تسعى دولة الإمارات العربية المتحدة إلى تعزيز مكانتها واحدة من أكثر الاقتصادات تنافسية وابتكارًا على مستوى العالم، وذلك من خلال استراتيجيات طموحة تهدف إلى توسيع شراكاتها الاقتصادية مع الأسواق العالمية المؤثرة.
في إطار برنامج "مشاريع الخمسين"، الذي أطلق في أيلول (سبتمبر) 2021، تيمناً بذكرى 50 عاماً على تأسيس الدولة في كانون أول (ديسمبر) 1971، تركز الإمارات على إقامة شراكات استراتيجية مع 8 أسواق عالمية رئيسية لتعزيز موقعها مركزاً عالمياً للتجارة والاستثمار، وهدفها تحقيق تنمية مستدامة ورفاه اقتصادي في العقود المقبلة.
رؤية "الخمسين"
تستهدف الشراكات الاقتصادية توسيع نطاق الاتفاقيات الاقتصادية للدولة عالميًا، وتعزيز النمو المستدام للاقتصاد الوطني، مضاعفة حجمه من 1,4 تريليون درهم (39 مليار دولار تقريباً) اليوم إلى 3 تريليونات (81,6 مليار دولار) درهم خلال العقد المقبل. وتسعى الإمارات إلى زيادة حجم التبادل التجاري مع هذه الأسواق بمقدار 40 مليار درهم (10,8 مليار دولار) سنويًا، حيث يصل حجم التبادل التجاري الحالي إلى 257 مليار درهم (70 مليار دولار تقريباً).
تشمل الأسواق الرئيسية الثمانية كلاً من الولايات المتحدة والصين والهند والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا واليابان وكوريا الجنوبية. وتُعتبر هذه الأسواق من أكبر الاقتصادات في العالم، حيث يمثل حجم التبادل بينها وبين الإمارات نحو 80 مليار دولار. وتمثل هذه الأسواق 10% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ويقطنها 26% من سكان العالم. وتمتاز بطلب مرتفع على السلع والخدمات، وبعلاقات تجارية واقتصادية قوية في محيطها الإقليمي، إضافةً إلى اقتصادات نشطة وسريعة النمو.
بعد حزمة أولى من مشاريع الخمسين، تضمنت برنامج القيمة الوطنية المضافة، وشبكة الثورة الصناعية الرابعة، وقمة الإمارات للاستثمار، وبرنامج 10 × 10 الذي يستهدف 10 أسواق عالمية، ويسعى إلى تحقيق زيادة سنوية بقيمة 10% في الصادرات لهذه الأسواق، تتضمن الحزمة الثانية 13 مشروعًا، تم الإعلان عنها في عام 2021، وتركز على دعم المواطنين في القطاع الخاص ضمن برنامج "نافس"، بميزانية تبلغ 24 مليار درهم (6,5 مليار دولار تقريباً). تشمل المشاريع دعم رواتب المواطنين وتغطية اشتراكاتهم في التقاعد، علاوات مالية، ودعم مشاريع الطلاب والخريجين.
تنافسية ومزايا
وتم تشكيل "مجلس تنافسية الكوادر الإماراتية" الذي يهدف إلى توفير 75 ألف وظيفة للمواطنين في القطاع الخاص. الحكومة تتحمل تكاليف تدريب المواطنين في القطاع الخاص لمدة عام، مع دعم الرواتب لمدة تصل إلى خمس سنوات. علاوة على ذلك، يوفر برنامج "مزايا" علاوات مالية للمهن الاستراتيجية مثل البرمجة والطب.
ويغطي برنامج "اشتراك" اشتراكات صندوق التقاعد لمدة خمس سنوات، في حين أن برنامج "كفاءات" يركز على تقديم تدريب متخصص، بميزانية 1,25 مليار درهم (340 مليون دولار تقريباً). ويدعم برنامج "خبرة" الخريجين بالتدريب المهني عاماً كاملاً، بينما يوفر "صندوق الخريجين" قروضًا لبدء مشاريع صغيرة.
من بين البرامج الأخرى، "إجازة التفرغ للعمل الحر" و"الدعم المؤقت" للمواطنين العاطلين عن العمل، بالإضافة إلى برنامج "التقاعد المبكر" لمنح المواطنين فرصة لتأسيس أعمالهم الخاصة.
هذا ما نحتاج إليه
يوضح الخبير الاقتصادي علي الحازمي لـ"النهار" أن "هذا التوجه هو ما تحتاج إليه المنطقة بشكل عام، لتحقيق التكامل الاقتصادي، والتحولات نحو الثورة الصناعية الرابعة. فالإمارات، مثل السعودية، تسعى إلى تنويع اقتصادها وتقليل الاعتماد على النفط، وجعل الأنشطة غير النفطية هي العمود الفقري للاقتصاد".
