*بقلم هادي جان بو شعيا*
تراقب الإدارة الأميركية التقارب الروسي-الإيراني بقلق كبير وتتابع نقل مسيّرات وصواريخ إيرانية إلى موسكو، وتناقش مع حلفائها وشركائها كيفية الردّ بعد فرض عقوبات على كيانات ومسؤولين إيرانيين حسبما أوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس في كلمته: "سنستمر في فرض جميع العقوبات الأميركية بقوة على تجارة الأسلحة الروسية والإيرانية لنجعل من الصعب على إيران بيع هذه الأسلحة لروسيا. كما سنستمر في مساعدة الأوكرانيين للحصول على ما يحتاجون إليه للدفاع عن أنفسهم ضدّ هذه التهديدات".
فيما يبدو أن الكونغرس الأميركي منهمكٌ في الانتخابات الأميركية النصفية التي ستجري الأسبوع المقبل، الأمر الذي يفسّر غياب مواقف أعضائه إزاء التعاون العسكري المتزايد بين موسكو وطهران.
في حين لفت هذا التطور انتباه واهتمام الخبراء والمتابعين على حد سواء إذ برزت تغريدة للمستشار السابق في وزارة الخارجية الأميركية غابريال نورونها جاء فيها: "على الرغم من إرسال إيران مئات الطائرات بدون طيّار فضلاً عن الصواريخ إلى روسيا في انتهاك لقرار مجلس الأمن الدولي 2231، لا تزال وزارة الخارجية الأميركية ترفض إعادة فرض حزمة عقوبات الأمم المتحدة على إيران التي تمنح السلطة الدولية لمجموعة كاملة من الإجراءات لتقييد إيران. على سبيل المثال: توجّه العقوبات جميع الدول إلى "منع وحظر" انتشار الأسلحة التقليدية الإيرانية والصواريخ الباليستية. كما أن العقوبات تحظر على الدول استخدام طائراتها وسفنها وغيرها من أشكال الدعم الإقليمي لمساعدة إيران في العديد من الأنشطة. قد لا تهتم روسيا والصين لذلك لكنّه مهمّ للدول الأخرى، إذا ما تجاهلت روسيا والصين حزمة عقوبات الأمم المتحدة، فستظهران بشكل أكبر خروجهما على القانون."
بين هذا وذاك تبرز أربع قراءات تناقش وتحلل الأداء الكارثي للإدارة الأميركية الحالية والتي تشكل امتدادًا لإدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما إزاء ملف إيران وتداعياته على الأمن الدولي.
- الأولى، تنتقد "عبثية" تمسّك إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن باستمرار المحادثات مع إيران حول برنامجها النووي، خصوصًا بعد تزويدها روسيا أسلحةً لقتل الأوكرانيين، ناهيك عن أن مساعدة النظام الإيراني لروسيا تعتبر جزءًا من حملة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الطويلة لنشر الفوضى في منطقة الشرق الأوسط وحول العالم.
كما يعتزم النظام الإيراني استخدام الأموال التي ستأتيه إثر العودة إلى الاتفاق النووي لقتل شعبه الثائر ضدّه ولتصنيع المزيد من الأسلحة. لذلك تبرز هنا دعوة إلى إدارة بايدن للإعلان عن قطع المفاوضات المتوقفة أصلاً حول اتفاق لا قيمة له.
- الثانية، ترى أن الوقت قد حان لتقف إدارة بايدن بحزم في مواجهة نقل إيران المسيّرات لاسيّما "شاهد 136" التي استخدمتها روسيا فعلاً في أوكرانيا.
وفيما تستعد إيران لتزويد روسيا بصواريخ أرض-أرض في تحدٍّ كبير للمجتمع الدولي وخرق فاضح للقرار 2231، اكتفت إدارة بايدن بفرض بعض العقوبات الإضافية على إيران التي وصلت مسيّراتها وصواريخها إلى فنزويلا وإثيوبيا وأوكرانيا بفضل ضعف سياسة إدارة بايدن الشاملة تجاهها، الأمر الذي يتطلب من الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا على حدّ سواء مراجعة سياستهما تجاه طهران، وإعادة فرض حزمة عقوبات الأمم المتحدة على إيران، فضلاً عن تشديد نطاق العقوبات وحجمها على النظام الإيراني بسرعة لإيقاف نشره للأسلحة الفتاكة والزهيدة الثمن.
