اقتصاد الهند واحدٌ من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم. ومع هذا النمو الهائل، وصل عدد كبار الأغنياء فيها إلى رقم قياسي بلغ 200 ملياردير. وتشكل ثروات الأثرياء في هذا البلد صورة فيها الكثير من التناقض، تعكس التقدم الاقتصادي من جهة والانقسام الطبقي من جهة أخرى. ويتطلب التعامل مع التحديات الناتجة من هذا التناقض تبني سياسات تهدف إلى تحقيق توزيع أكثر عدالة للثروة، وتعزيز فرص التعليم والخدمات الأساسية للجميع، وتقليل الفوارق الاجتماعية لتحقيق تنمية مستدامة وشاملة.
يضم مجتمع الأعمال الهندي مجموعة من كبار الأثرياء، يحتلون مكانة مرموقة على خريطة الثراء في العالم. نذكر منهم:
موكيش أمباني
رئيس شركة Reliance Industries العملاقة للنفط والغاز. تقدر ثروته بنحو 122 مليار دولار في عام 2024. أحيط بالأضواء مؤخراً بعد زفاف نجله الأسطوري، وهو الآسيوي الوحيد الذي صار عضواً في نادي الـ "100 مليار دولار".
جوتام أداني
يدير "مجموعة أداني"، وهي تكتل ضخم تشمل أعماله مجالات الطاقة والبنية التحتية والنقل. تقدر ثروته بأكثر من 84 مليار دولار، وهذا يجعله ثاني أغنى شخص في الهند في عام 2024.
شيف نادر
ثالث أغنى شخص في الهند، تزيد ثروته على 35 مليار دولار. يرأس شركة HCL Technologies، التي تبلغ إيراداتها 9.7 مليارات دولار، وتعد واحدة من أكبر مزودي خدمات البرمجيات في الهند.
سايروس إس بوناوالا
رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب في مجموعة "سايروس بوناوالا" التي تضم معهد سيروم الهندي، وهي شركة هندية للتكنولوجيا الحيوية تعد أكبر مصنعة للقاحات في العالم، وشركة "بوناوالا فينكورب"، إحدى الشركات الرائدة في مجال الخدمات المالية غير المصرفية في الهند. تبلغ ثروته 22.6 مليار دولار.
راداكيشان دماني مؤسس ورئيس سلسلة DMart للبيع بالتجزئة، وتبلغ ثروته 22 مليار دولار.
أسباب تزايد ثروات الأثرياء
يعود تزايد ثروات الأثرياء في الهند إلى عوامل عدة، في مقدمها النمو الاقتصادي السريع. فقد شهد الاقتصاد الهندي طفرة نمو ملحوظة، إذ نما بنسبة 8.4 في المئة خلال الربع الأخير من عام 2023، ما أتاح فرصاً كبيرة للاستثمار وتحقيق الأرباح.
وأدى التقدم التقني في الهند دوراً رئيساً في مراكمة الثروات، إذ ساعد على بروز شركات تقنية ضخمة، وعلى تحقيقها أرباحاً طائلة. ففي عام 2023، سجلت صناعة تقنية المعلومات في الهند إيرادات بقيمة 245 مليار دولار. ويتوقع تقرير صادر عن "ناسكوم" في عام 2023 أن تحقق صناعة التقنيات الحديثة في الهند 500 مليار دولار بحلول عام 2030.
كانت السياسات الاقتصادية التي تبنتها الحكومة الهندية العامل الثالث لتزايد الثروات في البلاد، إذ حفّزت هذه السياسيات التدفق الاستثماري، الأجنبي والمحلي على السواء. وبهذه التدفقات، صارت سوق الأسهم والأوراق المالية الهندية رابع أكبر سوق في العالم، متجاوزة بورصة هونغ كونغ.
على الرغم من هذا الثراء الذي يوصف أحياناً بـ "الفاحش"، يعاني المجتمع الهندي انقساماً طبقياً كبيراً، يردّ في الدرجة الأولى إلى الفقر المستشري بين الهنود. فالقسم الكبير من السكان يعيش تحت خط الفقر، ويعاني نقصاً في الخدمات الأساسية، مثل التعليم والصحة. إلا أن الهند سجلت أخيراً تراجعاً في نسبة الفقر من 29,17 في المئة في 2013-2014 إلى 11,28 في المئة في 2022-2023، بنسبة تراجع عند عتبة 17,89 في المئة. وبذلك، خرج 250 مليون مواطن هندي تقريباً من دائرة الفقر المتعدد الأبعاد خلال السنوات التسع الأخيرة. وهذا دليل على نجاح برامج "التخفيف من حدة الفقر" التي تنفذها حكومة ناريندرا مودي.
إلى الفقر، تنضمّ الفوارق التعليمية إذ تفتقر العديد من المناطق الريفية إلى الوصول إلى التعليم الجيد، ما يحد من فرص التنمية الاقتصادية للفقراء. وعلى الرغم من الزيادة الحقيقية والكبيرة في نصيب الفرد من الاستهلاك، والتي بلغت 2.9 في المئة سنوياً منذ عام 2011-2012، ما زالت الهند تعمل على خفض معدلات عدم التكافؤ الاقتصادي، فيما يلعب التمييز الطبقي والعرقي دوراً كبيراً في المجتمع الهندي، ما يعزز الفجوة بين الأثرياء والفقراء.
أخيراً، لا شكّ في أن التوزيع غير المتكافئ للثروة من أبرز العوامل التي تعمّق الانقسام الطبقي في الهند. واتجهت الحكومة إلى التركيز على إعادة توزيع الموارد والدخل، وضمان حصول جميع المواطنين على وقود الطهي الحديث والكهرباء والمياه المنقولة بالمواسير والسكن والرعاية الصحية وخدمات الشمول المالي.