النهار

الطب في سباق محتدم نحو استخدام الذكاء الاصطناعي
المصدر: "النهار"
الطب في سباق محتدم نحو استخدام الذكاء الاصطناعي
تعبيرية.
A+   A-
رولى راشد

استطاع الذكاء الاصطناعي بسرعة قياسية التغلغل في داخل معظم القطاعات محدثاً تغييرات كبيرة وغير مرتقبة، ليتربّع على عرش الثورة التكنولوجية الآتية بالحلول والمعجزات أحيانا كثيرة، والمعطّلة لمشاعر الإنسان في أغلب الأمور.

هناك شبه إجماع حول فكرة أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تعمل على تحسين أداء المؤسسات وإنتاجيتها عن طريق إنجاز العمليات أو المهام التي كانت في السابق تتطلب قوة بشرية. كما يمكن للذكاء الاصطناعي فهم البيانات على نطاق واسع لا يمكن لأي إنسان تحقيقه.

يقول براد سميث، الرئيس والمدير القانوني في شركة "مايكروسوفت": "الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات، بالإضافة إلى الخبرة المتمثلة في العلوم البيئية والمساعدات الإنسانية، ستساعد على إنقاذ المزيد من الأرواح وتخفيف المعاناة، وذلك عن طريق تحسين الطرق التي تتنبأ بحدوث الكوارث قبل أو بعد وقوعها، وتعزيز وسائل التعامل معها."
صحيح أن الذكاء الاصطناعي لن يحكم العالم، ولكنه سيغيّره .
وربما الحاجة إلى هذه الثورة هي أكثر من ضرورية في القطاع الصحي الذي يبحث عن مفاتيح القضاء على الأمراض وتحديث وسائل معالجتها .

لم تعد المساعدة التي يقدمها الذكاء الاصطناعي للطب في مجالات عدّة خافية، وهي: التشخيص، الجراحة بمساعدة الروبوتات، التعليم والتدريب الطبي، علم الجينوم، التنبؤ بتوقف القلب المفاجئ، عبر تحليل المعلومات الطبية في السجلات الصحية، علاج السكتات الدماغية بشكل أسرع، وتعزيز كفاءة الأشعة التشخيصية وغيرها...

كيف ساهم استخدام الذكاء الاصطناعي بتطوير القطاع الصحي على صعيد الطبابة والاستشفاء؟
الخطيب

يقول الاختصاصي في علم الأوبئة، الأستاذ المشارك في الصحة العالمية، والمنتسب إلى معهد كارولينسكا -جامعة الطب في السويد، البروفسور زياد الخطيب لـ"النهار": "أثبتت الدراسات دور الذكاء الاصطناعي الناجح في:

أولاً: مساعدة التشخيص الطبي. مثلاً، في تحليل صور الأشعة والرنين المغناطيسي وقراءة الشرائح المخبرية، وفي بعض الحالات المستعصية. وهذا له نتائج إيجابية على صعيد توفير الوقت والتكلفة الصحيّة. طبعاً، يحول دون حدوث أيّ مضاعفات للأمراض.
ثانياً: تحليل البيانات الكبيرة؛ فمع التقدّم المستمر للتكنولوجيا، لاسيما بعد جائحة كوفيد -19، أصبح لدينا بيانات صحيّة كبيرة ومتنوّعة (مثلاً بيانات طبية، وجينية). وهنا، يمكن للذكاء الاصطناعي المساهمة بفاعلية في التحليل الطبي، والتقدّم باقتراحات للتشخيص والعلاج.

ثالثاً: تسريع وتيرة الأبحاث ومساندة الطاقم الصحيّ في تحليل البيانات بسرعة كبيرة وبدقة. مثلاً، يساعد في قراءة المعلومات المصابين بأمراض مزمنة والمتقدّمين في السنّ، وذلك على فترة طويلة. وبالتالي، إعطاء ملخّص طبيّ واضح.

رابعاً: في موضوع تلقيح الأطفال، يمكنه تحسين جداول التلقيح من خلال تحليل البيانات لمواعيد دقيقة، وتخفيف الفجوات في تغطية اللقاحات، إلى جانب توجيه رسائل تذكير بالمواعيد للأهالي، بما يضمن الالتزام بالمواعيد. هذا غيض من فيض نكتشف أهميته يومياً."

