النهار

ربع نقطة أم نصف نقطة مئوية... أي خفض في سعر الفائدة أفضل للأسواق؟
باولا عطية
المصدر: "النهار"
بعد دورة تشديد قاسية اعتمدها الفيدرالي الأميركي منذ عام 2020، لكبح جماح التضخم في الولايات المتحدة، أصبح مؤكّداً توجّه المركزي الأميركي إلى أوّل تخفيض لمعدلات الفائدة، في اجتماعه المنتظر اليوم وغداً.
ربع نقطة أم نصف نقطة مئوية... أي خفض في سعر الفائدة أفضل للأسواق؟
جيروم باول رئيس الفيدرالي الأميركي
A+   A-
بعد دورة تشديد قاسية اعتمدها الفيدرالي الأميركي منذ عام 2020، لكبح جماح التضخم في الولايات المتحدة، أصبح مؤكّداً توجّه المركزي الأميركي إلى أوّل تخفيض لمعدلات الفائدة، في اجتماعه المنتظر اليوم وغداً، 17 و18 أيلول (سبتمبر) الجاري. وكان رئيس الفيدرالي جيروم باول قد جهّز الأسواق في آب (أغسطس) المنصرم معلناً أن "الوقت حان، والفيدرالي لن ينتظر وصول التضخم إلى 2% لتخفيض الفائدة".
 
وكان معدل التضخم في الولايات المتحدة قد تباطأ خلال أغسطس الماضي إلى 2.5% على أساس سنوي، لينجو الاقتصاد الأميركي من حالة ركود كادت تهدده، وهو ما وصفته صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية بتعبير "الهبوط الناعم"، ويعني تراجع وتيرة النمو الاقتصادي بصورة مطردة مع اقترابه من الركود، لكنه يتجنبه غالباً.
 
وعليه، شهدت الأسواق المالية تذبذبات ملحوظة مع اقتراب موعد خفض الفائدة، عاكسة تأثراً واسعاً بالتصورات المتزايدة حول حجم هذا الخفض. وقالت أليشيا موديستينو، أستاذة الاقتصاد في جامعة نورثيسترن يونيفرسيتي في بوسطن، لوكالة الصحافة الفرنسية إن المسألة "لم تعد تكمن في معرفة ما إذا كان الفيدرالي سيخفض أسعار الفائدة أم لا، بل تتعلق بنسبة هذا الخفض".
 
ومع ارتفاع التكهنات حول خفض أسعار الفائدة بواقع 50 نقطة أساس أو 25، شهدت المعادن الثمينة كالذهب ارتفاعاً، واستفاد النفط جزئياً من هذه التوقعات. في الوقت ذاته، سجلت الأسواق المالية، خاصة في الولايات المتحدة والخليج، ارتفاعات مع تفاؤل المستثمرين بتيسير السياسة النقدية وزيادة النشاط الاقتصادي.
 
دولار وذهب ونفط
 
تراجع الدولار إلى أدنى مستوياته منذ 9 أشهر مقابل الين الياباني، حيث أثارت التوقعات بخفض سعر الفائدة بواقع 50 نقطة أساس ضغوطاً كبيرة على العملة الأميركية. جاءت هذه التحركات بعد تقارير من وسائل الإعلام وبيانات من محللين تشير إلى أن خفضاً بهذا الحجم لا يزال خياراً محتملاً. نتيجة لذلك، انخفض الدولار بنسبة 0.66% أمام الين ليصل إلى 140.855 ين، ما يعكس توقعات الأسواق المتزايدة بتخفيف السياسة النقدية.
 
في المقابل، حقق الذهب مكاسب قوية مدفوعاً بتراجع الدولار وتوقعات خفض أسعار الفائدة. ارتفع سعر الذهب في التعاملات الفورية بنسبة 0.4% ليصل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 2,588.81 دولار للأونصة. يعد الذهب ملاذاً آمناً للمستثمرين في فترات عدم اليقين الاقتصادي، ويزداد الطلب عليه مع انخفاض الدولار وتوقعات بتيسير السياسة النقدية في الولايات المتحدة.
 
وارتفعت أسعار النفط بشكل طفيف، حيث زادت العقود الآجلة لخام برنت بنسبة 0.2% لتصل إلى 71.76 دولار للبرميل. تأتي هذه الزيادة مدعومة بتوقعات خفض الفائدة الذي يعزز النشاط الاقتصادي والطلب على النفط. مع ذلك، كانت المكاسب محدودة بفعل استئناف الإمدادات الأميركية بعد الإعصار "فرنسين"، وكذلك البيانات الصينية الأضعف من المتوقع التي أشارت إلى تباطؤ النمو الاقتصادي.