- الثالثة، تفيد أنّ هناك خبرًا سيئًا للسياسة الأميركية تجاه إيران. ذلك أن روسيا لن تساعد الغرب إطلاقًا في العودة إلى الاتفاق النووي كما فعلت من قبل. ولعلّ السبب الرئيسي لهذا التحوّل الروسي يظهر من خلال اعتماد موسكو أكثر على طهران اقتصاديًا وعسكريًا جراء الآثار المتتالية لحرب روسيا على أوكرانيا، والتي قد قلّلت من قدرة موسكو وزادت من استعدادها للاعتماد على طهران.
بينما يفضّل الكرملين حالة عدم اليقين التي طال أمدها بشأن مصير الاتفاق النووي على صفقة ناجحة أو انهيار رسمي للمحادثات. وبالتالي يستدعي ذلك حماية الكرملين لإيران في مجلس الأمن كما سيمدّها بالأسلحة الضرورية، خصوصًا إذا ما أعلن الغرب توقيف المحادثات مع الإيرانيين.
- الرابعة، تجادل بأن سياسة بايدن الضعيفة تجاه النظام الإيراني زادت من منسوب التداعيات الكارثية على أميركا جراء تنامي التعاون بين روسيا وإيران. كما تؤكد أن اعتماد بوتين على السلاح الإيراني في إحداث كارثة إنسانية في أوكرانيا يدفع ثمنها المواطن الأميركي عبر العطاءات السخيّة التي يقدمها بايدن لأوكرانيا، ما يعتبر جزءًا من حرب بوتين الاقتصادية على المواطن الأميركي.
من جهة ثانية، شكّل انسحاب بايدن الكارثي من أفغانستان فرصة لروسيا بغية توظيف مقاتلين أفغان مدرّبين للقتال في أوكرانيا.
ممّا لا شكّ فيه أن ضعف سياسة أوباما-بايدن تجاه إيران يساعد بوتين من جهة ويسهّل مسعى إيران في الحصول على أسلحة نووية من جهة أخرى.
قد يتساءل سائل لماذا لم تُفضِّ سياسة التنسيق الغربي (الأميركي-الأوروبي) إلى نتائج إيجابية مع إيران عبر أعطائها المزيد من الحوافز الملموسة؟
لا شكّ أن جميع الحوافز لم تؤتِ أُكلها مع طهران لأسباب ثلاثة:
- الاضطرابات التي تسود الداخل الإيراني من مظاهرات حاشدة في وجه النظام بل هناك ما هو أعمق من ذلك يتمثّل بالإشكالية التي تطرحها خلافة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي، ما يطرح تساؤلات كثيرة حول صلابة النظام وتماسك هيكليته.
- عمليًا بعد رفع الحظر عن النفط والغاز الإيرانيين، تبدو إيران غير مبالية بالعقوبات ظنًّا منها أن الأمور تسير وفق ما تشتهيه.
- تعنّت إيراني في عدم التراجع عن مسائل تؤرق المجتمع الدولي سواء على صعيد الصواريخ الباليستية أو المسيّرات الانتحارية والتوغل والتغوّل الإقليميَّين في رغبة إيرانية جامحة لإبقاء الوضع على ما هو عليه.
ويبقى السؤال الأوسع: ما هو الواقع الجديد الذي سينتج مع تكشّف ملامح مرحلة صعبة بدءًا من الاحتجاجات الداخلية في إيران، مرورًا بعودة بنيامين نتنياهو إلى السلطة في إسرائيل، وصولاً إلى إمكانية دعم أوروبا للمظاهرات الإيرانية على غرار ما حدث في العام 2009 إبان الثورة الخضراء التي اندلعت وقتذاك، والدعم الذي حظيت به المبادرة الإيرانية في الشارع من قبل الرئيس الفرنسي آنذاك نيكولا ساركوزي قبل أن يقوم أوباما بتبدية إتمام الاتفاق النووي الذي وقع بعد ست سنوات في 2015.