بينما شهدت الأسواق المالية العالمية حالة من الفوضى أمس الإثنين، متأثرة بالتباطؤ في سوق العمل الأميركي الذي جعل المستثمرين يخشون حدوث ركود في الولايات المتحدة، إزدادت المخاوف في الأسواق العالمية، من تراجعات إضافية بسبب الاضطرابات الجيوسياسية والتوترات الحادة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط. فقد تراجعت البورصات أمس في مختلف أنحاء العالم، كما شهد النفط انخفاضاً حاداً.
تحتل الاضطرابات في المنطقة المشهد على الساحة الاقتصادية العالمية، لما لها من تأثير مباشر على حركة الأسواق المالية، من أسهم بورصات، وأسعار نفط وعملات ومعادن. أمّا اليوم، فتتجه الأنظار إلى الردّ الإيراني على عملية اغتيال إسرائيل لإسماعيل هنية،، في العاصمة الإيرانية طهران، وكيف قد ينعكس هذا الرد على الأسواق المالية العالمية، حيث تعتمد هذه التأثيرات على مجموعة من العوامل بما في ذلك مدى حدة الردّ، والقطاع المستهدف، وكيفية تفاعل الدول الأخرى مع التطورات.
السيناريو الأول
اعتبرت فرح مراد، محللة أولى للأسواق المالية لدى مجموعة إكويتي في حديث لـ"النهار" أنّه "يمكن تقسيم تأثير الردّ الإيراني على الأسواق المالية إلى سيناريوين. السيناريو الأوّل يقول بردود فعل قصيرة الأجل، فإذا اختارت إيران ضرب هدف عسكري بارز أو موقع محدد، مثل منشآت عسكرية استراتيجية، فمن المحتمل أن يكون التأثير على الأسواق المالية محدوداً وقصير الأمد".
ودعمت مراد توقعها بحالات سابقة، مثل الهجمات الإيرانية على القواعد الأميركية في العراق في كانون الثاني (يناير) 2020، "حيث شهدنا تذبذباً ملحوظاً في الأسواق خلال الفترة القصيرة التي تلت الهجمات، قبل أن تعود الأمور إلى الاستقرار بعد احتواء الوضع"، مشيرة إلى أن "هذه الفترة كانت في ظل حالة من اليوفوريا في الأسواق، مدفوعة بالسيولة المرتفعة واهتمام مستثمرين بالثورة التكنولوجية مثل الذكاء الاصطناعي، التي تواجه الآن اختباراً كبيراً منذ نهاية الأسبوع الماضي".
السيناريو الثاني
أمّا السيناريو الثاني المتوقّع، فهو ردود فعل موسعة، تتابع مراد "فإن كان الرد الإيراني يشمل حلفاء إقليميين مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن، قد تتسارع التوترات كثيراً وتؤدي إلى تأثيرات أعمق وأكثر خطورة على الأسواق"، ومنها تذكر "تعطل حركة الشحن في البحر الأحمر، وهو ممرّ حيوي للتجارة العالمية، ما قد يتسبب بارتفاع حاد في تكلفة الشحن وأسعار التأمين، أكثر مما هي عليه اليوم بعدما ارتفعت بنسبة 173في المئة مع بداية هذا العام". وهذا النوع من التوترات لا يؤثر فقط على قطاع الطاقة، برأي مراد، بل يمتد ليشمل المواد الأولية والشحن، مما قد يؤدي إلى موجات جديدة من التضخم ويقلل من النشاط التجاري والسياحي في المنطقة".
وإذا استمر التصعيد وانعكس تأثيره على أسعار الطاقة "فإن ذلك قد يقلل من احتمالات خفض أسعار الفائدة"، تتابع مراد، "وقد يؤثر كثيراً على تقييمات الأسهم، التي كانت تتداول فوق المتوسطات التاريخية، ويزيد من الضغوط على الأسواق المالية، ما يجعل استقرارها أكثر صعوبة". وتوضح أنّ "تزايد التضخم في ظل عدم القدرة على التحكم فيه عبر السياسة النقدية يمكن أن يخلق أزمات جديدة، ويزيد من تحديات الأسواق المالية".