أي دور له في تحدّي الطب لمرض السرطان؟

يلفت البروفسور الخطيب إلى "أن الذكاء الاصطناعي يساعد الطاقم الصحي في الكشف عن السرطان بوساطة الأشعة السينية (x-ray) ، ومختبرات علم الأمراض (pathology) بدقة، خصوصاً عندما يكون لدينا آلاف المرضى. وهنا، يتضاءل وقت الانتظار فيما يتم دعم موظفي الرعاية الصحية للعمل بكفاءة أكبر. وعلى سبيل المثال، استثمرت الخدمات الصحية الوطنية في بريطانيا أكثر من 21 مليون جنيه استرليني خلال عام 2023 لدمج فائدة الذكاء الاصطناعي في فحص سرطان الرئة.
وإذ يؤدي الذكاء الاصطناعي دورًا مهمًا في مجال علاج السرطان بشكل عام، حيث يتم اختباره في كيفية التنبّؤ بدقة لمدى استجابة الخلايا الفردية للأدوية المنفردة وتركيبات الأدوية، تبقى الإشارة إلى أن علم الأورام الدقيقة هو نهج لرعاية مرضى السرطان، تُستخدم فيه معلومات عن الورم، مثل المؤشرات الحيوية له لتوجيه العلاج."

دور ومسؤولية

"بفضل قدرته على معالجة مليارات البيانات في وقت قصير، فإن الذكاء الاصطناعي يخفف العمل الفني للطبيب، الذي سيكون لديه المزيد من الوقت للإنسان"، وفق ما يوضح البروفيسور جان إيمانويل بيبولت، طبيب الأورام ومؤلف "مقال2041: ملحمة الطب". ويضيف: "بل إنه أفضل من البشر بتشخيص أو استهداف الأورام المُراد إخضاعها للأشعة".
لكنه في غضون ذلك، وفق ما يقول بيبولت: "الذكاء الاصطناعي لا يحلّ محل الأطباء والممرضات على الإطلاق. سيكون الطبيب دائماً مسؤولاً عن التشخيص النهائيّ، لا سيما أنه استنادًا إلى المنطق والإحصاءات والبيانات من الماضي، فإن الذكاء الاصطناعي حتى الآن يفتقر بشدة إلى الحدس، وحتى الإبداع".

صحيح أن التكنولوجيا قادرة على تحسين الرعاية الصحية وتشخيص الأمراض، إلا أنها قد تؤثر أيضاً على العلاقة بين الأطباء والمرضى. قد يشعر بعض المرضى بالقلق من التعامل مع آلة بدلاً من أن يتعاملوا مع طبيب حقيقيّ.

بالنسبة إلى البروفسور الخطيب: "الذكاء الاصطناعي سوف يطوّر دور كلّ من الطبيب والمهن الطبية. ولن يعطّل أيّ دور لهما، لأنه أضاف أبعاداً جديدة. فالطاقم الصحي والطبي له دور حاسم في الرعاية الصحية؛ فالتفاعل الإنساني مهمّ. وفي نهاية الأمر، المسؤولية تقع دائماً على الطاقم البشري وليس على الطاقم التكنولوجي".
أيّ دور سيكون له في المستقبل؟

يجمع الباحثون على أن الذكاء الاصطناعي سيكون رائداَ في مجال تطوير الرعاية الصحية والطبية. فهو:
- سيعزّز العدالة في الرعاية الصحية من خلال تحقيق توازن بين التقدم التكنولوجي والاحتياجات الإنسانية. مثلاً، من خلال تقديم خطة علاجية صحيّة لكل فرد بناءً على تاريخه الصحي.
- سيساهم في تحسين جودة الرعاية الطبية وتخفيف الأعباء المادية في الخدمات الصحية من خلال تحسين إمدادات/ مخزون الأدوية، وتحسين الكفاءة الإدارية لجدول مواعيد المرضى.

ويقول الخطيب: "نتوقع في المستقبل أن يتحقق التكامل ما بين الذكاء الاصطناعي واللمسة الإنسانية في الرعاية الصحية، ممّا سيؤدي إلى نظام صحيّ أكثر إنسانية، مستدام وفعّال. ويجب أن يكون الهدف الأساسي تحسين حياة الأفراد وتعزيز الصحة العامة بشكل يحقّق توازناً بين التقدم التكنولوجي واحتياجات الإنسان الصحية."

السباق محتدم اليوم على تطوير الاعتماد على الذكاء الاصطناعي بين معظم الدول المتطورة، وإن كانت المعلومات تلحظ الاستخدام الجيّد له في كل من أميركا الشمالية وأوروبا الشمالية والصين والهند وغيرها من البلدان. ويبقى الأمل في أن ن يكون الخير ومصلحة الإنسان هما الهدف.
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium