تشكل زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى تركيا محطة فارقة في العلاقات الثنائية بين البلدين، بعد 12 سنة من التوتر السياسي والديبلوماسي. تأتي هذه الزيارة في ظلّ تطورات إقليمية ودولية مهمة، أبرزها حال عدم الاستقرار الاقتصادي والأمني الإقليمي من جهة، وعضوية مصر في مجموعة "بريكس"، وتقدّم تركيا بطلب للانضمام إلى المجموعة نفسها من جهة أخرى، إلى جانب بدء مفاوضات التعاون الاقتصادي الشامل بين تركيا والسعودية.
وتبرز هذه العوامل مجتمعة أهمية الزيارة من الناحية الاقتصادية، وتفتح آفاقاً جديدة للتعاون الإقليمي والدولي.
في سياق "بريكس"
تأتي زيارة السيسي إلى أنقرة في وقت تسعى فيه مصر إلى تعزيز مكانتها الاقتصادية على الساحة الدولية من خلال عضويتها في مجموعة "بريكس". وتمثل هذه العضوية فرصة لمصر لتوسيع شبكتها الاقتصادية والتجارية مع دول ذات اقتصاديات صاعدة، مثل الصين والهند وروسيا.
في الوقت نفسه، تُعتبر تركيا، باقتصادها الكبير وموقعها الاستراتيجي بين أوروبا وآسيا، إضافة قوية محتملة للمجموعة، خصوصاً بعد تقديمها طلب الانضمام. وفي هذا الإطار، قالت مصادر مُطلعة لـ"النهار" إن "زيارة الرئيس المصري لتركيا شهدت التركيز على محاور عدة، في مقدّمتها الاتفاق على دراسة تفعيل، وإجراء المعاملات التجارية بين البلدين بالعملات المحلية".
التحالف المصري التركي ضمن إطار "بريكس" قد يفتح الباب لتعاون أكبر بين البلدين في مجالات التجارة والاستثمار والطاقة. وتسعى تركيا إلى الاستفادة من السوق المصري باعتباره بوابة إلى أفريقيا، بينما تسعى مصر إلى تعزيز تعاونها مع تركيا في مجالات مثل الصناعات الدفاعية والتكنولوجيا المتقدمة.
تعاون تجاري واستثماري
واحدة من أبرز أهداف الزيارة هو تعزيز حجم التبادل التجاري بين مصر وتركيا، وهذا الهدف يعكس الطموح الكبير لتعزيز العلاقات الاقتصادية، خصوصاً في مجالات مثل الطاقة، والغاز الطبيعي، والصحة، والسياحة. كما يشير إلى استعداد البلدين لتوقيع اتفاقيات استراتيجية قد تدعم الاستثمارات التركية في مصر، خصوصاً في ظلّ تحسين البيئة الاستثمارية.
ويذكّر الخبير الاقتصادي المصري الدكتور بلال شعيب، في حديثه لـ"النهار"، باتفاقية التجارة الحرّة التي وقعتها مصر وتركيا في عام 2005، متوقعاً أن نشهد في الأيام المقبلة دخول هذه الاتفاقية حيّز التنفيذ، "ما سينعكس على حجم الاستثمارات التركية الموجودة في مصر والتي تبلغ حالياً أكثر من 3 مليارات دولار. أمّا التبادل التجاري بين البلدين فيقدّر بين 6 إلى 10 مليارات دولار، فيما يستهدف الوصول إلى 15 مليار دولار، بفعل عدد من القطاعات الإنتاجية كالقطاع الصناعي الذي تتفوّق فيه تركيا، خصوصاً قطاع النسيج والملبوسات الجاهزة حيث تصدّر تركيا ملابس جاهزة بنحو 30 مليار دولار، مقابل 3 مليارات دولار لصالح مصر".
سياحياً، نوّه شعيب بأنّ مصر تستهدف رفع إيراداتها السياحية من 13 مليار دولار حالياً، إلى 50 مليار دولار، فيما عدد السوّاح الأتراك الذين زاروا مصر في عام 2023 بلغ نحو 150 ألف سائح، "وبالتالي الاقتصاد هو المحور الأساسي لتطبيع العلاقات بين القاهرة وأنقرة، حيث يشكّل تعزيز التعاون التجاري والاستثماري نقطة انطلاق لتعزيز التقارب السياسي والديبلوماسي بينهما. ومتوقع أن تساهم هذه الزيارة في توقيع العديد من الاتفاقيات التي تعزز فرص الاستثمار وتفتح المجال لتوسيع التعاون في مجالات مختلفة".
دور السعودية
تأتي زيارة السيسي إلى تركيا في وقت تشهد فيه تركيا والسعودية مفاوضات حول تعزيز التعاون الاقتصادي الشامل. وهذا التقارب بين أنقرة والرياض إضافة قوية للعلاقات المصرية - التركية، حيث يمكن أن يشكل هذا التحالف الثلاثي منصة لتعزيز الاستثمارات المشتركة، وتوسيع الفرص الاقتصادية.
ويلفت الخبير المصري إلى أن "مصر حليف استراتيجي لكلّ من تركيا والسعودية، خصوصاً في ظلّ دور مصر السياسي والاقتصادي المؤثر في المنطقة. وبما أن السعودية تسعى إلى تقوية قطاعها الصناعي، بمشاركة 70% من القطاع الخاص، وتسعى مصر إلى رفع مساهمة قطاعها الصناعي بالناتج المحلي من 15 إلى 20%، تحتاج الدولتين إلى الخبرات التركية، حيث تُعد تركيا من الدول الصناعية الأساسية التي لديها باع طويل من صناعاتها، وتحتاج تركيا بدورها إلى النفط السعودي، ولا يمكن أن يكتمل هذا التعاون التركي - السعودي من دون مشاركة مصرية".
وبذلك، قد يتوسّع التعاون المصري - التركي ليشمل السعودية، ما يعزز التكامل الاقتصادي في المنطقة، ويضع الدول الثلاث في موقع استراتيجي قوي، ويمكن من خلاله مواجهة التحديات الاقتصادية والإقليمية. قد يكون لهذا التعاون الثلاثي آثار إيجابية على مختلف القطاعات، مثل الطاقة والدفاع والبنية التحتية.
طاقة ودفاع
تؤدي تركيا دوراً متزايداً في مجال الطاقة، خصوصاً في مشاريع الغاز الطبيعي في البحر المتوسط، حيث يُمكن مصر أن تستفيد من خبرة تركيا في هذا المجال. يقول شعيب: "في ظلّ التغيير المناخي، الذي يضرب العالم، ارتفع الطلب على استهلاك الطاقة من جهّة، ومن جهّة أخرى دفعت حالة عدم استقرار أسعار البترول عالمياً، بسبب التوترات الجيوسياسية، الدول إلى البحث واستكشاف مصادر طاقة بترولية. وعليه، أعلنت مصر عن تقديم حوافز لشركات البترول للتنقيب عن المواد البترولية، ما يعود بالمصلحة على شركات البترول التركية".
في الوقت نفسه، يُعد التعاون في مجال الصناعات الدفاعية أمراً محورياً بين البلدين، خصوصاً مع اقتراب حصول مصر على مسيّرات تركية متطورة مثل "بيرقدار"، ما يمكن أن يعزز التعاون العسكري والاستراتيجي بين البلدين.
وهكذا، يمكن توسيع التعاون في هذه المجالات أن يشكل دفعة قوية للعلاقات الاقتصادية والاستراتيجية بين البلدين، ويساهم في تحقيق استقرار أكبر في المنطقة.