النهار

الاقتصاد أولاً... ماذا يعني انضمام تركيا إلى مجموعة "بريكس"؟
باولا عطية
المصدر: النهار
تحاول تركيا تعزيز موقعها الاقتصادي والجيوسياسي من خلال الانضمام إلى مجموعة "بريكس" (BRICS)، التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. يأتي هذا المسعى جزءاً من رؤية تركيا لتحقيق دور أكبر على الساحة الدولية، سياسياً واقتصادياً. فما هي الدوافع الرئيسية التي تقف وراء رغبة تركيا في الانضمام إلى هذه المجموعة؟
الاقتصاد أولاً... ماذا يعني انضمام تركيا إلى مجموعة "بريكس"؟
تركيا وبريكس
A+   A-

تحاول تركيا تعزيز موقعها الاقتصادي والجيوسياسي من خلال الانضمام إلى مجموعة "بريكس" (BRICS)، التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. يأتي هذا المسعى جزءاً من رؤية تركيا لتحقيق دور أكبر على الساحة الدولية، سياسياً واقتصادياً.
فما هي الدوافع الرئيسية التي تقف وراء رغبة تركيا في الانضمام إلى هذه المجموعة؟

مواجهة الضغوط الغربية


تعاني تركيا من توتر متزايد في علاقاتها مع الدول الغربية، خصوصًا الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بسبب قضايا مثل حقوق الإنسان والتعاون العسكري. وهذه الضغوط تدفع تركيا إلى البحث عن بدائل للتعاون الدولي، والانضمام إلى مجموعة "بريكس" يقلل من اعتمادها على الغرب، ويمنحها مرونة أكبر في تحديد سياساتها الخارجية والاقتصادية.

يقول فراس رضوان أوغلو، الباحث المختص في شؤون تركيا والشرق الأوسط، لـ"النهار" إنّ الدوافع التركية للانضمام إلى بريكس "اقتصادية في المقام الأول، وسياسية في المقام الثاني، خصوصاً في ظلّ الضغوط الغربية على تركيا، فبهذه الخطوة تبعث تركيا برسالة إلى دول الغرب، مفادها ’إن لم تدعمونا سنلجأ إلى الآخرين".

ولفت أوغلو إلى أنّ انضمام تركيا إلى مجموعة "بريكس" محصور ببقاء حزب "العدالة والتنمية" بالسلطة، "وفي حال وصول حزب آخر، كالحزب الشعب الجمهوري الذي يرفض سياسة حزب العدالة والتنمية، فلن تنضم تركيا إلى ’بريكس‘، فحزب الشعب الجمهوري غربي الهوى".

تنويع الشراكات

تسعى تركيا إلى تنويع علاقاتها الاقتصادية مع دول خارج إطار القوى التقليدية، كالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، "والانضمام إلى مجموعة ’بريكس‘ يتيح لها فرصًا جديدة للتعاون مع اقتصادات سريعة النمو مثل الصين والهند، ما يوفر لها أسواقًا أوسع لتصدير المنتجات التركية واستيراد الموارد بأسعار تنافسية"، كما يقول أوغلو.

ويضيف: "تساهم هذه الخطوة تركيا في دعم جهودها لتنويع شركائها التجاريين وتعزيز صادراتها وعلاقاتها مع روسيا والصين والبرازيل وجنوب أفريقيا"، مؤكداً أنّ انضمام تركيا إلى "بريكس"، إن حصل، يعزز دورها بوصفها "محوراً للتجارة بين أوروبا وآسيا الوسطى وآسيا الشمالية، وبالتالي يمكنها ربط خطوط التجارة الآتية من أوروبا بدول المجموعة، وخصوصاً روسيا وكازاخستان اللتان تصدران المواد الخام كاليورانيوم والنفط والذهب".

وبحسب أوغلو، تحقيق هذا الأمر يتطلب تفاهماً مع إيران، التي ستتضرر تجارياً، "خصوصاً بعد عودة ناغورنو كاراباخ إلى أذربيجان، المعروفة بالحديقة الخلفية لتركيا".


تركيا... وروسيا والصين

تتمتع تركيا بعلاقات قوية مع روسيا والصين، القوتين الرئيسيتين داخل "بريكس"، وانضمامها إلى المجموعة يعزز هذه العلاقات في مجالات الطاقة والبنية التحتية. وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين تركيا وروسيا 55 مليار دولار في عام 2023، فيما يهدف البلدان إلى الوصول لـ 100 مليار دولار.

يقول أوغلو لـ"النهار": "تعزز تركيا شراكتها مع روسيا في مجال الطاقة النووية، بينما تعتبر الصين شريكًا رئيسيًا في مبادرة ’الحزام والطريق‘ التي تسعى تركيا كي تكون جزءًا منها، على الرغم من تغريدها خارج السرب حالياً".

