لماذا يهتم العرب بالانضمام إلى منظمة بريكس؟ هل هي رسالة موجهة للغرب رفضاً لهيمنته وتجاوزاته على السيادة الوطنية؟ هل هو ميل للمعسكر الشرقي؟ هل هو إحياء لحركة عدم الانحياز؟ وهل ستشكل منظمة دولية موازية للأمم المتحدة، ومنظماتها الفرعية، كالصحة واليونسكو والزراعة والسياحة ووكالة الطاقة الدولية، والمحاكم الأممية؟
بريكس الأمني
هذا على الصعيد السياسي، أمّا على الصعيد الأمني، فهل هذا الموقف العربي ومعه دول جنوب العالم، ردّ على حلف الناتو؟ هل تمثل منظمة بريكس كتلة عسكرية، أمنية، استخبارية، تسعى لتوحيد الأنظمة الدفاعية وتشكيل تحالف دفاعي يحمي أعضاءه من أي تنمّر أو تعدٍّ؟ هل سيعني ذلك وجود قوة مشتركة تحمي الممرّات البحرية وتتدخل ضد الانقلابات وتحارب الإرهاب والمخدرات والجريمة المنظمة؟ وهل ستتبادل هذه الدول من خلال غرفة عمليات موحدة معلومات استخبارية تعينها على التصدي للمؤامرات الداخلية والخارجية؟ وهل ستوقع اتفاقية أمنية موحدة لتعاون قوى إنفاذ القانون والقبض على المجرمين وتسليمهم توازي عمل الانتربول الدولي؟
بريكس الاقتصادي
ثم يأتي البعد الاقتصادي، فنسأل: الى أي مدى سيذهب الأعضاء في مجال التعاون المالي؟ هل ستتم التبادلات التجارية بالعملات المحلية؟ هل سيتم الاتفاق على عملة موحدة تنافس الدولار؟ وهل سيتم فك ارتباط الدولار بالنفط؟ وهل سينشأ نظام بنكي دولي مماثل لسويفت؟ وتجارياً، هل ستقام مناطق حرة، وفضاء مفتوح، ونظام ضريبي مشترك، واتفاقيات ثنائية وجماعية منظمة ومحفزة لأنشطة التجارة والصناعة والاستثمار؟ وهل ستعطى الأولوية في التعدين والتنقيب والطاقة النووية ومشاريع البنية التحتية والمشتريات الحكومية لشركات ومنتجات الأعضاء؟
حلف بلا أنياب
في المقابل، هناك من يهوّن من أمر منظمة بريكس، ويصفها بأسد بلا أنياب، فلا هي بحلف عسكري، ولا تجمع دولها قيم وأهداف مشتركة، بوجود أعداء تقليديين مثل الجارتين اللدودتين الصين والهند، والمتنافسين، روسيا والصين، وأصدقاء الغرب، البرازيل وجنوب أفريقيا، وعلى هذا فقِسْ حال الأعضاء الذين وُجّهت لهم دعوات العضوية: السعودية، إيران، مصر، إثيوبيا، الإمارات، الأرجنتين. وكذا حال أربعين دولة أخرى تقدّمت بطلب العضوية.
ثم إن الاختلافات الواسعة في التركيبة السياسية والاقتصادية والعقيدة العسكرية للدول الأعضاء، والتفاوت الكبير في الثروات والتعداد السكاني والإنتاج القومي، تعطي في مجموعها انطباعاً عن تجمّع ضعيف التماسك، محدود الصلابة والقدرة على تحقيق أهداف كبرى، مثل إسقاط الدولار عن عرشه، أو الوقوف أمام تحالف بقوة الناتو أو الاتحاد الأوروبي، أو حتى مجموعة السبع، ورغم أن الدول الإحدى عشرة، على افتراض موافقة السعودية، ستمثل في مجموعها قرابة نصف سكان العالم، وناتجها القومي ثلث الناتج العالمي.
الرأي والرأي الآخر
إذن، نحن أمام رؤيتين متناقضتين لطبيعة منظمة بريكس وأهدافها وقدرتها على تحقيقها. ويغلب الهوى والتحيّز على آراء المنتمين لهذه الرؤية أو تلك. فالمعارضون للولايات المتحدة خصوصاً، والغرب عموماً، يرون في المنظمة أملاً في مستقبل أكثر سيادة وقوة ورخاءً، ولواءً يمكن الالتفاف حوله لمواجهة الهيمنة الغربية على صناعة القرار الأممي، والقوة العسكرية والتجارية والعلمية.
أما المشككون في بريكس، فهم غالباً من مؤيدي الغرب والمؤمنين بالتفوّق الأميركي والقيادة الأميركية للعالم الحرّ. وبعضهم يبني على سوابق تاريخية لمنظمات قامت وزالت، أو بقيت ظاهرة صوتية، ومنبراً أممياً لهواة الظهور من زعامات العالم، وانظر حولك. فما الذي قدمته الجامعة العربية، مثلاً، أو منظمة التعاون الأفريقي، أو حركة عدم الانحياز للشعوب والمصالح القومية؟
أهداف بريكس
وفي رأيي، إن التطرف في الأحكام ظلم للمحكوم، وإن صاحب الغرض ليس أهلاً للتحكيم. وإن الحقيقة أولى ضحايا الصراع. فلنبدأ بالتعرّف إلى الحقائق.
بريكس هي منظمة دولية تضم خمسة اقتصادات ناشئة رئيسية: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. تأسست المنظمة في عام 2006 بهدف تعزيز النمو الاقتصادي والتنمية من خلال التعاون والتنسيق.
تتمثل أهدافها في دعم النموّ الاقتصادي والتنمية من خلال التجارة والاستثمار والتعاون المالي، وتعزيز التعاون السياسي والأمني، ومعالجة التحديات المشتركة، مثل تغيّر المناخ والإرهاب والفقر، وإصلاح مؤسسات الحوكمة العالمية لجعلها أكثر تمثيلاً لمصالح الاقتصادات الناشئة، وتوثيق التعاون بين الدول النامية.
منجزات اقتصادية
ما حققته المنظمة حتى تاريخه يمكن تلخيصه في ما يأتي: اتفقت دولها على خفض الرسوم الجمركية وغيرها من الحواجز أمام التجارة، كما أنشأت عدداً من الآليات لتسهيل التجارة، مثل اتفاقية إطار التجارة والاستثمار بريكس.
وعملت على تشجيع الاستثمار البيني فأنشأت عدداً من الآليات، كمنتدى الترويج للاستثمار بريكس. وبنك تنمية بريكس لتقديم المساعدة المالية للأعضاء المحتاجين. واتفقت على العمل معاً لمواجهة آفات الفقر والجوع والمرض.
أمن ومناخ وبيئة
وعلى الصعيد الأمني، أجرت دول بريكس عدداً من التدريبات العسكرية المشتركة واتفقت على التعاون في مكافحة الإرهاب وغيرها من القضايا الأمنية.
كذلك تتعاون دول المنظمة على معالجة مشكلة تغير المناخ. وتعهدت بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. والتزمت بزيادة الاستثمار في قطاعات التعليم والرعاية الصحية.
ومن أمثلة الإنجازات المحققة، نجد أنه في عام 2019، وافقت دول بريكس على إنشاء صندوق بقيمة 100 مليار دولار لمساعدة البلدان النامية في مكافحة تغيّر المناخ.
وفي 2020، أطلقت دول بريكس بنك تنمية بريكس الجديد، بهدف توفير التمويل لمشاريع البنية التحتية في البلدان النامية.
وفي 2021، عقدت دول بريكس قمّتها الافتراضية الأولى، وناقشت طرق تعزيز التعاون الاقتصادي ومعالجة جائحة COVID-19.
الإضافة العربية
وبناءً على ذلك، فإن انضمام دول عربية وأخرى من قارات العالم المختلفة، سيضيف الى قوة المنظمة وقدرتها على تحقيق أهدافها. فالسعودية والإمارات، مثلاً، بثرواتهما النفطية، وإمكانياتهما المالية، ومكانتهما الدولية، ستشكلان إضافة لا يُستهان بها. ووجود دول لها تاريخ خلافي، كالهند والصين، وإيران والدول العربية، يعني توافر منصّة للتلاقي والتفاهم، وإطار للتعاون، وآلية للتحكيم وإدارة الخلافات.
