شهدت أسعار الذهب في الأشهر الأخيرة ارتفاعاً غير مسبوق، حيث تجاوز سعر الأونصة حاجز الـ 2,500 دولار للمرة الأولى في التاريخ، ما يعكس العوامل الاقتصاديّة والجيوسياسيّة التي دفعت بالمستثمرين إلى اللجوء إلى المعدن النفيس بوصفه ملاذاً آمناً لاستثماراتهم.
خشية من الحظر
يقول رئيس قسم الأسواق العالمية في Cedra Markets جو يَرق لـ"النهار"، أنّ المصارف المركزيّة كانت تتحوط من حصول أيّ أزمة مالية، "فأقبلت في الأشهر الـ 18 الفائتة، باستثناء شهرَيّ حزيران (يونيو) وتموز (يوليو)، على شراء كميات كبيرة من الذهب، ومنها بنك الشعب الصيني، والمركزي التركي، والمركزي المصري، وكذلك البنوك المركزيّة في كزاخستان وروسيا والهند".
يردّ يَرق هذا الأمر إلى ما يسميه "أمثولات التجربة الروسية"، مضيقاً: "ربما يفرض الحظر على أيّ احتياطات بالعملات الأجنبية، لذلك اشترت الاقتصادات الناشئة والاقتصادات التي كانت تخشى من أن تُفرض عليها عقوبات أميركيّة كميات كبيرة من الذهب، فارتفع سعر أونصة الذهب إلى 2,400 دولار، ثمّ عاد هذا السعر إلى الانخفاض بفعل عملية تصحيح، ليعود إلى الارتفاع محقّقاً أرقاماً قياسية".
ثلاثة أسباب
يُرجع يَرق الارتفاع الأخير في سعر الذهب إلى 3 أسباب رئيسية: "السبب الأول هو الوضع الجيوسياسي المتوتّر في الشرق الأوسط نتيجة الحرب بين إسرائيل و"حماس" وإيران، واحتمال تطوّر هذا الصراع إلى حرب إقليمية؛ والسبب الثاني هو حال عدم اليقين الاقتصادي المخيمة اليوم على العالم، ففي ظلّ ارتفاع المخاوف من ركود اقتصاديّ، يبقى الذهب ملاذ المستثمرين الآمن".
يضيف يرق: "أما السبب الثالث فهو تأكيد المركزي الأميركي توجّهه نحو خفض أسعار الفائدة في أيلول (سبتمبر) المقبل، ما يمنح الذهب دفعاً إلى الأعلى، لأنّ قيم السلع والمعادن والأدوات المسعّرة بالدولار ترتفع عند تراجع الدولار"، لافتاً إلى أنّ التوقّعات المتزايدة بأن يخفّض الاحتياطي الفدرالي الأميركي أسعار الفائدة في المستقبل القريب زادت من جاذبيّة الذهب كاستثمار بديل.
وبحسبه، أسعار الفائدة المنخفضة تجعل تحقيق العوائد المرتفعة من أدوات استثماريّة تقليديّة مثل السندات أمراً صعباً، "وهذا يدفع بالمستثمرين إلى البحث عن أصول أخرى، كالذهب مثلاً، لأنّه يحتفظ بقيمته متحدّياً التقلبات الاقتصادية، وحتّى السياسية".
عوامل أخرى
إضافة إلى العوامل التي ذكرها يرق، ثمّة عوامل أخرى مؤثرة في أسعار الذهب، ومنها ضعف سوق الإسكان الأميركية، إذ أظهرت بيانات هذه السوق انخفاضاً في بناء المساكن العائليّة وارتفاعاً في أسعار الرهن العقاري، ما أثار المخاوف في شأن صحة الاقتصاد الأميركي. وهذه البيانات المخيّبة للآمال عزّزت التوقّعات بأنّ الفدراليّ سيتّجه نحو خفض أعمق وأسرع في أسعار الفائدة لدعم الاقتصاد.
كذلك، يساهم التضخّم وتراجع قيمة الدولار في زيادة جاذبيّة الذهب، "فعندما يتراجع الدولار، تتراجع تكلفة الذهب في حساب الاستثمار، وهذا يرفع الطلب عليه، كما يحوّل التضخّم الذهب أداة فعالة للحفاظ على القيمة في مواجهة تآكل القوة الشرائيّة للعملة"، بحسب يرق.
إلى أين؟
في نظرته المستقبليّة لأسعار الذهب، يستند يَرق إلى توقّعات مصرفيّة لا تستبعد وصول أونصة الذهب إلى 3,000 دولار، "لكنّ هذا مرهون بالتطوّرات الجيوسياسيّة في المنطقة، وفي حال عدم اليقين الاقتصادي، فأسعار الذهب تعكس حساسيّة الوضع، لذا تبشّرنا بالمزيد من الارتفاع في الفترة المقبلة".
لكن، مهمٌ أيضاً التنبّه إلى أنّ أسعار الذهب قد تتعرّض للتصحيح. وفي حال ظهور إشارات على استقرار الاقتصاد الأميركيّ، أو تحسّن البيانات الاقتصادية، ربما يشهد العالم تراجعاً طفيفاً في أسعار الذهب. لكن، يبقى الاتّجاه العام صعوداً في ظلّ الظروف الجيوسياسيّة والاقتصاديّة الحالية.