النهار

ساعة النمو الاقتصادي العالمي على توقيت الركود الأميركي
باولا عطية
المصدر: "النهار"
ساعة النمو الاقتصادي العالمي على توقيت الركود الأميركي
انخفاض الأسهم الأميركية.
A+   A-
يمر الاقتصاد الأميركي، وهو الأكبر في العالم، بواحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية التي تهدده بالركود، بعد صدور تقرير الوظائف الضعيف يوم الجمعة الماضي عن شهر تموز (يوليو)، ما سبّب موجة من التراجعات الحادة في الأسواق المالية.
والمعروف أن أي ركود يواجهه الاقتصاد الأميركي لا يبقى ضمن الجغرافيا الأميركية، إنما تؤثر تداعياته في النمو الاقتصادي العالمي، وتهز الاستقرار المالي في العالم.

أسباب الركود
 
 من أهمّ أسباب الركود الاقتصادي الذي يهدد أميركا هو تجاهلها القراءات الاقتصادية السلبية التي سجلها الناتج المحلي الإجمالي في أول ربعين متتاليين من عام 2022، بحسب محلل الأسواق المالية أحمد عزام، الذي يقول لـ"النهار": "باتت الولايات المتحدة تغض الطرف عن التراجعات الاقتصادية الأخيرة، حتى لو كانت متوسطة الخطورة، وتنفي أي ركود رسمي".
اكن هذا ليس السبب الوحيد، "إنما هناك عوامل أخرى قد تساهم في حدوث ركود اقتصادي في الولايات المتحدة خلال عام 2024، أهمها تأثير معدلات الفائدة المرتفعة، فأي زيادة في التكاليف على الاقتراض يؤثر بشكل كبير في الإنفاقين الاستهلاكي والاستثماري، وفي سوق العمل، وهذه مسائل تنذر بركود اقتصادي سريع".
ولا ينسى عزام الديون العالية، فيقول: "تشير التقديرات إلى أن ديون الأسر والشركات والحكومة بلغت مستويات قياسية، ما جعل تحمل تحمل هذه الكيانات تكاليف الاقتراض المرتفعة صعباً"، علماً أن الدين العام الأميركي ارتفع إلى أكثر من 35 تريليون دولار لأول مرة في التاريخ، "وهذا يشكل عبئاً كبيراً على الميزانية العامة، خصوصاً مع تجاوز حجم الدين للنمو الاقتصادي"، بحسب عزام، الذي يذكر بأن تصاعد منسوب التوتر الجيوسياسي وارتفاع الانفاق الدفاعي يزعزع النمو الاقتصادي ويرفع عتبة المديونية.

النمو يواجه صعوبات
 
 وبعد أربع سنوات من الاضطرابات الناجمة عن الوباء والتوترات السياسية والتضخم المرتفع والتشديد النقدي، "قد يستقر النمو الاقتصادي العالمي، لكن عند مستوى أقل مما كان عليه قبل عام 2020"، بحسب عزام الذي يضيف: "الآفاق الاقتصادية أكثر إثارة للقلق بالنسبة إلى أفقر اقتصادات العالم، فالدول النامية تواجه صعوبات عدّة، بدءاً بالديون، والقيود التجارية، وانتهاءً بالتكلفة المتصاعدة للتغير المناخي. وعلى الاقتصادات النامية اجتراح الحلول لتشجيع التدفقات الاستثمارية الخاصة، وخفض الدين العام، وتحسين التعليم والصحة والبنية التحتية".
وينبه عزام إلى إمكانية ألا تصح التوقعات باستقرار نمو الاقتصاد العالمي، في حال دخول أكبر اقتصاد في العالم مرحلة الركود. يقول: "إن تراجعاً في الإنفاق الأميركي قد يقلل الطلب على الواردات من دول أخرى، ويحد من الطلب على الأدوات المتصلة بالطاقة"، مضيفاً أن تراجع التدفقات الاستثمارية الأجنبية يواكبه حكماً تراجعاً في المشاريع الاستثمارية الكبرى، "وبالتالي تأخراً في النمو الاقتصادي في بلدان عدة"، متوقعاً أن يؤدي انخفاض النمو في الولايات المتحدة إلى تراجع النمو الاقتصادي العالمي بنسبة تصل إلى 0.2 في المئة.
 
