أفريقيا من أهم المناطق الاقتصادية استراتيجياً في العالم، لما تمتلكه من ثروات طبيعية هائلة وسوق استهلاكي واسع. وكانت أفريقيا دائماً محور اهتمام القوى الاقتصادية العالمية، مثل الولايات المتحدة وأوروبا والصين، بسبب فرص الاستثمار والتنمية التي توفرها، إضافة إلى الموارد الحيوية التي تحتاجها تلك الدول لدعم اقتصاداتها المتنامية.
فهذه القارة غنية بالموارد الطبيعية مثل النفط، والغاز الطبيعي، والذهب، والماس، والنحاس، والكوبالت، إضافة إلى الأراضي الزراعية الشاسعة. هذه الموارد جعلت القارة هدفًا للشركات العالمية، خصوصاً تلك العاملة في قطاعات التعدين والطاقة. وتوفر هذه الثروات فرصًا لتحقيق النمو الاقتصادي من خلال التصدير والاستثمار الأجنبي المباشر.
ويأتي التنافس بين القوى العظمى على القارة السمراء في إطار التنافس على "الجنوب العالمي"، والذي يشمل أفريقيا وجنوب شرق آسيا وأميركا اللاتينية ودول جزر المحيط الهادئ وجنوب آسيا وآسيا الوسطى وبعض دول ما بعد الاتحاد السوفياتي والشرق الأوسط. ويشار إلى هذا المصطلح تاريخيا باسم "العالم الثالث"، أو "العالم النامي".
أفريقيا وأميركا
تنظر الولايات المتحدة إلى أفريقيا بوصفها سوقاً ناشئة توفر فرصًا هائلة للشركات الأميركية، خصوصاً في قطاعات التكنولوجيا والطاقة المتجددة والاتصالات. وتسعى أميركا إلى توسيع نفوذها في القارة لمواجهة التغلغل الصيني المتزايد. وتعزز برامج مثل "مبادرة أفريقيا للنمو والفرص" (AGOA) العلاقات الاقتصادية بين الطرفين، ما يسهّل التبادل التجاري والاستثمار. ومقرر انتهاء المبادرة الأميركية التي تمنح قرابة 40 دولة من بلدان جنوب الصحراء الأفريقية إعفاءً جمركياً على التجارة مع الولايات المتحدة في العام المقبل.
ومع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية، وبغض النظر عن هوية الشخص الذي سيدخل البيت الأبيض، على الرئيس الجديد تعزيز قدرة بلاده على منافسة الصين في القارة السمراء في تأمين احتياجات أميركا من المعادن الأرضية النادرة.
وفي هذا الإطار، كان مجلس الشيوخ الأميركي قد عرض في نيسان (أبريل) الماضي مشروع قانون لتمديد المزايا التجارية الممنوحة للدول الأفريقية حتى عام 2041، وتعديل قواعد بلد المنشأ لتشمل الإمدادات الواردة من الدول الأعضاء في اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، حيث تستحوذ أفريقيا على أكثر من 20% من الاحتياطي العالمي من المعادن الأرضية النادرة، والتي تدخل في عديد من مجالات الطاقة الخضراء.
وفي الإطار نفسه، توفر أفريقيا للولايات المتحدة فرصة للترويج لقيم الديموقراطية وحقوق الإنسان، ما يساهم في استقرار المنطقة، وبالتالي خلق بيئة أفضل للاستثمار. وكانت الولايات المتحدة الأميركية قد استثمرت نحو 33.3 مليار دولار في القارة السمراء في عام 2020.
أفريقيا وروسيا
تسعى روسيا إلى تعزيز استثماراتها في القارة الأفريقية من خلال تطوير شراكات اقتصادية استراتيجية مع دول متعددة، وذلك في إطار منتدى الشراكة الروسية - الأفريقية. وتهدف هذه الجهود إلى مواجهة التحديات التي فرضتها العقوبات الغربية، من خلال التفاوض مع العديد من الدول الأفريقية للتجارة بالعملات الوطنية.
كانت نقطة الانطلاق الرسمية لهذه الشراكة في عام 2019، عندما دعت روسيا إلى "المنتدى الاقتصادي الروسي - الأفريقي"، والذي حضّرته جميع الدول الأفريقية الـ 54، بمشاركة أكثر من 10 آلاف شخص.
وعلى الرغم من أن حجم التبادل التجاري بين روسيا وأفريقيا لا يزال متواضعًا مقارنةً بدول أخرى، فقد شهدت روسيا ذروة في حجم التبادل التجاري مع القارة الأفريقية في عام 2018، حيث بلغ 20 مليار دولار. ومن أجل تعزيز هذه العلاقات، ألغت روسيا 20 مليار دولار من الديون المستحقة على عدد من الدول الأفريقية.
