النهار

منصة ترامب للعملات المشفرة... تعزيز الابتكار المالي مقابل تقويض دور البنوك
باولا عطية
المصدر: النهار
أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عزمه على إطلاق منصة للعملات المشفرة تحت اسم "ذي ديفاينت وانز (The DeFiant Ones)، مقدّماً المشروع كبديل للبنوك والمؤسسات المالية الكبرى. هذا الإعلان يمثل تحولاً كبيراً في موقف ترامب الذي كان يعارض العملات المشفرة في السابق، واصفاً إياها بعملية احتيال. لكن اليوم، يعرض نفسه كقائد في هذا المجال معتبراً المنصة بمثابة فرصة للأميركيين لمقاومة "الضغوط" التي تفرضها النخب المالية والبنوك الكبرى. ​
منصة ترامب للعملات المشفرة... تعزيز الابتكار المالي مقابل تقويض دور البنوك
منصة ترامب للعملات المشفرة
A+   A-
أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عزمه على إطلاق منصة للعملات المشفرة تحت اسم "ذي ديفاينت وانز (The DeFiant Ones)، مقدّماً المشروع كبديل للبنوك والمؤسسات المالية الكبرى. هذا الإعلان يمثل تحولاً كبيراً في موقف ترامب، الذي كان يعارض العملات المشفرة في السابق، واصفاً إياها بعملية احتيال. لكنه، اليوم، يعرض نفسه كقائد في هذا المجال، معتبراً المنصة بمثابة فرصة للأميركيين لمقاومة "الضغوط" التي تفرضها النخب المالية والبنوك الكبرى.
 
ومع طرح ترامب، بدأت تتكشف أكثر فأكثر الأسباب الموجبة لدعم كبرى شركات العملات الرقمية لحملة ترامب الانتخابية، والتي جنت أكثر من 4 ملايين دولار من مزيج من العملات المشفرة، حيث تبرع المساهمون بالبيتكوين والإيثر والريبل والعملة المستقرة المربوطة بالدولار "يو إس دي سي". وكان التوأمان "تايلر وينكليفوس" و"كاميرون وينكليفوس" قد قادا هذه الحملة، بصفتهما مؤسّسي Gemini cryptocurrency exchange بمساهمة لكل منهما بلغت 15.57 "بيتكوين"، أو ما يزيد قليلاً عن مليون دولار بتاريخ تبرّعهما.

فوائد منصة ترامب للعملات المشفرة
 
من المنتظر أن تُحدث منصّة ترامب ثورة في عالم التعاملات المالية، والتكنولوجيا الرقمية، وقد تُدخل -في حال اعتمادها- الاقتصاد الأميركي في نظام أو نموذج ماليّ جديد، يكون مغايراً للأنظمة المالية التقليديّة، التي اعتمدت في السابق، وهو ما يمكن أن يحدث نقلة نوعيّة على صعيد الاقتصاد العالمي، الذي يتأثر -في أغلب الأحيان- بأيّ تغيير يطرأ على السياسات المالية والنقدية، التي يعتمدها الاقتصاد الأميركي، أكبر اقتصاد في العالم، بل قد يجعل عدداً من الدول المتطوّرة تحذو حذو التجربة الأميركية، وتطبّقها في اقتصادها.
ومن الفوائد، التي قد تتحقق في حال وضع المنصّة قيد التنفيذ، نذكر:
 
1- تمكين الأفراد:
 
المنصة تعتمد على تقنية التمويل اللامركزي (DeFi) التي تتيح للأفراد تنفيذ المعاملات المالية من دون الحاجة إلى وسيط مثل البنوك. هذا يسمح للمستخدمين بالتحكّم المباشر بأموالهم وبياناتهم المالية، ويحدّ من القيود والرسوم التي تفرضها المؤسّسات التقليديّة.

2- الوصول السريع إلى الضمانات:
بحسب تصريحات إريك ترامب، نجل دونالد ترامب، المشروع سيوفر "ضمانات يمكن للجميع الوصول إليها بشكل فوري"، مما قد يسهل على الأفراد والشركات الحصول على القروض أو التمويلات من دون المرور بالإجراءات المعقّدة للبنوك. الضمانات الرقمية يمكن أن تصبح وسيلة فعّالة لتحويل الأصول إلى سيولة بشكل أسرع.

