النهار

النهار

مشروعا بايدن وترامب: رؤى متعارضة في مواجهة تحدّيات الاقتصاد الأميركي
باولا عطية
باولا عطية
المصدر: "النهار"
تعكس السياسات الاقتصادية لكل من الرئيس الأميركي الحالي الديموقراطي جو بايدن، والرئيس الأسبق الجمهوري دونالد ترامب، اختلافات جوهرية في التوجهات والأهداف. فبينما يركز ترامب على خفض الضرائب والتقليل من التنظيمات لزيادة النمو الاقتصادي القصير الأجل، يركز بايدن على زيادة الإنفاق الحكومي والاستثمار في البنية التحتية والرعاية الاجتماعية لتحقيق نمو اقتصادي طويل الأمد وأكثر شمولية. هذه الاختلافات تعكس فلسفات اقتصادية وسياسية مختلفة، كل منهما يسعى إلى تحقيق الازدهار الاقتصادي بطرق مختلفة.
مشروعا بايدن وترامب: رؤى متعارضة في مواجهة تحدّيات الاقتصاد الأميركي
المناظرة الرئاسية بين بايدن وترامب (أ ف ب).
A+   A-
تعكس السياسات الاقتصادية لكل من الرئيس الأميركي الحالي الديموقراطي جو بايدن، والرئيس الأسبق الجمهوري دونالد ترامب، اختلافات جوهرية في التوجهات والأهداف. فبينما يركز ترامب على خفض الضرائب والتقليل من التنظيمات لزيادة النمو الاقتصادي القصير الأجل، يركز بايدن على زيادة الإنفاق الحكومي والاستثمار في البنية التحتية والرعاية الاجتماعية لتحقيق نمو اقتصادي طويل الأمد وأكثر شمولية. هذه الاختلافات تعكس فلسفات اقتصادية وسياسية مختلفة، كل منهما يسعى إلى تحقيق الازدهار الاقتصادي بطرق مختلفة.
 
يرى أستاذ الاقتصاد في جامعتي القاهرة والنيل، الدكتور مدحت نافع، في حديث لـ"النهار" أنّ "أهم ملامح القوة للحزب الجمهوري بقيادة ترامب، تكمن في أنه يخاطب الشعب الأميركي بدغدغة مشاعره، عبر الاتجاه إلى خفض الضرائب على المواطنين والشركات، زيادة الضريبة الجمركية على السلع المستوردة التي لها بديل محلي لحماية السلع الأميركية، حتى ولو أسهم ذلك في المزيد من تأجيج نيران الحرب التجارية مع الصين على وجه التحديد".
 
ويسعى الحزب الجمهوري إلى استقطاب العمالة من دول قريبة على حساب الدول البعيدة، "وهو ما ينعكس سلباً على معدلات التضخم"، بحسب نافع، إذ إنّ مراكز الإنتاج الأقرب في أميركا اللاتينية وفي المكسيك "لن تكون بالضرورة أكثر كفاءة وأرخص سعراً من تلك التي في الصين، كما أنّ هذه الخطوات من شأنها أن تزيد القيود كثيراً على الصين"، وهي الحرب التي بدأها الجمهوريون في عام 2018، والتي أثرت على معدلات النمو الأميركية التي سجلت خلال فترة ترامب 1.3 من 10 في المئة، وهي أقلّ من النمو في عهد بايدن الذي سجّل 2.1 من 10 في المئة.
 
كذلك يتجه الحزب الجمهوري بسياساته الاقتصادية إلى فرض المزيد من القيود على التجارة وفرض ضريبة الـ10 في المئة كقيود على كل الواردات، وهو ما من شأنه، وفق نافع، أن "يعرقل فرص حرية التجارة بين الدول العربية من جهة وبين الولايات المتحدة ومن ثم إعادة تشكيل التحالفات وإعادة تشكيل مراكز التصنيع وسلاسل التوريد بشكل ربما يكون فيه كفاءة أقل في الفترة الأولى نتيجة الصدمة السريعة في المعاملات التجارية"، مضيفاً أنّ "المعاملة بالمثل من قبل الدول العربية من شأنها أن تؤثر على الاقتصاد الأميركي كثيراً، وهو ما سيخفض من توقعات النموّ".

الضرائب والتضخم والعجز
 
على مقلب آخر، يركز الحزب الديموقراطي برئاسة بايدن، على زيادة الضرائب سواء على الشركات أو على الأفراد (ضريبة الدخل الشخصي لتشمل الاشخاص الذين يكسبون اقل من 400 ألف دولار سنوياً) لمعالجة المشكلة الاقتصادية من تضخم وعجز مزمن ودين مرتفع، ويلفت أستاذ الاقتصاد إلى أنّ "بايدن يَعد بزيادة الضريبة على الشركات من 21 في المئة إلى 28 في المئة وهو ما قد لا يحظى بدعم الكونغرس. كما سيبقي بايدن على الرسوم التي فرضها على السلع الصينية بنسبة 100 في المئة، ومنها السيارات الكهربائية، والألواح الشمسية، إلا أنّه قد لا يتوسع كثيراً في مسألة القيود التجارية كما ستكون الحال لو وصل ترامب إلى السلطة".
 
وتطال الحزب الديموقراطي انتقادات حول تدخله في آليات عمل الاقتصاد لصالح تعزيز الصناعة المحلية على سبيل المثال، أما الحزب الجمهوري، فهو متهم بالتدخل في السياسة النقدية لصالح سوق المال ما قد يخلق انقساماً بين ترامب ورئيس الفيديرالي الأميركي حول اعتماد السياسة النقدية المتشددة.

أزمة الدولار
 
ويرى نافع أنّه "ببقاء الديموقراطيين في الحكم سيبقى الدولار أقوى ما يعني أزمة أكبر في الدول العربية التي تجد صعوبة في تسديد ديونها واستيراد السلع بالدولار، أمّا مع وصول ترامب، فسيضعف وهج الدولار، ما يعني المزيد من اليسر في مسألة الديون وفي مسألة التجارة بالنسبة للدول التي تعتمد على الدولار بنسبة كبيرة، والتأثير على الدول العربية سيبقى متفاوتاً ومتبايناً". ويتابع، "مع استمرار بايدن بالحكم، ستستمر الحرب في غزة، وقد يتسع مداها، خصوصاً مع دخول إيران طرفاً مباشراً في الصراع ما سيرفع كثيراً من سعر برميل النفط الذي قد يصل إلى 150 دولاراً وهو ما تنبأ به البنك الدولي من قبل، لكن وجود ترامب يهدّئ كثيراً من الاضطرابات الاستراتيجية في المنطقة".
 

قراءة مغايرة
 
من جهته، رأى د. مهدي عفيفي وهو عضو في الحزب الديموقراطي، في حديث لـ"النهار"، أنّ "أهم ما يميّز الحزب الديموقراطي اقتصادياً هو مراعاة أصحاب الحاجات ومراعاة الطبقة المتوسطة. يرى الحزب أن نمو الطبقة المتوسطة وتحسين وضع الطبقة الفقيرة في الولايات المتحدة الأميركية هو من أهم عناصر النسيج الاجتماعي للولايات المتحدة. وعلى النقيض من الحزب الجمهوري الذي يكون تركيزه دائماً على أصحاب رؤوس الأموال وإعطائهم ميزات ضريبية كبيرة ظناً أن مساعدة الأغنياء يمكن أن تساعد الاقتصاد". ومن أبرز سياسات ترامب الاقتصادية قانون خفض الضرائب والوظائف لعام 2017، التي خفضها على الشركات من 35 في المئة إلى 21 في المئة. كما خفض الضرائب على الأفراد وخاصة الفئات الأعلى دخلاً.
 
يرى الحزب الديموقراطي أنّ الاقتصاد ينتعش بنمو الطبقة المتوسطة ويطالب بأن تكون هناك ضرائب متكافئة بنسبة الدخل. يعني هذا أنه كلما زاد الدخل زادت الضرائب على أصحاب الدخول المرتفعة، مع إعطاء ميزات ضريبية لمساعدة الفقراء والعمل الاجتماعي والتنمية. أما بالنسبة للحزب الجمهوري، فيرى أن خفض الضرائب على أصحاب رؤوس الأموال يؤدي إلى إنفاق أكثر فيؤثر ذلك على الاقتصاد بشكل إيجابي ويسمح بدعم الفقراء.
 
على صعيد الإنفاق الحكومي، عمل ترامب على تقليص الإنفاق الحكومي في بعض المجالات، مثل الرعاية الصحية والبرامج الاجتماعية، سعياً لتقليل العجز الفيديرالي، مقابل الزيادة الكبيرة للإنفاق على الدفاع والأمن القومي. أمّا بايدن، فركز على تعزيز الإنفاق في مجالات الرعاية الصحية، والتعليم، والبنية التحتية، والطاقة النظيفة. وسعى إلى تمرير خطط إنفاق كبيرة مثل خطة الإنقاذ الأميركية وخطة الوظائف، بهدف تحفيز الاقتصاد وتحقيق نموّ طويل الأمد من خلال الاستثمار في رأس المال البشري والبنية التحتية.
في المحصّلة، تعكس السياسة الاقتصادية لكل من بايدن وترامب رؤى مختلفة وتوجهات متمايزة تجاه كيفية إدارة الاقتصاد الأميركي، ليبقى الحكم الأخير هو الناخب الأميركي الذي سيحسم المعركة، فلمن سيصوّت؟