في خطوة متقدمة على صعيد العلاقات الاقتصادية والسياسية بين تركيا والمملكة العربية السعودية، انطلقت أولى جولات مفاوضات التجارة الحرة بين دول الخليج وتركيا في أنقرة، وذلك في توقيت حساس. فقد ساهم انفتاح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على دول الخليج، وزيارته لها بعد انتخابه، في كسر الجليد وفتح صفحة علاقات اقتصادية جديدة بين الجانبين، بحسب ما يقول الخبير الاقتصادي د. محمد موسى لـ"النهار"، مضيفاً: "عندما تنتعش العلاقات السياسة بين بلدين، ينعكس ذلك تلقائياً على الاقتصاد، لذا شهدنا زيارات قام بها رجال أعمال ووفود حكومية إلى تركيا، بينهم وزير الاستثمار السعودي الدكتور خالد الفالح".
ميزات تفاضلية
التوقيت يلائم الجميع، فالمنطقة تشهد تطورات كبرى، وثمة نظام اقتصادي جديد قيد التشكل، فيما تحتاج تركيا إلى انتعاش اقتصادي وبعد الأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي واجهتها، "ومن هنا التقارب الخليجي - التركي مطلوب من الطرفين، فتعاونهما الاقتصادي لا يقتصر على تشجيع التبادل تجاري، إنما يتضمن ميزات تفاضلية وجمركية، تنصّ على تفضيل السلع الوطنية للدولتين، إلى جانب البحث في المسائل الفنية في مجالي الاتصالات والصناعات العسكرية"، كما يقول موسى، مشيراً إلى أن هذا التعاون يستهدف رفع حجم التجارة البينية بين السعودية وتركيا من 4 مليارات إلى 10 مليارات دولار، ورفع التبادل التجاري بين الإمارات وتركيا من 8 مليارات إلى 50 مليار دولار.
القطاعات الصناعي والزراعي والعسكري هي الأكثر استفادة من هذا التعاون. يقول موسى: "تركيا تحتاج إلى نفط الخليج لتقوية صناعاتها، ودول الخليج تحتاج إلى تركيا لخفض تكلفة الإنتاج في صناعاتها"، لافتاً إلى مسألتين مهمتين: "الأولى، نفطية، فربما يساهم التعاون الاقتصادي الشامل بين الطرفين بجعل تركيا مصباً للغاز الروسي، والثانية، سياسية، فما تمثّله السعودية من ثقل إسلامي عربي مقابل الثقل الإسلامي التركي، قد يفرض على الطرفين التعاون في ظلّ إقليم ملتهب لتنفيس الاحتقان السياسي الذي يترجم خسائر اقتصادية عالمية"، خصوصاً مع ما نشهده من تداعيات الحرب في غزة على خطوط النقل البحري، بسبب الاعتداءات "الحوثية" على السفن التجارية في البحر الأحمر وباب المندب.
إعادة تموضع
إلى ذلك، تعزيز الاستثمارات بين تركيا ودول الخليج يعني دخول مبالغ طائلة بالقطع الأجنبي إلى الأسواق التركية، "وهذا يدعم الليرة التركية التي تتأكل قيمتها الشرائية، ويساهم في تعزيز الاستقرار النقدي والمالي، وبالتالي الاستقرار السياسي الذي يرغب به أردوغان، إضافة إلى تحقيق المزيد من العدالة الاجتماعية والتنمية"، كما يقول موسى، مضيفاً: "على الضفة الخليجية، تسمح اتفاقية التجارة الحرة بتعزيز تنافسية الاقتصادات الخليجية، وتسمح للخليجيين والاستفادة من التجارب الصناعية والزراعية التركي، خصوصاً في عقد الشراكات التبادلية بين القطاعين العام والخاص في الدولتين".
كذلك، ترغب السعودية في فتح أسواق جديدة لمنتجاتها الأحفورية، وهو ما ترحب به الأسواق التركية لأنه يمنحها أسعاراً تفاضلية. في المقابل، ترغب الصناعات التركية في دخول أسواق الخليج التي تحوي أكثر من 50 مليون مستهلك، مع ميزة تفاضلية عبر اتفاقية التجارة الحرة التي تعفيها من الرسوم.
من جهته، يقول الخبير الاقتصادي د. بلال علامة لـ"النهار" إن تركيا من بين الدول الكبرى التي تعيد تموضعها الاقتصادي في المنطقة، وتسعى إلى بناء علاقات تعود بالفائدة الاقتصادية عليها وعلى الطرف الآخر، "حيث أن الدول التي كانت غارقة في العولمة ذات القطب الواحد، ومنها الدول العربية وتركيا، أدركت أن هذا النظام لم يعد مفيدًا لها، وبالتالي بدأت البحث عن سبل أخرى للنمو الاقتصادي والاستفادة المالية والاقتصادية، فكانت فكرة الانفتاح التركي على دول الخليج مع رسائل واضحة ومهمة جدًا للأحلاف الجديدة أو التكامل الاقتصادي الجديد الذي قد ينشأ في هذه المنطقة".
جاذبية سياحية
ويشير علامة إلى علاقة سابقة تربط دول الخليج بتركيا على الصعيد السياحي، "فبعدما كان معظم الخليجيين يزورون سوريا ولبنان، توجهوا أخيراً إلى تركيا، فانخفاض قيمة الليرة التركية يجعل من تركيا بلداً جاذباً للسياح الخليجيين، إضافة إلى أن تركيا تقدمت كثيرًا في السنوات الأخيرة وقدمت نماذج سياحية جيدة جدًا، كما تقدم تسهيلات مميزة للخليجيين، من ناحية الإقامة والدخول من دون تأشيرة، وتحويل الأموال، وهذه المقومات تدعم اتفاقية التجارة الحرة، ما يسهل العلاقات التجارية بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي".
ويختم علامة بالقول: "لا ننسى أن الرياض تفتح لأنقرة بوابات العبور إلى دول الشرق، كالهند وباكستان والصين وغيرها، وهذا يفتح لها أسواقاً جديدة، خصوصاً في قطاع السياحة، الذي تنافس فيه أفضل الفنادق والمنتجعات على البحر".