3- تعزيز الابتكار المالي:
إذا نجحت المنصة فقد تصبح جزءاً من التحول الرقمي الذي يهدف إلى تجديد النظام المالي. وعد ترامب بأن يكون "الرئيس المؤيد للتجديد والبيتكوين" في حال انتخابه رئيساً، ممّا يشير إلى دعم قوي للتكنولوجيا المالية المتقدّمة. هذه الأنظمة اللامركزية القائمة على تقنية البلوك تشين يمكن أن تعزز الشفافية وتقلّل من الفساد المالي.

المخاطر على القطاع المصرفي
 
على مقلب آخر، قد تكون هذه الخطوة محمّلة بالمخاطر، التي قد تطال بالدرجة الأولى المصارف والبنوك المركزية، ومن هذه المخاطر نذكر:

1- تقويض دور البنوك:
منصة ترامب المقترحة تمثل تحديًا مباشرًا للبنوك التقليدية. في ظل الاعتماد على التمويل اللامركزي، قد تفقد البنوك دورها كوسيط مالي. هذا قد يؤدي إلى انخفاض إيرادات البنوك من رسوم المعاملات والفوائد على القروض، وربما تراجع الثقة في النظام المالي التقليدي.
 
2- التنظيم والرقابة:
في الوقت الذي تعمل فيه إدارة بايدن على تنظيم العملات المشفرة، فإن منصات التمويل اللامركزي تثير مخاوف من حيث إمكانية استغلالها في غسيل الأموال أو تمويل الأنشطة غير القانونية. عدم وجود جهة مركزية للتحكم أو الإشراف قد يجعل من الصعب تطبيق القوانين المالية الحالية عليها.

3- تقلّبات السوق:
العملات المشفرة معروفة بتقلّباتها الشديدة، في حين أن تقنية البلوك تشين توفر سجلاً غير قابل للتغيير للمعاملات. لكن القيمة السوقية للأصول المشفّرة مثل البيتكوين والإيثر يمكن أن تتغير بشكل كبير في وقت قصير. هذا يعرض المستثمرين لمخاطر كبيرة، خاصة في حالة انهيار السوق أو حدوث تقلّبات غير متوقّعة.

4- التأثير على الاستقرار المالي:
إذا أصبحت العملات المشفّرة والتمويل اللامركزي جزءًا كبيرًا من النظام المالي، فقد يؤثر ذلك على استقرار الاقتصاد العالمي. البنوك المركزية قد تفقد السيطرة على السياسة النقدية، حيث يمكن للأفراد تحويل أموالهم إلى الأصول المشفرة بدلاً من الاحتفاظ بها بالعملة الوطنية.

ولعلّ ترامب على دراية بالمخاطر التي قد تلحقها منصّته بالمصارف والفيديرالي الأميركي، وربما هذا هو الهدف المنشود من خطوته، حيث واصل في أكثر من مناسبة تعهداته بالتحكم بالقرارات الصادرة عن الاحتياطي الفيديرالي في حال عودته إلى البيت الأبيض، وهو أمر من شأنه أن يغيّر من استقلاليّة البنك السياسية، التي تتيح له محاربة التضخم باستخدام إجراءات قد لا تحظى بشعبيّة واسعة.
 
كذلك، طالت ترامب اتهامات عدّة خلال فترة حكمه حول تدخله المباشر والضغط على الفيديرالي الأميركي لتخفيض أسعار الفائدة، وهو ما كاد يشعل حرباً بينه وبين رئيس الفيديرالي جيروم باول، على الرغم من ترشيح ترامب لجيروم باول لترؤس الفيديرالي في الـ2017.
 
ومع طرح منصّة ترامب، عادت قضية استقلال المركزي الأميركي إلى دائرة الضوء، مما يذكرنا بما نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" حول عمل بعض حلفاء ترامب على صياغة مقترحات من شأنها السعي لتقويض استقلال البنك المركزي ومنح ترامب المزيد من النفوذ على البنك، إذا فاز في الانتخابات المقررة في الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر).

في المحصّلة، إطلاق منصة ترامب للعملات المشفرة يعدّ خطوة جريئة في سياق التحول الرقمي للنظام المالي، مقدماً فوائد مثل تعزيز الشفافية وتمكين الأفراد. ومع ذلك، تأتي هذه الخطوة مع مخاطر جمة تتعلق بدور البنوك التقليدية، وتنظيم السوق، واستقرار الاقتصاد العالمي، خصوصاً في ظلّ هذه المرحلة الحرجة التي يمرّ بها الاقتصاد الأميركي المهدّد بالركود، والاقتصاد العالمي الذي عجز حتى الآن عن كبح جائحة التضخم.

اقرأ في النهار Premium