سندات وأسهم
 
مع زيادة التوقعات بخفض أسعار الفائدة، يُتوقع أن تتراجع عوائد سندات الخزانة الأميركية. وهذا التراجع يجعل من هذه السندات أكثر جاذبية للمستثمرين، ما يزيد الطلب عليها ويؤدي إلى ارتفاع أسعارها.
 
على جبهة الأسواق المالية، أغلقت معظم أسواق الأسهم في منطقة الخليج على ارتفاع، مع ترقب المستثمرين قرار الفيدرالي الأميركي بشأن أسعار الفائدة. ففي الولايات المتحدة، شهدت المؤشرات الرئيسية في وول ستريت ارتفاعاً طفيفاً في بداية التداولات مع إعادة تقييم المستثمرين لاحتمالات خفض أكبر للفائدة. ارتفع مؤشر داو جونز الصناعي بنسبة 0.14%، فيما زاد مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 0.14%. هذه المكاسب تعكس التفاؤل بتخفيف السياسة النقدية وزيادة السيولة في السوق.
 
وتفاعلت الأسواق العربية إيجابياً مع توقعات خفض الفائدة، حيث ارتفعت أسهم الدول الخليجية بشكل عام. ففي السعودية، ارتفع مؤشر السوق بنسبة 0.5%، مدفوعاً بارتفاع أسهم مصرف الراجحي. كما شهدت السوق القطرية مكاسب مماثلة، حيث صعد مؤشر البورصة بنسبة 0.6%، في مكاسب واضحة بقيادة مصرف الريان.
 
كبير أو صغير؟
 
في هذا الإطار، تقول فرح مراد، المحللة الأولى للأسواق المالية لدى مجموعة اكويتي، لـ"النهار": "سنشهد خفضاً في أسعار الفائدة في الاجتماع المقبل للفيدرالي"، لكن يبقى السؤال: هل سيكون الخفض بمقدار 25 نقطة أساس أم 50 نقطة؟.
 
تضيف مراد: "إذا اختار الفيدرالي خفضاً صغيراً، بمقدار 25 نقطة، فسيعكس ذلك نهجاً حذراً ويطمئن الأسواق بأن الاقتصاد لا يزال مستقراً نسبياً".
في المقابل، فإنّ خفضاً بمقدار 50 نقطة أساس قد يُفسر إشارة إلى أن الفيدرالي "يشعر بقلق أعمق تجاه أساسيات الاقتصاد، ما قد يؤدي إلى تراجع الثقة في الأسواق وتخوف المستثمرين تجاه النمو المستقبلي"، بحسب مراد التي أضافت: "مع وجود بيانات متباينة مثل تباطؤ سوق العمل وارتفاع خلق الوظائف في الشهر الماضي، يبقى التنبؤ بالمسار الذي سيتبعه الفيدرالي صعباً. لكن التسعير الأعلى يبقى بمقدار 25 نقطة أساس".
 
تعزيز التفاؤل
 
توضح مراد أن "خفضاً بمقدار 25 نقطة قد يحافظ على التفاؤل السائد ويعزز من استمرار ارتفاع الأسهم، حيث يشعر المستثمرون أن الفيدرالي يتخذ خطوات تدريجية ومدروسة. وإذا جاء الخفض بمقدار 50 نقطة، فقد يؤدي ذلك إلى عمليات بيع لجني الأرباح، إذ قد يفسره البعض علامة على قلق أكبر مما كان متوقعاً"، متوقعةً حينها أن تشهد القطاعات المرتبطة بالتكنولوجيا تقلبات أكبر، "في حين أن الأسهم الدفاعية مثل القطاعات الصحية والسلع الأساسية قد تصبح أكثر جاذبية للمستثمرين".
 
وفي سوق العملات، تقول المحللة: "قد يستمر الدولار في التراجع، لا سيما أمام الين الياباني الذي قد يستفيد بشكل ملحوظ كملاذ آمن، إلى جانب مكاسب محتملة لليورو والجنيه الإسترليني".
 
أما الذهب، فتتوقع مراد أن يشهد استمراراً في الارتفاع، "وفي حال اختار الفيدرالي خفضاً أكبر، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة أكبر في أسعار الذهب نتيجة تراجع الدولار وضعف العوائد على السندات. هذا الارتفاع في أسعار الذهب سيعزز أيضاً من أداء شركات التعدين وقد يمتد إلى معادن ثمينة أخرى، مع ارتفاع الطلب على المعدن الأصفر كأداة لحفظ القيمة ضد التضخم وتذبذب الأسواق".
 
 

اقرأ في النهار Premium