في شمال أفريقيا، دخلت روسيا في شراكات استراتيجية مع مصر، حيث تم الاتفاق على مشروع المحطة النووية في الضبعة بتكلفة 25 مليار دولار، إضافة إلى مشروع منطقة اقتصادية صناعية في قناة السويس بقيمة 7 مليارات دولار. ويمثل التبادل التجاري بين البلدين نحو ثلث التبادل التجاري بين روسيا وأفريقيا.
أفريقيا وأوروبا
لأوروبا تاريخ طويل من العلاقات مع أفريقيا، نظرًا للاستعمار القديم والروابط الثقافية والجغرافية القريبة. اليوم، تنظر أوروبا إلى أفريقيا بصفتها شريكاً أساسياً في مجالات التجارة والطاقة، حيث يعتمد العديد من الدول الأوروبية على الموارد الطبيعية الأفريقية، مثل النفط والغاز، لتلبية احتياجاتها.
وتسعى أوروبا أيضًا إلى الحدّ من الهجرة غير الشرعية الآتية من القارة، حيث يمكن الاستقرار الاقتصادي في أفريقيا أن يقلل من تدفق المهاجرين. لذا، تعمل الدول الأوروبية على تعزيز التنمية الاقتصادية في أفريقيا من خلال المساعدات والاستثمارات في البنية التحتية والتعليم. مع ذلك، تستمر التحديات المرتبطة بالفساد، والأنظمة السياسية غير المستقرة في بعض الدول الأفريقية، ما يعقد مساعي التوسع الاستثماري الأوروبي.
وأعلنت الشركات التي تتخذ من أوروبا الغربية مقراً لها عن استثمار 38 مليار دولار في القارة السمراء في عام 2023، فيما بلغت التجارة بين أفريقيا وأوروبا 244 مليار دولار في عام 2022.
أفريقيا والصين
الصين واحدة من أكبر المستثمرين في أفريقيا. وفي عام 2021، كانت الصين أكبر شريك تجاري لأفريقيا على مدار 13 عامًا ماضية، بحسب المكتب الوطني الصيني للإحصاء.
وقامت بكين بتوسيع نفوذها الاقتصادي بشكل كبير خلال العقدين الماضيين، وتعدّ مبادرة "الحزام والطريق" مشروعًا رئيسيًا يربط الصين بالقارة الأفريقية عبر بنية تحتية ضخمة، بما في ذلك الطرق والموانئ وخطوط السكك الحديدية.
وتعتمد الصين على أفريقيا بشكل كبير لتلبية احتياجاتها من الموارد الطبيعية، خصوصاً في مجالات الطاقة والمعادن. وتتفوّق الصين على أميركا من حيث عدد المناجم قيد التشغيل في القارة السمراء.
ولا تكتفي الصين بالاستثمار في الموارد وحدها، بل تسعى أيضًا إلى بناء علاقات تجارية قوية مع الدول الأفريقية، حيث توفر لها التكنولوجيا والتدريب. وتهدف الصين إلى تعزيز تعاونها الاقتصادي مع أفريقيا بشكل لا يعتمد على تصدير المواد الخام فحسب، بل أيضًا على تطوير القارة في مجالات عدة، مثل التصنيع والابتكار التكنولوجي.
وبحسب تقرير صادر عن وحدة الأبحاث البريطانية، أعلنت الشركات الصينية عن رصد 35,5 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر في مجالات جديدة في أفريقيا خلال 2023، فيما بلغ حجم التجارة الثنائية بين أفريقيا والصين 289 مليار دولار في عام 2022.
الاستثمارات العربية
تتجه دول الخليج العربية إلى ضخ المزيد من الاستثمارات في أفريقيا، بعدما تخطت استثماراتها 100 مليار دولار في العقد الماضي، أو نحو 30% من إجمالي استثماراتها الأجنبية المباشرة في الخارج.
ووفق وحدة أبحاث "إيكونوميست"، وصل إجمالي الاستثمارات التي تم الإعلان عنها من دول مجلس التعاون الخليجي في أفريقيا إلى مستوى قياسي بلغ 60 مليار دولار في عام 2022 و53 مليار دولار أخرى في عام 2023، وهذا يفوق كثيراً استثمارات آسيا وأميركا الشمالية وأوروبا الغربية بالقارة السمراء.
ونمت التجارة السلعية بين دول مجلس التعاون الخليجي وأفريقيا بنسبة 8% في السنوات العشر حتى عام 2022، كما نمت بصورة ملحوظة في 2021 وبلغت مستوى قياسياً عند 154 مليار دولار في عام 2022، وهذا ما يجعل دول الخليج متفوقة على الولايات المتحدة بين الشركاء التجاريين في أفريقيا، إذ بلغ حجم التجارة بين الولايات المتحدة والقارة السمراء 74 مليار دولار، وفق التقرير.
ومن أكبر هذه الاستثمارات نذكر استثمار دولة الإمارات العربية المتحدة في مصر، بصفقة بقيمة 35 مليار دولار، وهو رقم يمثل نحو 7% من الناتج الاقتصادي السنوي للدولة الخليجية.