النهار

ديون العالم تتجاوز 315 تريليون دولار... كيف تتوزع؟
باولا عطية
المصدر: النهار
يشهد العالم اليوم ارتفاعًا غير مسبوق في مستويات الدين العالمي، والذي بلغ 315 تريليون دولار، موزعًا بين الأسواق الناشئة والناضجة، ويمثل تحديًا كبيرًا أمام الاقتصاد العالمي. ​
ديون العالم تتجاوز 315 تريليون دولار... كيف تتوزع؟
الدين العالمي
A+   A-
يشهد العالم اليوم ارتفاعًا غير مسبوق في مستويات الدين العالمي، والذي بلغ 315 تريليون دولار، موزعًا بين الأسواق الناشئة والناضجة، ويمثل تحديًا كبيرًا أمام الاقتصاد العالمي.

 

هناك عدة أسباب رئيسية تفسر هذا الارتفاع المتسارع في الدين العالمي يفندها علي متولي، الاستشاري الاقتصادي بشركة ibis للاستشارات ومقرها بريطانيا، "وعلى رأسها السياسات المالية التوسعية، حيث قامت الحكومات في العديد من الدول بعد الأزمات المالية الكبرى، مثل أزمة 2008 المالية العالمية وأزمة جائحة كورونا، بزيادة الإنفاق الحكومي بشكل كبير لدعم الاقتصاد". أدت هذه السياسات إلى زيادة الاقتراض الحكومي، حيث سجلت الحكومات 63 تريليون دولار من إجمالي الدين.
 
توزّع الديون
شجعت سهولة الوصول إلى الائتمان وانخفاض معدلات الفائدة في السنوات الماضية الأفراد على الاقتراض، سواء للاستهلاك أو الاستثمار في العقارات، "ما تسبب بأزمات اقتصادية في بريطانيا والولايات المتحدة وغيرهما، حيث أدت الأسر دورًا رئيسيا في ارتفاع الدين العالمي، لتبلغ ديونها 39,9 تريليون دولار"، بحسب متولي.

 

أما القطاع المالي فساهم بحصة كبيرة من الدين العالمي، حيث بلغ إجمالي دينه 56,5 تريليون دولار. ويشرح متولي أنّ هذا التوسع "جاء نتيجة لزيادة النشاطات الاستثمارية والاقتراض لتمويل المشاريع الكبرى".

 

من جهة أخرى، استدانت الشركات غير المالية بمقدار 50,2 تريليون دولار لتمويل التوسع التجاري والاستثماري في الأسواق العالمية في ظل العولمة والاحتياج إلى تمويل المشروعات الكبرى والبنية التحتية، فيما سجلت الأسواق الناشئة 105,4 تريليونات دولار من إجمالي الدين، منها 19,2 تريليون دولار من الأسر.
ووفقًا لبيانات مرصد خدمة الديون، استحوذت الأسواق الناضجة على 209,7 تريليونات دولار من إجمالي الدين العالمي. وهذا الدين موزع بين الحكومات والقطاع المالي والشركات غير المالية والأسر.

 


مخاطر ارتفاع الدين العالمي
يقول الاستشاري الاقتصادي إن ارتفاع الدين العالمي يشكل ضغطاً على السياسات النقدية، ويزيد الأعباء على البنوك المركزية في محاولتها موازنة معدلات التضخم وأسعار الفائدة، مضيفاً: "أي ارتفاع في أسعار الفائدة قد يؤدي إلى زيادة تكلفة خدمة الدين، ما يُثقل كاهل الحكومات والشركات. وفي بعض الأحيان، قد تلجأ الحكومات لطباعة الأموال لتمويل الديون، ما يرفع نسبة التضخم ويؤدي إلى فقدان السيطرة على الأسعار، ولعل لبنان يعتبر خير مثال على ذلك".

 

من جهة أخرى، مع ارتفاع مستويات الدين، تكون الشركات والحكومات عرضة لمخاطر الإفلاس في حال حدوث أزمات اقتصادية جديدة أو اضطرابات مالية. يقول متولي: "إن ارتفاع الدين العالمي يزيد من هشاشة النظام المالي العالمي، وقد يؤدي إلى انعدام الثقة في الأسواق، وتراجع الاستثمار الأجنبي، وانخفاض قيمة العملات الوطنية في بعض الدول، مما يسبب أزمات اقتصادية حادة".
 
الاقتصاد العالمي في خطر
لا تنحصر مخاطر ارتفاع الدين العالمي في بلدان معينة، بل تطال الاقتصاد العالمي كله. يقول شرح إنّ "الإنفاق المتزايد على خدمة الديون يؤدي يقلّص الاستثمارات الحكومية في القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية، ما ينعكس سلبًا على النمو الاقتصادي. وتعاني الأسواق الناشئة من ارتفاع تكلفة الاقتراض بالمقارنة مع الدول المتقدمة، ما يوسّع فجوة التنمية بين الشمال والجنوب".

 

إضافة إلى ما تقدّم، قد تواجه بعض الدول التي تعاني ارتفاعاً في مستويات الدين العام أزمات سيادية تتعلق بعدم قدرتها على سداد الديون، مما يتطلب إعادة هيكلة الديون أو تدخلات من صندوق النقد الدولي، مثل الأرجنتين ومصر ولبنان والأردن.

 

ويختم متولي بالقول: "يعكس ارتفاع الدين العالمي تحولًا في السياسات الاقتصادية العالمية نحو الاقتراض كأداة رئيسية للنمو، لكنه يحمل مخاطر كبيرة تتطلب استراتيجيات حذرة لضمان استدامة هذه الديون والسيطرة على تداعياتها الاقتصادية".
 
أي حلول؟
تواجه دول الجنوب العالمي أسوأ أزمة ديون في تاريخها. وهذا الدين الهائل يبتلع حصة كبيرة من إيرادات هذه الدول، ويحدّ بشكل كبير من قدرتها على الاستثمار في مجالات حيوية مثل التعليم والصحة والحماية الاجتماعية. فمتوسط خدمة الدين في دول الجنوب العالمي يبلغ نحو 38% من إجمالي الإيرادات العامة، مع ارتفاع هذه النسبة إلى 54% في أفريقيا. وهذه الديون تحرم الدول من الموارد اللازمة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

 

في المقابل، أثبتت حلول الديون الحالية فشلها. فالاتفاقيات الحالية لتخفيف أعباء الديون غير كافية لمعالجة المشكلة بشكل جذري، بسبب ضعف نمو الاقتصاد العالمي، وسوء إدارة الاقتصاد في بعض الدول، وجائحة كوفيد والصدمات الاقتصادية الأخرى. وهذا الواقع يتطلب حلولاً سريعة. يقترح متولي "الدعوة إلى إلغاء واسع النطاق للدين، خاصة للدول الفقيرة المثقلة بالديون؛ وإعادة هيكلة شروط الديون لتخفيف العبء على الدول المدين؛ وزيادة المساعدات الدولية للبلدان النامية لمساعدتها على التعافي من الأزمة؛ وإصلاح النظام المالي الدولي لجعله أكثر عدالة واستدامة".
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium