النهار

فرص عمل "موسميّة" للشباب... بيرم لـ"النهار": لنتخلَّ عن ثقافة "البريستيج اللبنانيّ"
بتول بزي
المصدر: "النهار"
فرص عمل "موسميّة" للشباب... بيرم لـ"النهار": لنتخلَّ عن ثقافة "البريستيج اللبنانيّ"
المهن المتعدّدة (تعبيريّة).
A+   A-
لا تعكس الزحمة في المطاعم والمنتجعات، خلال الصيف، حقيقة الواقع الاقتصاديّ والاجتماعيّ للبلد. فمن المعروف أنّ قطاعَي السياحة والخدمات ينشطان في المواسم، وسرعان ما يعودان إلى ركودهما المتفاقم منذ العام 2019.
 
الأزمة الاقتصاديّة أثقلت كاهل الشباب وأفقدت السوق اللبنانيّة فرص العمل المناسبة لهم، خصوصاً الخرّيجين من ذوي الكفاءات الّذين يرفضون العمل في وظائف قد تُصنَّف "عاديّة"، خاصّة وأنّ الرواتب ليست مشجّعة، وفق تعبيرهم، وقد لا تصل إلى 300 دولار في بعض الوظائف، فيما لا تزال شركات عديدة تُقاضي موظّفيها رواتب بين الليرة والدولار.

بشكل أساسيّ، يعتبر زهد الرواتب السبب الأوّل لهجرة الكفاءات، وسط عجز الشركات الخاصّة على التوظيف، باعتبار أنّ عدداً منها ينازع للبقاء في السوق والمحافظة على تاريخه التجاريّ. وهذا الخلل الجوهريّ في الرواتب يرتبط أساساً باضمحلال الاقتصاد وتراجع قدرة الشركات على التوظيف، إذ إنّها تُفضّل الحدّ من التوظيف اليوم حفاظاً على رأسمالها التشغيليّ.

فكيف يبدو واقع سوق العمل اليوم؟ وما الفرص المتاحة أمام الشباب؟

يفتقر لبنان لإحصاء رسميّ يُبيّن نسبة البطالة في لبنان للعام 2023، فيما تُفيد أرقام "الدوليّة للمعلومات"، التي حصلت عليها "النهار"، بأنّ النسبة تُقارب الـ40 في المئة، مع الإشارة إلى أنّ النسبة قد تكون أعلى لولا هجرة فئة من الشباب، في الفترة الأخيرة، للعمل خارجاً. والبطالة تطال بشكل أساسيّ خرّيجي الجامعات الجُدد.

هذه النسبة لا تتوافق ورأي وزارة العمل، إذ يعتبر الوزير مصطفى بيرم أنّها "تحتاج إلى تدقيق بعض الشيء، إذ لم تلحظ الصفحات التي تعمل عبر "الأونلاين" أو المهن الصغيرة غير المصرّح عنها".

تجهد الوزارة لإعداد دورات مهنيّة بالتعاون مع العديد من الجمعيّات والجامعات، وعلى مختلف الأراضي اللبنانيّة، بهدف إكساب الشباب مهارات تُمكّنهم من تأمين فرص عمل، وخاصّة إذا كانت مبنيّة على دراسة الاحتياجات الملحّة في المجتمع، تبعاً لما يُطلق بيرم على تسميته "منحى الاستعداد والفرصة"، والذي يقوم على مبدأ أنّه "كلّما ضاعفت استعدادي، وحسّنت قابليّتي للعمل، كلّما حصلت على فرصة أكبر".

الإشكاليّة الرئيسيّة تكمن في عدم تقبُّل الشباب للعمل في مهن معيّنة، نتيجة عوامل عديدة يصفها بيرم بـ"البريستيج اللبنانيّ"، ويقول لـ"النهار": "قسم من الشباب وقع ضحيّة النظام الاقتصاديّ الذي كان سائداً والذي يهدف إلى ضرب ثقافة العمل والإنتاج والسعي إلى الربح السريع"، مؤكّداً على ضرورة "تعزيز ثقافة العمل والتوعية وخاصّة لدى العاطلين عن العمل، ولا أعني هنا خرّيجي الجامعات، بل من يقضي وقته يوميّاً يُدخّن النرجيلة، فلا مانع من أن يعمل في محطّة للمحروقات، وخاصّة ألّا مشكلة لدى البعض في هذا العمل خارجاً".

الحاجة الملحّة لخلق فرص العمل في السوق اللبنانيّة ترتبط بتعزيز القدرات المهنيّة والحرفيّة، وإعادة إحياء مهن اندثرت عبر الزمن، إذ يعتبر بيرم أنّ "هناك نظرة دونيّة للتخصّصات الفنّيّة، بخلاف الدول الصناعيّة الكبرى التي تُركّز على البُعدَين المهاريّ والفنّيّ"، لافتاً إلى أنّه "إذا ما جرى الاستثمار بشكل أكبر في القطاع المهنيّ، يمكننا سدّ عدد من الاحتياجات في السوق".