ويؤكد الحازمي أهمية التكنولوجيا في "مشاريع الخمسين"، مشيرًا إلى "مبادرة 100 مبرمج كل يوم"، التي تهدف إلى تدريب 100 ألف مبرمج ودمجهم في الاقتصاد، وكذلك مشروع "شبكة الثورة الصناعية الرابعة" الذي يهدف إلى تأسيس 500 شركة جديدة تعتمد على الرقمنة وإنترنت الأشياء، إضافة إلى مبادرة "Tech Drive" بتمويل قدره 5 مليارات درهم لدعم التحول نحو الثورة الصناعية الرابعة.
ويضيف: "تسعى الإمارات إلى جذب الاستثمارات الأجنبية بتطوير بنيتها التحتية وسنّ قوانين جديدة، مثل قانون البيانات الإماراتي لضمان سرية المعلومات وحماية الخصوصية، وأنظمة الإقامة الخضراء والحرة لاستقطاب رواد الأعمال والمواهب".
الإمارات والشرق
اعتماداً على الرؤية التي تحكم "مشاريع الخمسين"، تعتمد الإمارات استراتيجية شاملة تشمل الانفتاح التجاري والاستثمار في قطاعات متنوعة، مع تطوير المناطق الحرة، التركيز على الابتكار والتكنولوجيا، وإبرام اتفاقيات اقتصادية وتجارية ثنائية.
ففي عام 2023، بلغ حجم التجارة الخارجية غير النفطية بين الإمارات والصين مثلاً إلى 81 مليار دولار، لتظل الصين الشريك التجاري الأول للإمارات. وبحسب أرقام رسمية، تُمثل الواردات من الصين 18% من واردات الإمارات، وتحتل الصين المركز 11 في صادرات الإمارات غير النفطية بنسبة 2.4%، بينما تساهم بنسبة 4% في إعادة التصدير. ويهدف البلدان إلى رفع حجم التجارة الثنائية إلى 200 مليار دولار بحلول 2030. بلغت الاستثمارات الإماراتية في الصين 11,9 مليار دولار بين عامي 2003 و2023، فيما بلغت الاستثمارات الصينية في الإمارات 7,7 مليارات دولار.
في 2022، تم توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة (CEPA) بين الإمارات والهند، بهدف تعزيز التدفقات التجارية والاستثمارية بين البلدين وزيادة حجم التبادل التجاري غير النفطي إلى 100 مليار دولار بحلول 2030. ارتفعت التجارة غير النفطية بين البلدين إلى 53,4 مليار دولار في 2023، مع تسجيل استثمارات إماراتية بقيمة 16,2 مليار دولار في الهند بين عامي 2019 و2023، في مقابل 7,76 مليارات دولار من الاستثمارات الهندية في الإمارات.
وفي 2023، تم توقيع اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة مع كوريا الجنوبية، تهدف إلى تعزيز التجارة الخارجية غير النفطية وتجاوز 4 تريليونات درهم بحلول 2031 من خلال تسهيل التجارة وإزالة الرسوم الجمركية. كما وقعت الإمارات واليابان 23 اتفاقية ومذكرة تفاهم لتعزيز الروابط في مجالات متنوعة في العام نفسه. الإمارات شريك تجاري أول لليابان في العالم العربي، حيث بلغت قيمة التبادل التجاري بينهما 7 مليارات دولار في عام 2022. وتعمل 10 آلاف شركة يابانية في الإمارات في قطاعات التكنولوجيا والطاقة المتجددة والنقل.
الإمارات والغرب
تُعد الولايات المتحدة شريكًا طويل الأمد للإمارات في مجالات مثل الطاقة النظيفة. في 2022، تم توقيع اتفاقية للشراكة في مشاريع الطاقة النظيفة بقيمة 100 مليار دولار، بهدف إنتاج 100 غيغاواط بحلول 2035. بلغت التجارة الثنائية بين البلدين 25 مليار دولار في 2021، وبلغت استثمارات الإمارات في الولايات المتحدة 65 مليار دولار بنهاية 2020، بينما استثمرت الولايات المتحدة 19,4 مليار دولار في الإمارات في الفترة ذاتها.
وبلغ حجم التجارة بين الإمارات والمملكة المتحدة 18,6 مليار جنيه إسترليني في عام 2019، مع استثمارات ثنائية تبلغ 13,4 مليار جنيه استرليني، فيما شهدت العلاقات بين الإمارات وفرنسا توقيع 13 اتفاقية في 2023، وبلغ حجم التجارة غير النفطية بينهما 25,2 مليار درهم في عام 2021، وبلغت قيمة الاستثمارات الفرنسية المباشرة في الإمارات 2,5 مليار يورو.
وتشهد العلاقات التجارية بين الإمارات وألمانيا نموًا مستمرًا، حيث بلغ حجم التبادل التجاري غير النفطي 9,6 مليارات دولار في عام 2022.