بقلق متزايد، يتابع اللبنانيون التصعيد الكبير بين "حزب الله" و"إسرائيل"، وسط مخاوف من أن تتدحرج كرة النار من جنوب لبنان إلى مناطق أخرى، ومن عدم قدرة الجهات المعنيّة على تأمين الحدّ الأدنى من متطلبات الصمود لمواجهة السيناريو الأسوأ.
المخاوف تلك عزّزها احتدام المواجهات على الجبهة الجنوبية واتساع رقعتها، وكذلك اغتيال الجيش الإسرائيلي القائد العسكري في "حزب الله" فؤاد شُكر في منطقة حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت، وتأكيد الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله أن الردّ على عمليّة الاغتيال محسوم، قائلاً: "نحن نبحث عن ردّ حقيقيّ ومدروس جداً وليس ردّاً شكلياً وعن فرص حقيقية".
يأتي ذلك في وقت تتزايد فيه الدعوات للرعايا الأجانب إلى مغادرة لبنان مع تعديلات في الرحلات الجوية وحركة الطيران من لبنان وإليه وفي اتجاه إسرائيل، بعد توعّد إيران بالرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، وسط مخاوف من تصعيد يضاف إلى التوترات القائمة أصلاً والمتصلة بالحرب المتواصلة منذ نحو عشرة أشهر في قطاع غزة.
وفي ظلّ الأزمة الاقتصادية التي أرخت بثقلها على القطاعات كافّة منذ عام 2019، يجد اللبنانيون أنفسهم أمام تحدّيات يتصدّرها أمنهم الغذائي والقدرة على تأمين السلع الأساسيّة.
وكانت نقابة مستوردي المواد الغذائية قد أطلقت نداءً عاجلاً للوزارات والإدارات المعنية، ناشدتها فيه "اتخاذ إجراءات استثنائية وسريعة في ظلّ الظروف الدقيقة والاستثنائية التي يمرّ بها لبنان لتعجيل تخليص معاملات السلع الغذائية المستوردة الموجودة في مرفأ بيروت وتسليمها لأصحابها، تمهيداً لتخزينها في المخازن داخل لبنان بعيداً عن أي مخاطر، من أجل الحفاظ على الأمن الغذائي للبنانيين".
وأكدت النقابة أن مطالبتها ليست شكوى ضد الوزارات والإدارات المعنية بشأن التقصير في معاملات وإخراج البضائع، بل هي لفت انتباه المسؤولين لضرورة اتخاذ تدابير سريعة لنقل السلع الغذائية التي وصلت مرفأ بيروت إلى أماكن آمنة.
استجابة لهذا النداء، أعلن رئيس مجلس الإدارة المدير العام لمرفأ بيروت، عمر عيتاني، في بيان، أن المرفأ وضع طاقمه في جهوزية تامة للعمل على مدار الساعة لتسهيل كل ما يتطلبه إنجاز معاملات السلع الغذائية المستوردة الموجودة داخل المرفأ.
مخزون المواد الغذائية لدى المستوردين يقارب أربعة أشهر، هذا غير المتوفر في السوبر ماركت ونقاط البيع (20 إلى 22 ألف نقطة)، بحسب المدير العام لوزارة الاقتصاد، الدكتور محمد أبو حيدر.
أما الطحين، فيكفي لمدّة شهرين إلى 3 أشهر، بالإضافة إلى الطحين غير المدعوم الذي يُستخدم في "الباتيسري"، فيما يغطّي الغاز المنزلي حاجة البلاد حوالي 5 أسابيع غير المتوفّر في المنازل. أمّا عن المازوت والبنزين، فيؤكد أبو حيدر أنّه كل يوم هناك تفريغ، لافتاً إلى أنّ هذه المادة لا تُخزّن.
يشير أبو حيدر في حديث لـ"النهار"، إلى أنّ "لبنان يستورد أكثر من 80 في المئة من حاجاته"، موضحاً أنّ مفهوم الأمن الغذائي يرتكز على 3 أعمدة هي الوصول إلى الغذاء والحصول على الغذاء وسلامته، وما لم يكن هناك أي حصار على المعابر البحرية فالوصول إلى المواد الغذائية متاح دائماً".
لضمان استقرار الإمدادات، اتخذت وزارة الاقتصاد مجموعة من الإجراءات من بينها بحسب ما يشرح مديرها العام، التوزيع العادل على المستودعات حتى يصبح الحصول على الغذاء متاحاً للجميع.
كذلك طلبت من مستوردي المشتقات النفطية وضع خطة طارئة متوفرة دائماً للقطاعات الاستراتيجية على مستوى المستشفيات والدفاع المدني والمصانع والمخابز تحسباً لأي طارئ.
وعلى مستوى الأسعار، أكّد المدير العام لوزارة الاقتصاد أنّ هناك حوالي 50 سلعة تحت المراقبة الأسبوعية وفي مناطق مختلفة للتأكّد من ضبط الأسعار.
نقيب مستوردي السلع الغذائية هاني بحصلي يؤكد أنّ القطاع محميّ وأقل عرضة للتهديدات، قائلاً "لا انقطاع حتى انقطاع أوصال البلد وساحة المعركة تحدّد الخطوات الواجب اتّباعها".
يضيف بحصلي في حديثه لـ"النهار" أنّ المواد الغذائية موجودة في المستودعات والمحال والمنازل، لافتاً إلى أنّنا "نعتبر أنّنا في حالة طوارئ منذ بدء الحرب، وما اختلف اليوم أن حجم التهديدات أكبر".
وشدّد بحصلي على أنّ بيان النقابة كان الهدف منه تحفيز الناس على عدم الاحتكار، وعلى وزارة الاقتصاد عدم الاكتفاء بمراقبة الأسعار وإرسال مندوبين فقط، بل تأمين البيئة الصحيحة لعدم حصول تجاوزات.
يعود بحصلي إلى حرب تموز 2006 يوم قصفت إسرائيل شاحنات الغذاء، مبدياً أسفه من أنه لا أحد يملك الجواب حول كيفية الوصول إلى المستودعات لتوزيع البضائع في حال أُغلق مرفأ بيروت أو ضُربت المنشآت النفطية، مشدّداً على أنّ إخراج البضائع العالقة من مرفأ بيروت ضرورة.
وفي ظلّ الظروف الاقتصادية والأمنية التي يمرّ بها لبنان، دعا وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال، أمين سلام، الأربعاء الفائت، إلى اجتماع طارئ مع نقابات أصحاب السوبر ماركت، ومستوردين المواد الغذائية، وأصحاب الدواجن واللحوم، وأصحاب المطاحن والأفران، وأصحاب الصناعات الغذائية.
وأعلن سلام أن وزارة الاقتصاد للمرة الأولى ستصدر بالتنسيق مع منظمة الغذاء العالمية تقارير شهرية تطلع المواطنين على أسعار ٧٥ منتجاً من المواد الأساسية في جداول مقارنة مع أسعارها على كافة الأراضي اللبنانية للحدّ من المزايدة وارتفاع سعرها والعمل ولو بشكل تدريجي على استقرار أسعار السلع، وملاحقة الخلل والتحكم بالغلاء والربح غير المشروع نتيجة طمع تجّار الأزمات.
أمّا رئيس نقابة أصحاب المطاحن، أحمد حطيط، فيؤكّد لـ"النهار" أنّ "ستوكات" الطحين داخل المطاحن تكفي لحوالي شهرين ونصف، وأماكن التخزين آمنة للحفاظ على النوعية، والأهراء الموجودة في المطاحن كما الأهراء الموجودة في مرفأ بيروت.
يُطمئن حطيط المواطنين إلى ألّا مشكلة طحين في لبنان "اليوم تمّ إفراغ باخرة، وباخرة أخرى ستصل بعد 3 أيام، وكل أسبوع أو أسبوعين أيضاً سيصل المزيد من البواخر"، إلّا أنّه يحذّر من أنّ الأمور قد تخرج عن السيطرة إذا أُغلق المرفأ.
تتولى لجنة أمنية تحديد كميات القمح الموزّعة، بحسب حطيط. وعن خطّة الطوارئ لإيصال القمح إلى المطاحن وتوزيع الطحين على المخابز في حال اندلاع حرب واسعة، يشدّد على أن "المسؤولية الأساسية في هذه الحالة تقع على عاتق الحكومة والجيش إذا قُطعت الطرقات بسبب القصف".
وعن سعر ربطة الخبز، قال إن وزارة الاقتصاد تحدّدها ونحن ملتزمون بها، واللجنة الأمنية تراقب ضبط الأسعار أيضاً.