ومواكبة لمرحلة التعافي، مهن عدّة عادت لتنشط في السوق المحليّة، ومنها مهنة الخياطة، ما دفع بيرم إلى زيارة جمعيّة الصناعيّين واستطلاع الواقع المهنيّ ميدانيّاً، معلناً "الاتّجاه لعقد مذكّرة تفاهم معهم تربط المهارة بسوق العمل"، ويقول لـ"النهار": "السوق تخلو من اليد العاملة اللبنانيّة المهتمّة بالخياطة، والآليّة المتّبعة اليوم تسمح للمعامل بتوظيف عمّال أجانب مع إلزامهم بإجراء دورات تدريبيّة لخيّاطين لبنانيّين، ويجب عليهم توظيفهم كأولويّة ما إن يكتسبوا المهارة المطلوبة".

هذه الخطوة تدفع وزارة العمل والمعنيّين إلى إجراء مسح ميدانيّ للمهن التي لا تستقطب اللبنانيّ كثيراً، إضافة إلى النظر في مدى الحاجة إلى العمّال في الأعمال اليدويّة الصعبة كقطاع البناء والزراعة، بالرغم من أنّ المجتمع اللبنانيّ معروف تاريخيّاً بأنّه مجتمع زراعيّ.
 
إلى ذلك، تواكب وزارة العمل نظام الذكاء الاصطناعيّ السائد عالميّاً اليوم، وقد افتتحت "قاعة التدريب التكنولوجيّ والمهاريّ" في وزارة العمل، للبدء في دورات تدريبيّة خلال الأسبوعين المقبلين، وهي مجّانية، وتستهدف الشباب اللبنانيّ بحسب موضوع كلّ دورة.

لا خطّة حكوميّة شاملة لخلق فرص العمل

يرزح البلد تحت وطأة تراجع الاستثمارات نتيجة عدم إقرار خطّة مصرفيّة للتعافي بعد، ما ينعكس سلباً على النموّ وخلق فرص العمل. تؤكّد التقارير الصادرة عن المنظّمات الدوليّة أنّ تحقيق لبنان زيادة في النموّ 1 في المئة، يُخلّف انعكاسات كبيرة جدّاً على الاقتصاد الكلّيّ.

غياب الخطّة الحكوميّة الشاملة على مستوى البلد ينعكس تباعاً على الوظائف في القطاع العامّ أيضاً، حيث الإضرابات عمّقت الأزمة في السنوات الماضية، وأدّت إلى تسرُّب الكفاءات ما خلق أزمة إداريّة في القطاع العامّ، فيما كثّفت وزارة العمال عملها لمواكبة القطاع الخاصّ ببعض الزيادات، وإن لم تفِ الحاجة المطلوبة، لكنّها تعتبرها "خطوة إلى الإمام".

من جهته، يرى العضو في المجلس الاقتصاديّ والاجتماعيّ، عدنان رمّال، أنّه "نحن في حاجة إلى نموّ في الاقتصاد لخلق وظائف، وهذا مسؤولة عنه الحكومة من خلال اتّخاذ إجراءات معيّنة وتحفيزات وقوانين جديدة تُشجّع الشركات على الاستثمار مجدّداً، بالتوازي مع الحاجة إلى قطاع مصرفيّ فعّال".

كما يصف رمّال الواقع الاقتصاديّ المستمرّ منذ خمس سنوات بـ"الصعب جدّاً"، لافتاً إلى أنّ "انهيار سعر الصرف وتراجع حجم الاقتصاد أثّرا على سوق العمل وعلى القدرة الشرائيّة للمواطن، وصولاً إلى الشركات الخاصّة التي تراجعت أعمالها بنسب متفاوتة، وبحسب نوع القطاع، من 40 إلى 70 في المئة".
غالباً، وفي موسم الاصطياف، تتغذّى الدورة الاقتصاديّة من القطاعَين "المطعميّ" والخدماتيّ، والمرتبطَين مباشرة بالمغتربين اللبنانيّين وبعض السيّاح العرب ممّن يقصدون لبنان في مواسم محدّدة، وهو ما لا يُمكن اعتباره سوقاً مستدامةً للعمل في أمد طويل.

وما يُعمّق الأزمة أمام التوظيف أيضاً "عجز المصانع عن تجديد آلاتها ومعدّاتها، والعجز عن خلق خطوط إنتاج في غياب التمويل، فهي تحتاج إلى رأسمال للتكيّف والنهوض. أمّا القطاع التجاريّ، والذي يُعَدّ ثلث الاقتصاد اللبنانيّ، فهو الأكثر تضرّراً، خاصّة في القطاعات غير الغذائيّة"، يقول رمّال.

لم ينهض لبنان بعدُ من أزمته إذاً، وهو يواجه "ركوداً في حدّه الأدنى"، بحسب رمّال، والذي يرى أنّ "الحكومة لم تقم بأيّ إجراءات لخلق فرص عمل ونموّ في الاقتصاد"، مؤكّداً أنّ "لتحرير الودائع دوراً أساسيّاً في إعادة النهوض ما يسمح للناس بالاستثمار في أموالها، وشراء العقارات والاستهلاك".
 

اقرأ في النهار Premium