بمن يعملون في المكتب. كما أظهر من يعملون عن بُعد تحسناً في مسألة موازنة الحياة الشخصية والمهنية بنسبة 30 في المئة. وأشار تقرير صادر عن شركة "غالوب" إلى أن الموظفين الذين يعملون بنظام هجين أظهروا مستويات أعلى من الرضى عن حياتهم المهنية والشخصية، كما أوضحت دراسة أجرتها "إنستيتيوت فور ذا فيوتشر" أن العمل الهجين يسهم في تقليل منسوب التوتر وزيادة الشعور بالتحكم في الحياة الشخصية، وهذا يحسّن الصحة الموظفين النفسية.
وهو مفيدٌ للاقتصاد أيضاً... يقول بارودي: "العمل الهجين يقلل التكاليف التشغيلية على الشركات، من إيجارات وصيانة المساحات المكتبية وتكلفة نقل الموظفين. وهذه الوفورات تخفف بند الإنفاق في ميزانية الشركة". وتؤكد دراسة أجرتها شركة "جاي أل أل" (JLL) أن الشركات التي انتقلت إلى العمل الهجين تمكنت من تقليل المساحات المكتبية بنسبة 30 في المئة، وهذا أدى إلى توفير كبير في تكاليف الإيجار والصيانة. وأوضح تقرير صادر عن "جمعية النقل الأميركية" أن العمل الهجين يقلل تكاليف التنقل للموظفين بنسبة 50 في المئة، ما يسهم في الحد من التلوّث البيئي. كذلك، أظهرت دراسة صادرة عن شركة "بي دبليو سي" (PwC) أن اعتماد العمل الهجين يوفّر نحو 20 في المئة من الإنفاق التشغيلي، بفضل تحسّن كفاءة استخدام الموارد وتقليل النفقات العامة".
ويلفت بارودي إلى الدور الأساسي الذي يؤدّيه قسم الموارد البشرية في أي شركة، لتسهيل انتقال الموظفين إلى نظام العمل الهجين من دون مشكلات في الأداء العام، "وذلك برسم سياسات واضحة، وتوفير التدريب التقني اللازم، وضمان دعم الموظفين للتكيّف مع التغيير، وقياس تأثير النظام الهجين على الأداء والإنتاجية بشكل دوري، والحرص على إنشاء قنوات اتصال فعالة لضمان التواصل بين الموظفين والإدارة".
غير مريح... أحياناً!
إلا أن العمل الهجين ليس مريحاً تماماً. فالتحديات التقنية تتصدّر المشكلات التي يصادفها الموظف. يقول بارودي إن العمل الهجين يحتاج إلى بنية تحتية تقنية قوية لدعم العمل عن بُعد. فقد يواجه الموظفون تحديات مثل مشكلات الاتصال بالإنترنت أو نقص المعدات التقنية المناسبة، وقد يصعب على فريق الدعم التقني تقديم المساعدة العاجلة عن بُعد في وقتها.
يضيف بارودي، وهو الذي يتمتع بخبرة واسعة بمنطقة الخليج العربي في مجال تنفيذ استراتيجيات مبتكرة لتحسين الأداء الوظيفي وتعزيز ثقافة العمل الإيجابية: "إن استخدام أدوات تقنية مثل Microsoft Teams وSlack يسهم في تحسين التواصل والتعاون بين الفرق العاملة عن بُعد، ويضمن استمرار تدفق البيانات، كما تساعد الاجتماعات الدورية بتقنية الفيديو على تماسك الفريق"، مشدداً على ضرورة الاعتماد على تقنية Zoom للاجتماعات الافتراضية، وتقنية Trello لإدارة المشاريع، وتقنية Slack للتواصل الفوري. فهذه الأدوات تسهّل التعاون، وعلى إدارات الموارد البشرية في مختلف الشركات اعتماد تقويمات مشتركة وجدولة ذكية للتغلب على التحديات".
إلى ما سبق كله، يقلل العمل عن بُعد فرص التواصل الشخصي والاجتماعي بين الزملاء، وهذا قد يؤثر سلباً على بناء العلاقات المهنية وروح الفريق، ويصعّب على المديرين أحياناً متابعة أداء الموظفين عن بُعد وتقييمه بدقة.