"20 مليار روبوت شبيه بالبشر humanoid robot ستسير بيننا، في مستقبل ليس ببعيد". إنها كلمات للرئيس التنفيذي لشركة "تيسلا" إيلون ماسك الذي أثار قلقاً عالمياً على مستقبل البشرية وسوق العمل.
تسعى "تيسلا" إلى إنتاج نحو مليار روبوت سنوياً، وتأمل بالاستحواذ على قرابة 10 في المئة منها. وبحسب ماسك نفسه، يمكن أن تصل تكلفة كل روبوت إلى نحو 10,000 دولار، وإن بيعَ واحدها بـ20 ألف دولار، فستربح "تيسلا" تريليون دولار سنوياً.
وبحسب تقرير أعده الاتحاد الدولي للروبوتات IFR، بلغ عدد الروبوتات الصناعية 3.9 ملايين حول العالم في 2023، بعد أن كان 3.479 ملايين في 2021، حصة آسيا منها 73 في المئة، وأوروبا 15 في المئة، والقارة الأميركية 10 في المئة.
ووفقاً للتقرير ذاته، 80 في المئة من الروبوتات الصناعية الحالية تستخدم في صناعة السيارات والإلكترونيات والآلات، "وربما تساعد البشر في إتمام مهمات عدّة، منها الشخصي منها والمهني" بحسب عاصم جلال، استشاري العلوم الإدارية وتكنولوجيا المعلومات في G&K، الذي شدد على دورها في مساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة.
شكل بشري لا غير
وفي حديث إلى "النهار"، أورد جلال أنه على صعيد المؤسسات، "قد توفّر الروبوتات إنتاجية عالية في العمل، وتقلل من نسب الأخطاء البشرية، وتزيد من ساعات العمل. إذ يستطيع الروبوت أن يعمل 24 ساعة من دون توقف، ومن دون التعرّض للإصابة"، مضيفاً أن الروبوتات تساهم في خفض الإنفاق التشغيلي، لأن كلفة صيانتها منخفضة، واستخدامها للكهرباء مقنن.
يذكّر جلال بأنّ الروبوتات موجودة منذ زمن، أشهرها الروبوتات المنزلية المستخدمة في أعمال التنظيف. لكن هذه ليست الروبوتات التي يتحدث عنها ماسك. وبحسب جلال: "الروبوتات الشبيه بالبشر تأخذ منهم الشكل، وتبرمج لتستخدم في وظائف عامّة".
وهنالك مشاريع فعلية لصنع روبوتات بموصفات بشرية، لكن ثمة معوّقات كبيرة تحول دون إنجاز ذلك بشكل كامل. تشمل المعوقات، بحسب جلال، عجز الروبوتات عن رؤية أشياء صغيرة على الأرض وفهم ماهيتها وتجاوزها، إلى جانب القدرة الضعيفة على التعامل مع المتغيرات، "فإذا كان الروبوت يمشي وقفزت قطّة أمامه، فقد يعجز عن التعامل مع هذا الوضع المستجد".
يضيف جلال: "ما زالت إمكانية اتخاذ القرارات ضعيفة لدى الروبوتات، خصوصاً تلك المتعلّقة بمبادئ وفلسفات معينة. ولو كانت الطريقة التي برمج على أساسها الروبوت تتطلب منه تنفيذ وظيفة معيّنة، وكانت هذه الوظيفة ستلحق الأذى بشخص ما، لن يكون لدى الروبوت الوعي الكافي للتعامل مع الموقف بطريقة صحيحة، إضافة إلى صعوبة الشعور من خلال الحواس أو اكتشاف العالم الخارجي عبرها".
سد الفجوة العمالية
اليوم، تحتلّ كوريا الجنوبية المرتبة الأولى في العالم من حيث كثافة انتشار الروبوتات وفقاً لتقرير الاتحاد الدوليّ للروبوتات للعام 2021، حيث بلغت نسبتُها 10 في المئة قياساً إلى الموظّفين في قطاع التصنيع، وهذا أعلى بـ7 مراتٍ من المتوسّط العالميّ.
