أثارت محاولة اغتيال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب موجة من التوتر والقلق في الأسواق المالية العالمية، أحدثت اضطراباً في أداء المستثمرين وأسعار السلع من نفط وذهب، إضافة إلى سعر الدولار والعملات المشفرة.
عند تداول أخبار مفاجئة أو صادمة، تجنح الأسواق المالية إلى الرد بشكل سريع وعاطفي، فتشهد في البداية انخفاضًا حادًا في قيمة الأسهم، إذ يبادر المستثمرون إلى بيع أسهمهم لتجنب المخاطر المحتملة. في الغالب، يندفع المستثمرون فوراً إلى حماية أصولهم من التقلبات الحادة التي تصاحب مثل هذه الأحداث، إذ ترفع الطلب على الأصول الآمنة كالذهب والسندات الحكومية، وهي التي يلجأ إليها العديد من المستثمرين لتقليل المخاطر وتأمين أموالهم، نتيجة التراجع الحاد في منسوب الثقة.
هذا الطلب يضمن استمرار سعر الذهب في الارتفاع في المرحلة المقبلة، بحسب محلل الأسواق المالية خالد جمال الخطيب، متوقعاً لـ"النهار" أن يحقق المعدن الأصفر مكاسب جديدة، "وقد يتخطى سعره أرقاماً قياسية مدعوماً بآمال خفض الفدرالي الأميركي أسعار الفائدة، ما يؤدي إلى تراجع الطلب على الدولار وعلى سندات الخزانة الأميركية".
تذبذب سيطول
لا شك في أن لمحاولة اغتيال ترامب أثراً كبيرا في أداء الأسواق المالية، لكنها ليست العامل الوحيد الذي يتحكّم في هذا الأداء. يقول الخطيب: "ما تشهده الأسواق اليوم من تذبذب في الأسعار ليس مؤقتاً، وقد يستمر إلى ما بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الأميركية، وحتى الموعد الرسمي لتخفيض الفائدة في 5 تشرين الثاني (نوفمبر) 2024"، مضيفاً عوامل أخرى تؤدي دوراً رئيسياً في استقرار الأسواق، "مثل بيانات التضخم الأميركي، ومسار الحرب الروسية – الأوكرانية المفتوحة على كل الاحتمالات إن وصل ترامب إلى البيت الأبيض، والاضطراب الجيوسياسي في الشرق الأوسط".
والأمر نفسه ينسحب على النفط. فبعد محاولة اغتيال ترامب، شاعت مخاوف من تأثيرات طويلة الأمد على سياسات الطاقة الأميركية وعلاقاتها الدولية، فربما يؤدي هذا إلى ارتفاع أسعار النفط على المدى القصير، لكن الوضع قد يستقر بمجرد وضوح الرؤية بشأن التداعيات الحقيقية لمحاولة الاغتيال. ولا مفر من الاعتراف بارتفاع سعر برميل النفط بعد تعثر الجهود الأميركية لعقد ما سمي "صفقة بايدن" لتبادل الرهائن بين إسرائيل و"حماس" السبت الماضي، وبعد غارة قالت تل أبيب إنها استهدفت محمد الضيف، قائد كتائب القسام، وأدت إلى مصرع 90 مدنياً فلسطينياً.
إلى ذلك، تبقى أسواق النفط رهينة تخفيض الإمدادات التي تعتمدها الدول الأعضاء في منظمة "أوبك+"، مع إعلان وزارة النفط العراقية استعدادها لتعويض أي فائض في إنتاج النفط منذ بداية عام 2024.
الملاذ الرقمي الآمن
صارت العملات المشفرة ملاذًا استثماريًا في الأوقات المضطربة. فبعد انتشار خبر محاولة اغتيال ترامب، ارتفع سعر بيتكوين أكثر من 2.5 في المئة، كاسرًا حاجز 60 ألف دولار.
يرد الخطيب ذلك إلى سياسات ترامب الداعمة للعملات المشفّرة، "فمحاولة اغتياله عززت حظوظه بالفوز في الانتخابات، ما حوّل الأصول المرتبطة بما يسمى ’تجارة ترامب‘ من الدولار إلى سندات الخزانة إلى أسهم ذات مخاطر عالية".
ويضيف: "لعب تأييد الثريين بيل أكمان مدير صندوق التحوط، وإيلون ماسك الرئيس التنفيذي لشركة تسلا، ترامب في السباق الرئاسي دوراً مهماً في رفع الطلب على العملات المشفّرة".
لكن! ربما يعيد المستثمرون تقييم مواقفهم ما إن تتراجع المخاوف الأولية باتضاح الصورة وإعلان نتائج التحقيقات في محاولة الاغتيال، ليبقى تأثير محاولة هذه الواقعة على الأسواق المالية مرهوناً بالاستجابات السياسية والاقتصادية للحكومة الأميركية، إضافة إلى تطورات الأحداث التالية وحسن إدارتها، "فالمحافظة على الاستقرار السياسي وطمأنة المستثمرين يهدئان الأسواق ويقللان تقلباتها"، بحسب الخطيب.
ويبقى على المستثمرين متابعة التطورات بحذر، واعتماد استراتيجيات متوازنة للتعامل مع مثل هذه الأحداث غير المتوقعة، بسرعة لكن من دون تسرّع.