يضيف: "تبني تركيا طرقها التجارية الخاصة، ومنها طريق التنمية مع العراق، الذي يهدف إلى نقل البضائع من الكويت فالعراق عبر السكك الحديدية باتجاه تركيا فأوروبا، والعكس صحيح. وهذا طريق مفرد، لكن يمكن ربطه بمبادرة ’الحزام والطريق‘ إذا أرادت الصين مثلا الاستفادة من هذا الخط، لذا تترك تركيا الباب مفتوحا أمام كل الخيارات"، علماً أن الصين شريك تجاري مهم لتركيا في آسيا، وثالث أكبر شريك في العالم. وبحسب بيانات رسمية، بلغت قيمة واردات تركيا من الصين 44,9 مليار دولار في عام 2023، في حين بلغ إجمالي الصادرات 3,3 مليار دولار.


التأثير في الساحة العالمية

يسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تعزيز دور تركيا لاعباً مؤثراً على المستوى العالمي. والانضمام إلى "بريكس" يمنح أنقرة فرصة للمشاركة في صنع السياسات العالمية والمساهمة في تشكيل النظام الاقتصادي الدولي بعيدًا عن الهيمنة الغربية، ولأن تركيا جزء من هذه المجموعة، فإن ذلك سيساهم في تقوية نفوذها على المستوى الدولي، خصوصاً في المنتديات الاقتصادية الكبرى.

تمثل اقتصادات دول "بريكس" نسبة كبيرة من الاقتصاد العالمي، وتتميز بنمو سريع مقارنة بالدول الغربية. وتركيا، التي تسعى إلى تحقيق نمو اقتصادي مستدام، تجد في الانضمام إلى هذه المجموعة فرصة للاستفادة من التعاون التجاري والتكنولوجي مع دول بريكس، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في تركيا وتحسين ميزانها التجاري.

يقول أوغلو: "حتى الآن، لم تنجح أنقرة في التعامل بالعملات المحلية، لا مع إيران ولا مع روسيا، على الرغم من الاتفاقات التي عقدتها مع الدولتين بهذا الخصوص، فما زال الدولار يتحكم حتى الآن بالاقتصاد التركي".

توسيع النفوذ الإقليمي والدولي

إلى ذلك، تعتبر تركيا جزءًا مهمًا من المنطقة الجيوسياسية المحيطة بها، والتي تشمل أوروبا وآسيا والشرق الأوسط. وانضمامها إلى "بريكس" يزيد من نفوذها في هذه المناطق، ويمكنها من لعب دور أكبر في السياسات الإقليمية والدولية، كما يتيح لها فرصًا جديدة للتنسيق مع القوى الصاعدة في العالم حول قضايا مثل الأمن والاستقرار الإقليمي.

إلاّ أنّ خطوة الانضمام التركي إلى بريكس وعلى الرغم من أهميتها، فهي لا تخلو من التحديات، ومنها يذكر أوغلو: "أولاً، موافقة أميركا وأوروبا على انضمام تركيا، المرتبطة بشكل عضوي بالاقتصاد الأوروبي والدولار الأميركي؛ وثانياً، هل تقبل بعض دول ’بريكس‘ انضمام تركيا، خصوصا تلك التي تتضارب مصالحها معها، كالصين مثلاً التي تعتبر تركيا منافساً صناعياً قوياً؛ وثالثاً، هل تؤدي السياسة دوراً في هذه المسألة، خصوصاً أن بين تركيا وروسيا ما صنع الحداد، بعد الدعم التركي لأوكرانيا وأذربيجان وكليهما معاد لروسيا، والتوتر التركي – الروسي في شمال سوريا".

ويضيف أوغلو تحدياً رابعاً. يقول: "ربما تؤمن عضوية "بريكس" لتركيا تسهيلات في الاقتراض، وربما تتيح لها فرصاً استثمارية، لكنها محفوفة بالمخاطر، خصوصاً لناحية عدم توازن تجارتها مع أعضاء المجموعة، من دون أن ننسى أن روسيا مؤثرة جداً في الاقتصاد التركي، من خلال قطاعات الطاقة والزراعة والسياحة".

ماذا تستفيد "بريكس"؟

تهدف "بريكس" إلى تعزيز موقع أعضائها من الاقتصادات الناشئة في السوق العالمية، متحدية بهدوء الهيمنة الغربية على النظام الاقتصادي العالمي. فالمجموعة تمثل نحو 28% من الاقتصاد العالمي، وتستحوذ على 44% من إنتاج النفط الخام في العالم، وتتمتع دولها بكثافة سكّانية تقارب 45% من مجموع سكّان العالم.

ستوفر تركيا للمجموعة سوقاً استهلاكية كبيرة، وقاعدة صناعية متطورة، وقطاعاً سياحياً قوياً، "ما يوفر فرصاً جديدة للاستثمار والتجارة، ويعزز التعاون الصناعي، ويمكن أن يساهم في تنشيط السياحة مع الدول الأعضاء الأخرى، إلى جانب توثيق التعاون في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والابتكار والزراعة والأمن الغذائي"، كما يقول أوغلو.

كذلك، يمكن انضمام تركيا إلى مجموعة "بريكس" أن يعزز مكانة المجموعة على الساحة الدولية، ويفتح أمامها آفاقاً جديدة للتعاون الاقتصادي والسياسي بين الدول الأعضاء. كما يعزز النفوذ الجيوسياسي للمجموعة، نظراً للموقع الاستراتيجي الذي تتمتع به تركيا، والذي يؤهلها لأن تكون جسراً بين مجموعة "بريكس" والدول الأوروبية.

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium