يترقّب اللبنانيون التطوّرات الأمنية في الساعات والأيام المقبلة وسط تخوّف من أن يؤدي التصعيد الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية إلى انزلاق البلد نحو حرب شاملة، ستنعكس سلباً على مختلف القطاعات الحيوية.
أول ما يتبادر إلى أذهان الناس في حالة الحرب هو مصير الاتّصالات والانترنت، بعدما اختبر العالم انقطاع أهالي غزّة عن محيطهم، عقب انقطاع شبكات التواصل حينها، ودخولهم لأيام في عزلة عالمية في بداية الحرب. فهل لبنان أمام خطر العزلة أيضاً في حال اندلاع الحرب؟ وما الخطط البديلة لانقطاع الانترنت؟
السيناريو الأسوأ الذي يتهدّد لبنان عند اندلاع أيّ حرب هو تضرّر مخارج الكابلات البحرية، وعندها سنكون أمام أزمة كبيرة ستؤدي إلى انقطاع خدمة الانترنت بشكل كلي في البلد. إلّا أنّ هذا الأمر يبدو مستبعداً برأي المدير العام لهيئة "أوجيرو" عماد كريدية، الذي يعتبر أنّ "هناك مصلحة دولية في أن يبقى لبنان متّصلاً ببقية دول العالم".
رأي كريديه يتقاطع مع رأي مهندس الاتصالات والمعلوماتية سلوم الدحداح، إذ يكشف لـ"النهار" أنّ "الكابل البحري لا يُغذي لبنان فقط، وفي حال تعرّضه لاعتداء، فسيؤدي إلى انقطاع الانترنت في دول عربية عديدة أيضاً، وهذا ليس من مصلحة أحد".
خطة طوارئ لمرافق الدولة
لا سبيل للبنان إلّا أن يتغذّى بالانترنت عبر البحر، إذ إنّ الواقع في لبنان اليوم يقسم إلى قسمَين: الجانب الإسرائيلي على الحدود الجنوبية، والجوار السوري الخاضع لقانون قيصر، "مّا لا يُبقي أمامنا وسيلة إلّا البحر لتغذية الانترنت، وفي حال انقطاع هذه الكوابل لا بديل منها"، بحسب كريدية.
ووسط تنامي القلق من اندلاع الحرب، يكشف كريدية عبر "النهار"، أنّ هيئة "أوجيرو" وضعت، وبالتنسيق مع وزارة الاتصالات ولجنة الطوارئ الحكومية، "خطة بديلة تُمكّن الدولة اللبنانية وأجهزتها والمصرف المركزي والمستشفيات وأجهزة القوى الأمنية والدفاع المدني من المحافظة على اتّصالها بالانترنت، إلّا أنّ هذا الأمر ليس متاحاً للعموم".
وماذا عن الاتصالات الهاتفية؟ يعتبر كريديه أنّ "الضرر الذي يمكن أن يلحق بشبكة الاتصالات الأرضية مرتبط بحجم الأذى، ويمكن أن تتأثّر الاتصالات في المواقع المستهدَفة فقط، ولا يؤدي ذلك إلى انقطاع تامّ للاتصالات في لبنان".
إلى ذلك، يصف كريديه عمل الهيئة بـ"الجيد"، مؤكداً على الجهوزية التامّة للطوارئ، أمّا البلدات المنقطعة عن الإنترنت والاتصالات الأرضية في الجنوب، فيؤكد أنّها "فقط تلك التي يتعذّر على عناصر الصيانة في الهيئة الوصول إليها لأسباب أمنية فقط لا غير، وعادةً ما نتحرّك برفقة قوات اليونيفيل والجيش اللبناني".
الخطة البديلة: هل خدمة "ستارلينك" متوافرة في لبنان؟
يذكر اللبنانيون الحملة التي تصدّرت مواقع التواصل الاجتماعي، في مطلع العام الحالي، والتي طالبت إيلون ماسك بتزويد غزّة المحاصرة بخدمة "ستارلينك" عبر الأقمار الاصطناعية، فهل هذه الخدمة متاحة في لبنان؟
يؤكد المهندس سلوم الدحداح "ألّا بديل عن الكابلات البحرية في لبنان إذ إنّ خدمة الـ4G وأوجيرو منطلقة من الكابلات البحرية، فيما أوقفت وزارة الاتصالات خدمة "ستارلينك" في وقت سابق، إضافة إلى منع خدمة Vsat أيضاً".
السيناريو المقلق اليوم هو على غرار ما حصل في عدوان تموز 2006، حينما حاصرت إسرائيل لبنان برّاً وبحراً وجوّاً وانقطعت المواد النفطية والفيول عن البلد، ما أدّى إلى توقّف عمل المولدات المشغّلة لسنترالات الإرسال، ولا سبيل حينئذ لخطة بديلة تُعيد تشغيل الانترنت.
يؤكد الدحداح لـ"النهار" أنّ "الحلّ الوحيد في هذه الحالة هو السماح لـ"ستارلينك" بالدخول إلى البلد، بعدما منعتها وزارة الاتصالات من تقديم خدمتها في لبنان، متذرّعةً حينها بالتنصّت الإسرائيلي".
تُعدّ "ستارلينك "أوكسيجين" البلد عند أيّ طوارئ، إلّا أنّ الإشكالية الأساسية لتشغيلها في لبنان، بحسب الدحداح هو "تكلفتها المرتفعة نسبةً إلى خدمات أوجيرو وغيرها، إذ تصل إلى نحوا 250 دولاراً لحجم 1 تيرّا، لكنّ الفائدة الأهم منها هو إيجاد حلّ بديل لخدمات الدولة في حال تعطّلها، ما يُتيح للمواطنين متابعة أشغالهم بشكل طبيعي".
مقارنة الوضع في لبنان بين عامَي 2006 و2024، إن وَقعت الحرب، يحيلنا إلى فورة الإنترنت الكبرى التي سيطرت على البلد والمحيط العربي والعالمي أخيراً، خصوصاً بعد جائحة كورونا، التي أدخلت العمل عبر "الأونلاين" إلى عدد من القطاعات، إضافة إلى التطوّر التكنولوجي الهائل وبروز عالم الذكاء الاصطناعي، ما يجعل لبنان تحت خطر الانقطاع عن العالم في حال تعرّض شبكة الانترنت للضرر الكبير.