 


بيع جماعي
لمخاوف الركود تأثيرها السلبي على الأسواق المالية العالمية، حيث تواجه أدوات المخاطرة كالأسهم والعملات الرقمية عمليات بيع جماعية، ويتجه المستثمرون إلى الملاذات الآمنة مثل أسواق الدخل الثابت والذهب وبعض العملات التقليدية كالين الياباني والدولار الأميركي والفرنك السويسري.
إلى ذلك، قد تحثّ مخاوف الركود في عام 2024 المستثمرين على شراء الين الياباني، نظراً لخروج بنك اليابان من السياسة النقدية التسهيلية التقليدية، وتبنيه سياسة نقدية متشددة. ويقول عزام: "إن تقليص فروقات الفائدة بين اليابان والولايات المتحدة تحول الين الياباني إلى ملاذ آمن في الوقت الحالي، حيث يلجأ الفدرالي الأميركي إلى خفض الفائدة بينما يرفعها بنك اليابان في وقت لاحق من العام الحالي".
في سوق الأسهم، يردّ محلل الأسواق المالية أسباب التقلبات الكبيرة إلى اعتماد العديد من الشركات العالمية على السوق الأميركية مصدراً رئيسياً للإيرادات، "لذا، أي تراجع في الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري في الولايات المتحدة سيؤدي إلى تراجع أرباح هذه الشركات، ما يؤثر سلباً في أسعار أسهمها"، فيما تواجه أسواق الأسهم العالمية نزيفاً متسارعاً بسبب حال الهلع من الركود، ما يؤدي إلى عمليات بيع جماعية.
وفي فترات الركود، يتجه المستثمرون في الأغلب إلى السندات الحكومية ويرون فيها ملاذاً آمناً، "وهذا يزيد الطلب على السندات الأميركية، فترتفع أسعارها وتتراجع عوائدها، وهذا يؤثر في أعمال المستثمرين الذين يعتمدون على العوائد المرتفعة من السندات الأميركية لتعزيز محافظهم الاستثمارية"، بحسب عزام، الذي يضيف في هذا الإطار: "إن انخفاض العوائد يؤثر في أسعار السندات الحكومية في الدول الأخرى، حيث يتدفق رأس المال نحو السندات الأكثر أماناً، أي السندات الأميركية".

التجارة العالمية
في التجارة العالمية، يشدد عزام على أن أحد التأثيرات المباشرة للركود الاقتصادي في الولايات المتحدة هو انخفاض الطلب على الواردات، "فأميركا واحدة من أكبر المستوردين في العالم، وهذا يؤثر بشكل سلبي ومباشر على الاقتصادات التي تعتمد على التصدير إلى الولايات المتحدة، كما أن سلاسل التوريد قد تواجه بعض العوائق، ما يؤثر في تدفق السلع والخدمات عبر الحدود، ويرفع التكاليف التشغيلية. وممكن أن ينخفض الطلب على السلع الأساسية كالنفط، فتتأثر أسعار الطاقة انخفاضاً، ما يكبد الدول النفطية خسائر فادحة، خصوصاً تلك التي ربطت موازناتها العامة بسعر ثابت لبرميل النفط".

دور السياسات النقدية والمالية
 
 وعن دور السياسات النقدية والمالية الأميركية في كبح الركود يقول عزام: "يبدو أن هذا الكبح سيقوم في عام 2024 على خفض أسعار الفائدة في حال الخوف من الدخول في مرحلة الركود. فمتوقع أن يتجه الفدرالي الأميركي إلى خفض سعر الفائدة مرتين في عام 2024، في محاولة لدعم سوق العمل المتباطئة، ورفد النمو الاقتصادي بشكل عام".
ويضيف: "ربما تكون السياسات النقدية والمالية الأخرى خطيرة، لأنها ستكون الدافع الأساسي لموجة جديدة من التضخم المرتفع، لذا قد يلجأ الفدرالي الأميركي إلى خفض أسعار الفائدة، فقط لو تجاوزت مخاوفه على النمو الاقتصادي عتبةً ما، فيحاول حينها تعزيز الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري".
ويحذّر عزام من أن "تراجع منسوب الثقة في الاقتصاد الأميركي يؤدي إلى هروب رؤوس الأموال نحو دول اقتصاداتها مستقرة، مثل اليابان وسويسرا، وربما تواجه بعض الدول المرتبطة بالدولار الأميركي بعض الضغط لتعديل السياسة النقدية بما يتوافق مع سياسة الفدرالي الأميركي، فمن المتوقع أن تتجه تلك الدول إلى خفض أسعار الفائدة".

كيف تحمي الدول نفسها؟
يجيب عزام عن هذا السؤال المهم بالقول إن تعزيز العلاقات التجارية مع الدول المجاورة والإقليمية يمكن أن يقلل من الاعتماد على السوق الأميركية، كما أن تنويع مصادر الاقتصاد "يعتبر أحد الاستراتيجيات الأشد فعالية للتخفيف من تأثير الركود، إضافة إلى أن الاستثمارات في البنية التحتية يمكن أن تعزز النمو الاقتصادي الداخلي، وتزيد من مرونة الاقتصاد في مواجهة الركود الخارجي، حيث أن تطوير البنية التحتية للنقل والطاقة والاتصالات يعزز من القدرة الإنتاجية ويساعد على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة".
ويختم قائلاً: "يمكن البنوك المركزية بناء سياسات نقدية مرنة، مثل تخفيض معدلات الفائدة لتشجيع الإنفاق والاستثمار المحلي".

اقرأ في النهار Premium