الشركات المتعدّدة الجنسيات
وفي ظل التوترات الجيوسياسية المتزايدة، قد تتبنى الشركات المتعددة الجنسيات استراتيجيات متنوعة لضمان استمرارية عملياتها، وهو توجه نشهد بالفعل تطوره، وتشرح المحللة الأولى للأسواق المالية، أنّ "هذه الاستراتيجيات تشمل تنويع سلاسل الإمداد لتقليل الاعتماد على مناطق معينة والبحث عن موردين في مناطق جغرافية مختلفة"، متوقعة أن "يشهد قطاع التأمين ضد المخاطر الجيوسياسية ازدهاراً، مع زيادة في الاستثمارات في التدابير الأمنية والدفاعية".
أسعار العملات
وعن تأثير الاضطرابات على أسعار العملات، قالت مراد "يُعدّ الدولار الأميركي والين الياباني عادة ملاذين آمنين في أوقات عدم الاستقرار، حيث يشهد الدولار طلباً متزايداً خلال الأزمات، لكن في ظل التصعيد الحالي، ورغم عمليات البيع في أسواق الاسهم، فإن التوقعات بمزيد من خفض أسعار الفائدة (التي يروّج لها الفيدرالي الأميركي) قد تحد من ارتداد الدولار".
في المقابل، ومع توقعات رفع أسعار الفائدة من قبل بنك اليابان، "قد يستفيد الين من هذه السياسة، خصوصاً في ظل تراجع النمو العالمي، مما يجعل المنتجات اليابانية أكثر جذباً نظراً لانخفاض تكلفتها مقارنةً بالدول الأخرى"، بحسب مراد.
أما اليورو، فقد يكون تأثره غير مباشر وبطيئاً، برأي مراد، التي شرحت أنه "في الوقت الراهن، لا يزال تأثير التوترات الجيوسياسية على اليورو محدوداً، حيث يظل التضخم هو العامل الرئيسي المؤثر في سوق العملات. لكن إذا شهدنا تحولاً نحو استخدام عملات بديلة في التجارة العالمية، مثلما يخطط "بريكس" لتقليص الاعتماد على الدولار واليورو، فقد يتطلب الأمر إعادة تقييم في سوق العملات".
حركة الشحن
يُعدّ مضيق هرمز أحد أكثر الممرات البحرية حيويةً في العالم، حيث كان ممراً لحوالي 20 في المئة من صادرات النفط العالمية. في حالة انقطاعها، ووفقاً لتقارير الصناعة، فإن تكلفة الشحن عبر مسارات بديلة قد تزيد بنحو 20 إلى 40 في المئة بسبب المسافات الأطول والوقت الإضافي اللازم. حيث قد تلجأ السفن إلى طرق بديلة. أحد هذه البدائل هو ممر رأس الرجاء الصالح، الذي هو مسار أطول بكثير يضيف ما يقارب 5,000 إلى 6,000 ميل بحري إلى رحلة الشحن، ما قد يؤدي إلى "زيادة في تكاليف الشحن بمقدار يتراوح بين 30000 و60000 دولار لكل رحلة، بناءً على حجم السفينة ونوع الشحن"، بحسب مراد.
وأضافت أنّ "التوترات قد تؤدي إلى تأخيرات كبيرة في التسليم وزيادة في تكاليف التأمين، مما يزيد من الضغط على الشركات لتأمين بدائل لوجستية وتعزيز مخزوناتها للتعامل مع المخاطر المتزايدة. كما أن الاضطرابات في هذه الممرات قد تؤدي إلى اختناقات في حركة البضائع، ما يؤثر على جميع القطاعات التي تعتمد على الشحن".
الذهب
أمّا حركة الذهب، فغالباً ما تتأثر بالتوترات الجيوسياسية وبقوة الدولار، لكن مع توقعات تقليص الفائدة في الولايات المتحدة، فإن دعم الدولار سيصبح محدوداً، ما قد يمنح الذهب فرصة للارتفاع. وتوقعت العديد من البنوك الكبرى أن يتخطى سعر أونصة الذهب 2600 دولار قبل نهاية العام.
أسعار النفط
وعن أسعار النفط، شددت مراد على أنّ "المخاطر الجيوسياسية لها تأثير محدود على أسعار النفط، ولكن تصاعدها قد يؤدي إلى تغييرات كبيرة في السوق، إلا أن المخاوف من الركود قد تؤدي دوراً في كبح ارتفاع الأسعار. كما يُعتبر النفط أحد العوامل الرئيسية التي تؤثر على تكاليف الطاقة، وأي تقلبات في أسعاره يمكن أن تنعكس بسرعة على تكاليف النقل والإنتاج الصناعي".