وبحسب جلال، إن ما يؤهّل الروبوتات لأداء وظائفها هو قدرتها على التحليل البصري، واتخاذ القرارات بناء على هذا التحليل، إلى جانب قدرتها على التحكم بآليات جسم الروبوت والقيام بوظائف مشابهة لوظائف الإنسان، إضافة إلى السمع وتحليل اللغة أحيانا. وأضاف، "لكن، حتى اللحظة، لا نضوج في الروبوتات المخصصة للاستخدام العام، فأغلب الروبوتات التي تملك نضوجاً عالياً هي المخصصة للاستخدام الخاص مثل روبوتات التنظيف. وعدم النضوج يعود إلى ضعف في آليات تلقين الروبوتات، خصوصاً من ناحية تلقينها المواقف المستجدة".
وتَعِد تكنولوجيا الروبوتات بفوائد متعدِّدة، تشمل العمالة والانتاجية ورفع مستويات الدقة في قطاعات كالتصنيع والرعاية الصحية. وكلُّ هذا يعني أنها ستساهم في بلوغِ نمط حياةٍ أكثرَ سلامةً ورفاهيةً للمواطنين. ولكن، إن تلك الفوائد كلها مرهونة بمدى تطوّر الذكاء الاصطناعي.
مراحل الذكاء الاصطناعي
ومنذ العام 2022، وصلت الآلات إلى مرحلة الذكاء الاصطناعي التوليدي، وتتابع الجهود لإيصاله إلى مرحلة التساوي مع البشر أو تجاوزهم.
ويتحدث جلال عن "مرحلة الذكاء الخارق" التي سيتفوق فيها ذكاء الآلات على نظيره البشري. وبحسب جلال، قد تتمكن الآلات من حلّ مشاكل لم يستطع العقل البشري حلها حتى الآن، "كإثبات بعض النظريات العلمية، أو تقديم حلول لمشاكل البيئة". ويرى متفائلون أن ذكاء الآلات الخارق سيظهر بعد 5 سنوات كحدّ أقصى، فيما يعتقد محافظون أن ذلك يحتاج إلى نحو 20 عاماً.
تأثيرات عدة
أمّا وجود 20 مليار روبوت شبيه بالبشر في العالم مقابل 8 مليار إنسان، فله طبعا تأثير كبير في سوق العمل. وبحسب جلال، هنالك إمكانية لأن تتوجه كلها "نحو وظائف المصانع أو الوظائف اليدوية"، وبالتالي، قد نرى روبوت شبيه بالبشر يجري عملية جراحية "من دون أن يتأثر بالمشاعر الإنسانية وقد يجري قرابة 100 عملية في اليوم".
إلى ذلك، سيكون لظاهرة انتشار الروبوتات تأثير سلبي على البشر من الناحية الصحية. وقد يشجع ذلك البشر على الكسل وقلة الحركة. وكذلك ستقضي هذه الآلات على خصوصية الأفراد، إذ ستراقب تفاصيل حياتنا اليومية كلها. وبحسب جلال، "تصريحات ماسك غالباً ما تكون نابعة من اندفاع وعاطفة، وحبٌ للإبهار الإعلامي، لذلك يفضّل ألا يؤخذ كلامه بوصفه حقائق".
في مقلب آخر، تهدد مسألة ابتكار الروبوتات الشبيه بالبشر قضايا الأمن القومي، وتعطي الدول التي تصنعها تفوقاً على غيرها، ما يستدعي وضع إطار قانوني لحماية حقوق الإنسان في عصر تلك الروبوتات.
وقد بدأ الأوروبيون والأميركيون بالعمل على وضع هذه الأطر التي يراها جلال غير كافية، "ويتوجب على المؤسسات غير الحكومية التعامل مع هذه القضايا بدقّة، وإجراء الكثير من الاختبارات على الذكاء الاصطناعي بغية التعمق في فهم مخاطره".