تكامل لا تنافر
ثم إن تفاوت الإمكانيات فرصة لتكاملها. فإثيوبيا والبرازيل والأرجنتين وروسيا والهند سلال غذاء كبرى، فيما تنعم دول الخليج وروسيا بموارد طاقة ثرية. وهناك الصين بطاقتها الصناعية الهائلة، وجنوب أفريقيا ومصر بإمكانياتهما السياحية العالية.
أمّا سكانياً، فالصين والهند وروسيا ومصر والبرازيل تملك أكبر تعداد سكاني، يقارب تعداد نصف سكان الأرض، وفي المقابل، هناك دول كالسعودية والإمارات بحاجة الى المهارات والقدرات البشرية المتاحة لدى تلك البلدان.
تعاون أممي
وبنفس القياس، يمكن النظر الى العلاقات الدولية وعضوية المنظمات المختلفة، مثل منظمة الأمم المتحدة، وشنغهاي، وجنوب أميركا، ومجموعة العشرين، ومنظمة التعاون الإسلامي، والجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي، والوجود في خمس قارات، آسيا، أفريقيا، أميركا الجنوبية وأوروبا (روسيا).
وهذه مجرد أمثلة عابرة لتخيّل فرص التعاون والتكامل بين الدول الأعضاء. وهي بذلك مكملة لغيرها من المنظمات السياسية والاقتصادية الدولية وليست بالضرورة منافسة لها. ولا يعني الانتماء إليها خصومة مع غيرها.
مخاوف الغرب
ومع ذلك فالغرب لا يحبّذ قيام تكتلات لا يكون مسيطراً عليها. فروسيا استفادت من منظمة بريكس بعد تطبيق العقوبات الاقتصادية عليها من قبل مجموعة السبع، مثلاً، بعد ضمّها شبه جزيرة القرم، فزادت تعاملاتها مع أعضاء بريكس لتصل الى 138 مليار دولار، في الفترة التي تناقصت فيها معاملاتها مع أوروبا، مما عوّض هذه بتلك.
وقيام كتل اقتصادية، أمنية مكافئة للكتل الغربية، مثل مجموعة الدول الصناعية السبع، والاتحاد الأوروبي، ومستقلة عن المنظمات الأممية التي يتحكم فيها الغرب، كالأمم المتحدة، ومجلس الأمن، والمحكمة الجنائية، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والانتربول، يعني تقليص نفوذ أميركا وحلفائها وسيطرتها على المشهد الدولي، السياسي والأمني والمالي.
وهناك الخشية من إسقاط الدولار عن عرشه، ونشوء عملة دولية موازية لليورو، ونظام مالي مصرفي موازٍ لسويفت، ومنظمة تجارية موازية لمنظمة التجارة العالمية، بمعايير وأنظمة وحوكمة مستقلة عن النظام الدولي القائم.
مصلحة العرب
توازن العلاقات الدولية، وتنويع مصادر التمويل والتجارة والسلاح والغذاء، حق سيادي مشروع. ولكي تتحقق للعرب القدرة على الوصول إلى أفضل العروض والعقود والاتفاقيات، فإن المصلحة تقتضي المشاركة في المنظمات البديلة، والتكتلات الموازية، والمحافظة في نفس الوقت على العلاقات المثمرة والعضويات الحالية مع الدول والمنظمات الأممية التقليدية.
شعار الحياد الإيجابي الذي رفعته السعودية، وتبنّته قمة الأمن والتنمية العربية، في اجتماعها الأخير بمدينة جدة، ومبدأ الاستقلال والسيادة الوطنية، والمصالح القومية، كلها تعني أن نقف من القطبية الدولية المتشكلة موقفاً متوازناً، غير منحاز، إلا للعدالة والسلام العالمي والتعاون الأممي والمصالح المشتركة بين الدول والشعوب.
وكما أوضح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في حديثه مع قناة فوكس نيوز أخيراً فإن بريكس مجموعة اقتصادية متفرعة من قمة العشرين كمجموعة الدول الصناعية السبع، ولا ينبغي أن يُنظر إليها خارج هذا الإطار.
مرحباً بريكس ... ومرحباً بوحدة العرب ... ومرحباً بأوروبا الجديدة في الشرق الأوسط الجديد.
@KBATARFI