استعادت أسواق المال العالمية، الثلاثاء، جزءاً كبيراً من عافيتها بعد يوم "الإثنين الأسود" الذي فقدت فيه القيمة السوقية للشركات المدرجة حول العالم أكثر من 6.4 تريليونات دولار. وتكبّدت وول ستريت خسائر بـ2 تريليون دولار في تعاملات الاثنين، كما خسرت أسهم أكبر 7 شركات تكنولوجيا أميركية قرابة الـ990 مليار دولار، مقابل 570 مليار دولار خسائر سجلتها بورصة طوكيو. أمّا مؤشر نيكي الياباني فتعرّض لأكبر خسارة يومية في 37 عاما، متراجعا 4451.28 نقطة، معه مؤشر تايوان الذي تعرّض لأكبر خسارة في تاريخه، كما خسر مؤشر أستراليا 100 مليار دولار. وعلى صعيد العملات المشفرة، فخسر سوقها 367 مليار دولار، بقيادة الييتكوين.
وبدورها تأثرت أسواق الخليج بالهبوط العنيف للأسواق العالمية، حيث تعرضت جميع أسواق منطقة الشرق الأوسط لضغوط بيعية قوية متأثرة بالأسواق العالمية بفعل مخاوف من تعرض الاقتصاد الأميركي للركود وزيادة القلق من اتساع رقعة الصراع في المنطقة.
وبعد حالة التخبّط في مستهل الأسبوع الحالي، استقرّت معظم الأسواق، وانتعش بعضها. وقفزت الأسهم اليابانية بـ 11 في المئة، حيث أغلق مؤشر نيكي 225 القياسي الياباني مرتفعا بأكثر من 10 في المئة، الثلاثاء، مسجلا بذلك أكبر مكسب يومي منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2008 وأعلى ارتفاع على الإطلاق من حيث النقاط.
وعلى المقلب الأوروبي، انتعشت الأسهم الأوروبية الثلاثاء، بعد أن سجلت أدنى مستوياتها في ستة أشهر في الجلسة الماضية مقتفية أثر التعافي في الأسواق الآسيوية وبدعم جزئي من سلسلة نتائج أعمال أعلنتها شركات.
وفي الجانب الأميركي، فتحت مؤشرات وول ستريت الرئيسية على ارتفاع، الثلاثاء، في ظل سعي المتعاملين لتعويض خسائرهم خلال الجلسة الماضية، في حين أدت تعليقات حذرة من مسؤولي مجلس الاحتياطي الفيدرالي بشأن خفض أسعار الفائدة إلى ارتفاع معنويات السوق. وهو ما ساهم أيضا بانتعاش معظم أسواق الأسهم في منطقة الخليج.
وقالت رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو، ماري دالي، أمس الإثنين، إن من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان تقرير الوظائف في يوليو يشير إلى تباطؤ أو ضعف حقيقي لكن من "الضروري للغاية" بالنسبة للبنك المركزي منع سوق العمل من الانزلاق إلى الركود.
وظلت توقعات المتعاملين بخفض الفائدة الأميركية 50 نقطة أساس في أيلول (سبتمبر) عند 71 في المئة.
فهل هي غيمة سوداء أمّ أننا أمام أزمة اقتصادية قادمة؟
يجيب على هذا السؤال إستراتيجي الأسواق جاد حريري، في حديثه لـ"النهار" لافتا إلى أنّ "الهبوط الذي شهدته الأسواق الأميركية يوم الاثنين هو هبوط طبيعي، حيث أنّ السوق الأميركي سجّل ارتفاعا مبالغ فيه، بنسبة 20 في المئة منذ بداية العام وحتى الشهر الحالي، والهبوط الذي طرأ على هذا السوق هو تصحيح. وهذا التصحيح كان ممكن أن يحصل في يوم واحد أو على فترة شهر".
وارتفاع الأسهم لا يدلّ على تعافي، فالأسواق في الأساس متعافية، بحسب حريري، الذي شرح أنّه "منذ أوّل العام وحتى الشهر الحالي أسهم الأسواق مرتفعة. وما شهدناه الاثنين، ناتج أيضا عن حالات الذعر التي حصلت بسبب وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الإعلامية، التي ضخّمت ما حصل، وتسببت أخبارها بخروج بعض المستثمرين الأفراد والمتداولين بالأسهم، الذين لا يملكون خبرة في التعاطي مع الأسواق المالية، فخافوا من ضياع الفرص والخسارة، وباعوا محافظهم. أمّا المستثمرين الذين يملكون خبرة فيرون بما حصل فرصة لإعادة تمركزهم الشرائي من جديد".
ولم ينكر حريري تأخر الفيدرالي الأميركي بخفض أسعار الفائدة، وهو ما كان له تأثيرا سلبيا كبيرا على الأسواق شهدناه يوم الاثنين الأسود، مشيرا إلى أنّه "مجرّد تلميح الفيدرالي لعدم ذهابه إلى تخفيض الفائدة في أيلول بـ50 نقطة أساس، سيحدث خضّة جديدة في الأسواق"، مشددا على أنّ "الأسواق تأقلمت مع الهبوط القوي الذي حصل وهي متجهة إلى ارتفاع من جديد".
والتصحيح الذي طرأ على الأسواق لا يشكّل سوى نسبة 6 في المئة، من المؤشرات الأميركية، بحسب حريري الذي تابع "فمؤشر S&P 500، هبط من القمّة بحدود 10 في المئة ولم يرتفع سوى 4 في المئة في تعاملات الثلاثاء، وبالتالي لا يزال هناك خسائر بنسبة 6 في المئة بالأسواق الأميركية".
ولعودة القمم أو محور الخسائر، يقول حريري "يجب أن يشهد هذا المؤشر ارتفاع أقلّه بنسبة 7 في المئة. حيث هناك احتمالات كبيرة إلى أن تعاود الأسواق الهبوط من جديد. فنحن لا نزال نعيش بحالة من عدم اليقين في الأسواق التي ان لن ترتفع مؤشراتها في الفترة المقبلة قد تعاود استكمال الهبوط، مع نظرة أكثر سلبية، بسبب التخوّف من الركود الاقتصادي الذي قد تعيشه الولايات المتحدة ، لكون تقييم الأسهم مبالغ فيه، بسبب المكررات الربحية العالية خاصة على مؤشرات التكنولوجيا".